أحمد الخمسي يكتب ـ حزن الظن: بداية همنا مع أمريكا - Marayana - مرايانا
×
×

أحمد الخمسي يكتب ـ حزن الظن: بداية همنا مع أمريكا

آه من صاحب جائزة نوبل للسلام: تيودور روزفلت! رئيس الولايات المتحدة بداية القرن 20، له قصة مع المغرب ومغاربة عهده. مولاي أحمد الريسوني من مواليد تطوان. لم نطلع لا في …

آه من صاحب جائزة نوبل للسلام: تيودور روزفلت!

رئيس الولايات المتحدة بداية القرن 20، له قصة مع المغرب ومغاربة عهده. مولاي أحمد الريسوني من مواليد تطوان. لم نطلع لا في كتاب القراءة ولا في التاريخ ولا في العربية ولا الفرنسية عن حكاية شخصية مغربية كانت موضوع حملة انتخابات رئاسية في أمريكا بالتهديد والوعيد.

لقد كان لمولاي أحمد (بائع السجائر بالتقسيط بمدينة تطوان) فضل إهدائي كتاباً وقد بدت عليه علامات الاهمال وأكلت التونيا جنبات بعض صفحاته.

عموما يستعين مولاي أحمد ببعض الكتب المدرسية أثناء الدخول المدرسي، لعل أما فقيرة تجد لديه بسعر درهمين أو ثلاثة ما يستجيب لمتطلبات الدخول المدرسي لابنها.

كل الكتب المدرسية التي يعرضها إلى جانب السجائر والحلويات الرخيصة، ربما تشترى ليتم التبادل في الأحياء الفقيرة وقت الدخول المدرسي. هكذا يحتال الفقراء على منعطفات الحياة الصعبة بالتواءات وحيل مقابلة لها.

لقد ذهب غزاة الغرب لكل مناطق العالم مذهب توحيش الشعوب المحلية، حد نشر أكذوبة اعتبارهم “أكلة لحوم البشر”

ما علينا… واقفا على رأس مولاي أحمد، وهو يرتب سلعته اليومية فوق الطبيلة، تصفحت الكتاب، مُبْعِدُهُ عن أنفي من شدة رائحة الغمال؛ فإذا به من وثائق “أكاديمية المملكة”.

ذهبت توا لفهرسته، فإذا به يحتوي عروضا حول تاريخ المغرب. كما ستأتي الفرصة لتجد الحديث عن العلاقات المغربية الامريكية بمناسبة مؤتمر الخوزيرات بداية القرن العشرين.

المهم هو أن الرئيس الأمريكي السابق، صاحب جائزة نوبل، يا حسرة الحسرات، هو من دفع بالكونكريس الامريكي ليتخذ قرار الحرب ضد اسبانيا في كوبا. كان حينها مجرد مسؤول في إحدى الوزارات الامريكية وفي ريعان الشباب.

اقرأ لنفس الكاتب: حزن الظن – باب الجياف… باب اليهود

يستحضر مؤلف كتاب “الدبلوماسية الامريكية”(George F . KENNAN :1951) كلام “فريديريك غوكين” بما يلي: “إن المسألة الهامة المعروضة أمام شعب هذا البلد، هي أي أثر سيكون من شأن سياسة إمبراطورية أن تتركه علينا، لو سمحنا لهذه السياسة أن تتوطد؟”

يتحدث المؤلف “كينان” عن استعداد الولايات المتحدة للحرب مع اسبانيا في كوبا وكيف تطورت إلى احتلال الفيليبين وتبعات ذلك. لنتذكر كيف أن الموظف السامي تيودور روزفيلت، الذي سيصبح رئيسا فيما بعد، طلبت منه أوربا ترؤس مؤتمر الخوزيرات، فاشترط أن يكون للولايات المتحدة موطئ قدم ترابي كي يبرر الحضور الأمريكي؛ فأهديت لأمريكا جزيرة المعدنوس.

هنا لا بد من تمييز أدوار أصناف المؤرخين وحجم اهتماماتهم البحثية وحدود منجزاتهم. فلا مؤرخو الحوليات  (محمد داوود، ابن عزوز حكيم) ولا كبار فلاسفة المؤرخين (عبد الله العروي) التفتوا لهذه الجزئية. وحده أحد مؤرخي السلطة (عبد الهادي التازي) من التفت لهذه المقايضة في سياق ظرفيتها التاريخية (بداية القرن 20).

ومرة أخرى، وقبل أن يصبح رئيسا، كتب تيدي روزفيلت: “كان المستعمرون والرواد الأوائل يشعرون في أعماقهم أن الحق إلى جانبهم، وأن هذه القارة العظيمة لا يمكن أن تترك لعبث الهنود المتوحشين” (رنا قباني: أساطير أوربا عن الشرق، ص 17).

المخزن نفسه انشغل بتطويع المتمردين كي يضمن استمراره في الحكم، مع ما يتطلبه المجد والجبروت من سلطة لجلب الثروة المالية الضرورية

لقد ذهب غزاة الغرب لكل مناطق العالم مذهب توحيش الشعوب المحلية، حد نشر أكذوبة اعتبارهم “أكلة لحوم البشر”. فقد استغل كريسطوف كولومب أطروحة أكلة لحوم البشر، كي يحرض اسبانيا على ممارسة خطف الأفارقة واسترقاقهم واستعمالهم في التجديف، بهدف استعمالهم للوصول إلى أمريكا مرات ومرات. هكذا، تمكن المسيحيون من محو الهنود الحمر أكلة لحوم البشر.. فالممارسة الأوربية للاسترقاق والإبادة الجماعية أهون من أكل لحوم البشر. (رنا قباني، ص 16).

