التسامح: مفهوم ينخره النفاق؟ 2\3هذا أخطر أنواع اللاتسامح وأكثرها شيوعا في المجتمعات.. وهكذا يمكن مواجهته! الجزء الثاني
رأينا في الجزء الأول، أن اللاتسامح الشعبي يعد الأكثر شيوعا في المجتمعات والأكثر خطورة. في هذا الجزء الثاني، نكتشف سمات شخصية “اللامتسامح”، وسنرى كيف أن اللاتسامح “قاس” بينما قد ينخر …
رأينا في الجزء الأول، أن اللاتسامح الشعبي يعد الأكثر شيوعا في المجتمعات والأكثر خطورة. في هذا الجزء الثاني، نكتشف سمات شخصية “اللامتسامح”، وسنرى كيف أن اللاتسامح “قاس” بينما قد ينخر التسامح بعض من “النفاق”.
من هو اللامتسامح “الشعبي”؟
يزخر قاموس اللامتسامح، حسب كتاب “أعداء الحوار.. أسباب اللاتسامح ومظاهره”، بعبارات مثل: “لا أطيق، يرعبني، يقشعر بدني…”. ويبدو أن الازدراء، شعور سائد لديه أكثر من الكراهية. فالكراهية في واقع الأمر، شكل ملتو من أشكال الحوار والألفة، إذ يصعب أن نكره أحدا، نظن أن لا شيء مشتركا بيننا وبينه.
إن أكثر ما قد يصله اللامتسامح هو التعصب، وهذا وارد، إذا ما سلمنا بكون أن تحركه يقوم دائما على أحكام تقويمية سلبية أكثر من أي شيء آخر. فهذا النوع من الأشخاص، مستعدون دوما للحكم على الأشياء والآخرين. في سبيل ذلك، فهم لا يستخدمون كلمات من قبيل “تقريبا” أو “نوعا ما”، بل إن هذا الموقف بالنسبة لهم “عبث مطلق”، وذاك الشخص “أحمق تماما”.
هكذا، هم معتادون على التعميم، يرون الحياة من منظور اختيارات، ويقسمون العالم إلى حق وباطل، وفق مايكل أنجلو ياكوبوتشي الذي تطرقنا لكتابه في الجزء الأول. كما أنهم يمتلكون إحساسا قطعيا، بصواب رأيهم، ويتبين ذلك من خلال طريقة كلامهم، إيماءاتهم، وحتى من هيئتهم.
لكن، تجدر الإشارة إلى أن هناك مظاهر لاتسامح أقل هوسا وتعصبا، ترجع في الغالب إلى رغبة الإنسان في الترفع عن “ترهات” الحياة اليومية، وإثبات الذات واعتراف الآخر.
اقرأ أيضا: “فاروق سلوم من السويد يكتب: أوهام الهجرة والاندماج. بداوة عربية في أرض المهجر”
اللاتسامح “قاس” والتسامح قد ينخره “النفاق”
دائما ما اعتبر التسامح، في الغرب المعاصر، مصطلحا مميزا، فيكتبون حرفه الأول؛ أي T، كبيرا، وذلك على الأقل منذ كتب الفيلسوف الإنجليزي جون لوك، كتابه “رسالة في التسامح”.
قد يرى البعض أن التسامح مصطلح مبهم، أو كما يصفه أمبيرتو إيكو، مصطلح لا متسامح في حد ذاته، لأنه يفترض وفق من يرفضونه، أنه يترجم الاعتقاد بأن شخصا ما غير مقبول وأدنى مرتبة، ويفضل تحاشيه؛ لكن، انطلاقا من مبدأي الأدب والسلامة لا غير، نتسامح معه.
أنجلو: يندر أن يكون الدافع الأول للاتسامح فيما قبل، هو الازدراء أو الكراهية؛ إذ غالبا ما كان المنتصر في القديم، يندمج مع المنهزم، بل ويتخذه مثالا.
يثير مصطلح “تسامح” منذ القديم انتقادات عدة. بالمقابل، قد يتفق الجميع بشكل ما على معنى اللاتسامح. وإن كانت بعض مظاهر التسامح ينخرها “النفاق” وتستتر على بعض التحفظات الذهنية، فاللاتسامح على خلاف ذلك، يتسم بــ”الصراحة القاسية” وفق أمبرتو إيكو.
في الواقع، نكتفي عادة بإدراج بعض أشكال العنصرية الشائعة تحت مسمى اللاتسامح، لكننا لا نقيس بالفعل كل مظاهره، إن على المستوى الديني أو الثقافي أو السياسي أو الإديولوجي.
اقرأ أيضا: “حسين الوادعي: التأليف الإسلامي حول العلمانية”
بين الأمس واليوم
ولد مصطلح “التسامح” في أوروبا، في خضم عصر التنوير؛ وهو بذلك مصطلح حديث، صاحب نهاية الحروب الدينية. بالمقابل، ترسخت الأفكار الثورية القائمة على إشاعة حقوق الإنسان، وبالأخص المساواة بين البشر كلهم دون تمييز.
أما اللاتسامح، وإن كان مشتقا من كلمة تسامح؛ كإشارة إلى الافتقار إلى الأخير، فإنه يعني في جوهره، الانغلاق التام تجاه الآخر؛ وهي ظاهرة موغلة في التاريخ يمكن تفسيرها، حسب البعض، بالغريزة.
ما من شك، حسب مايكل أنجلو ياكوبوتشي ، أن اللاتسامح في القديم، والذي حدد التاريخ الإنساني فيما بعد، كان نتيجة للصدامات التي تندلع بسبب احتياجات موضوعية، كالطعام، والأرض والماء، وما إلى ذلك. لكن، وفي أعقاب تعقد التنظيم الاجتماعي، أصبحت هذه الصدامات المؤدية إلى اللاتسامح، تندلع لضمان مواقع بارزة في توازن القوى.
هكذا، يندر، وفق أنجلو، أن يكون الدافع الأول للاتسامح فيما قبل، هو الازدراء أو الكراهية؛ إذ غالبا ما كان المنتصر في القديم، يندمج مع المنهزم، بل ويتخذه مثالا.
اقرأ أيضا: “#ألف_حكاية_وحكاية: الوريثة”
في الجزء الثالث والأخير، نكتشف مختلف السمات المغلوطة التي يفهم بها الآخرون شخصية المتسامح، كما نكشف رأي امبرتو إيكو الذي يعتبر فيه التربية كأساس للقضاء على اللاتسامح “الشعبي”.
لقراءة الجزء الأول: هذا أخطر أنواع اللاتسامح وأكثرها شيوعا في المجتمعات… وهكذا يمكن مواجهته! 3/1
لقراء الجزء الثالث: التسامح: هل يمكن القضاء على اللاتسامح “الشعبي”؟ 3/3