العجيب في الأمر أن وفدا دبلوماسيا مغربيا، وهو يزور فرنسا خلال أربعينات القرن 19، استمع من المترجم المرافق أن فرنسيين محملقين في استغراب إزاء لباس وسحنة الوفد المغربي، تساءلوا عن هؤلاء القوم الغرباء؛ فإذا بفرنسي يجيب عن تساؤل “ما نوع التغذية التي يتناولها المغاربة الزوار”، كونهم يأكلون البشر؛ ويزيد من عنده كون ملك فرنسا وهو يحتفي بضيوفه المغاربة يقدم لهم لحم امرأة فرنسية كل يوم، طيلة إقامتهم بباريس (رحلة العمراوي، عبد الرحيم لموذن، مجلة كنانيش، جامعة محمد الأول، وجدة).

الموظف السامي تيودور روزفيلت، الذي سيصبح رئيسا فيما بعد، طلبت منه أوربا ترؤس مؤتمر الخوزيرات، فاشترط أن يكون للولايات المتحدة موطئ قدم ترابي كي يبرر الحضور الأمريكي؛ فأهديت لأمريكا جزيرة المعدنوس

ولنَعُدْ إلى همنا مع أمريكا. عندما نريد أن ننسى عالم الكتب ونسبح في مخيال السينما الهوليودية، نجد أمريكا، وهي راغبة في إلهاء الرأي العام الأمريكي الداخلي وصرفه عن هزيمتها أمام شعب فييتنام الفقير، تنتج فيلما من بطولة يا من لا يعرف “صون كونري”، 007، يلعب دور الشريف الريسوني، بطل جبالة الذي اعتقل الصحافي الانجليزي والتر هاريس، كي يخفف عنه ضغط المخزن، بعدما أتت فرقة من جيش المخزن ونكلت بمداشر بني حزمار وأخذت ماشيتهم واعتقلت 52 من فرسانهم (1903).

أنتجت هوليود سنة 1975 فيلم “الأسد والريح”، ومَثُّلَ صُونْ كُونْرِي دور الريسوني في الفيلم حيث يظهر الرئيس الأمريكي تيدي روزفيلت يكيل للمغاربة التهديد والوعيد في حملته الانتخابية الرئاسية، ويعتبر أسر الأمريكية إيدين بيديكاريس وأبنائها، المقيمين في طنجة، قضيته الانتخابية الأولى ويعد الأمريكيين بإطلاق سراحها، من يد المغاربة المتوحشين.

بعد انتخابه رئيسا (1905)، ستقنعه فرنسا برئاسة مؤتمر الخوزيرات (1906)، فيشترط عليها الحصول على موطئ قدم في المنطقة، ويتم التعهد له كما سبق ذكره أعلاه- بملكية حجرة/جزيرة ليلى (قرب سبتة ومقابلة لجبل طارق).

يصف والتر هاريس الريسوني كونه شخصية قوية له مواصفات باشا عتيد (مقارنة مع قياد وباشوات المخزن). وككل الغربيين، وبسبب عقدة إهانة الاعتقال، يعتبر والتر هاريس الريسوني مجازفا ومتهورا.

الرئيس الأمريكي السابق، صاحب جائزة نوبل، هو من دفع بالكونكريس الامريكي ليتخذ قرار الحرب ضد اسبانيا في كوبا. كان حينها مجرد مسؤول في إحدى الوزارات الامريكية وفي ريعان الشباب

لكن التساؤل المحلي والفعلي هو: لماذا لم تنتج الدولة المخزنية ما قبل الاستعمار متسعا مؤسساتيا، يوفر لأسياد الزوايا وقيّاد القبائل منظومة مركبة هرمية؟ ولماذا لم تثبّت معايير السلطة المهيكلة للمجتمع المحلي بشكل يحتضن التأهيل الثقافي التعليمي والخبرة المهنية المنتجة ومعايير العدالة الاجتماعية، تحت سقف مؤسسات القضاء والسيادة المركزية للعرش وأجهزة الأمن الجسدي والروحي؟

كتب والتر هاريس كما سبق “المغرب المختفي” وقدّم له الكتاب كل من رئيس البعثة العلمية ميشو بيلير والقائد العسكري غورو. نستخلص من كلامهما اتفاق الأوربيين على أن مغرب ما قبل الاستعمار كان عبارة عن امبراطورية فوضى؛ تعب الحسن الأول في ضبط التوازن بين أطماع الدول الأجنبية من جهة ومن جهة ثانية الحروب الداخلية بين القبائل وضد المخزن.

الجواب الفعلي هو كون المخزن نفسه انشغل بتطويع المتمردين كي يضمن استمراره في الحكم، مع ما يتطلبه المجد والجبروت من سلطة لجلب الثروة المالية الضرورية. أما منظومة التحول رفقة العالم فقد حال التحنيط والتكلس دون القدرة على الخروج من صَدَفتهما الصلبة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *