من اليمن، حسين الوادعي يكتب: “الفتوحات” الإسلامية والحروب الصليبية - Marayana - مرايانا
×
×

من اليمن، حسين الوادعي يكتب: “الفتوحات” الإسلامية والحروب الصليبية

انتهت الخلافة الإسلامية إلى غير رجعة. لكن النزعة الإمبريالية الاستعمارية لا زالت مزروعة داخل المسلمين؛ فحلم غزو العالم وفرض حكم الإسلام على جميع بلدان الأرض لازال حلم الداعشي المكبوت، يخرج الى العلن أحيانا ويختفي في أحيان أخرى، تقية وتجملا، في أغلب الأحيان…

للمستشرق الكبير برنارد لويس ملاحظة ظريفة حول نظرة المسلمين للاستعمار، يقول فيها إن المسلمين لديهم اتجاه لإدانة الحروب الصليبية والإستعمار الغربي إدانة شديدة. لكنهم لا يقومون بنفس الإدانة اتجاه الفتوحات والاستعمار الإسلامي للأمم الأخرى. بل إنهم لا يعتبرون احتلالهم للبلدان الأخرى استعمارا.

نحن نتباكى يوميا على الاحتلال الأوربي لبلداننا، لكننا لا نكف عن التفاخر بالاحتلال الإسلامي لأوروبا!

تذكرت هذا وأنا أتابع البكائيات المنتشرة اليوم حول سقوط الأندلس.

يمكن النظر لحكم المسلمين للأندلس من أكثر من زاوية؛ ويمكن القول إن المسلمين ساهموا في تطور الأندلس وإدخال فنون العمارة والطب والفن والتخطيط اليها؛ وهذا صحيح. لكن هذا أيضا نفس ما فعله الإستعمار الغربي بالبلدان الاسلامية؛ فعلى يد الإستعمار، عرفنا الطب الحديث والمطبعة والتنظيم والبحث العلمي والتنقيب عن الآثار والدساتير وحقوق الإنسان!

إذا كان الإستعمار الغربي جاءنا تحت عباءة “عبء الرجل الأبيض” ودوره في “تحضير المتخلفين”، فقد كان للاستعمار الإسلامي نسخته المشابهة من الأيديولوجيا الإستعمارية: “إخراج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد”.

موقف المسلمين من الاستعمار ليس موقفا مبدئيا، لأن نسبة كبيرة منهم لازلت تتحسر على الاستعمار التركي الذي نهب بلدانها ومارس أبشع أنواع التعذيب والقتل والاغتصاب، ويحلمون بعودة الاستعمار/الخلافة

انتقل الغرب إلى حقبة “ما بعد الإستعمار” وصار نقد الحقبة الاستعمارية وجرائمها جزءا من الثقافة العامة للمجتمعات الغربية. لكن المسلمين عاجزون عن الانتقال إلى حقبة ما بعد الإستعمار (الفتوحات) لأسباب معرفية وتاريخية معقدة.

هذا المعيار المزدوج لا يستخدمه المسلمون عند إدانة الإستعمار فقط، لكنهم يستخدمونه أيضا عند إدانة العبودية… فعبودية الغرب بشعة، أما عبوديتنا الإسلامية فرحمة ورأفة بالمستعبدين!

ننتقد خطف الأبرياء من إفريقيا إلى الأمريكتين واستعبادهم في القرن 16 وما بعده، رغم أن المسلمين كانوا في نفس الفترة يخطفون الأبرياء من شرق إفريقيا وجنوب أوروبا وشمال شرق آسيا ويبيعونهم عبيدا في الأسواق. تزامنت العبودية الإسلامية مع العبودية الغربية من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر بشكل غرائبي لم يدرس بعد.

 النزعة الاستعمارية والنزعة الإمبريالية

يرى بعض المؤرخين المعاصرين أن الاستعمار يطلق بشكل أساسي على الاستعمار الغربي الحديث، بينما الإمبريالية هي قديمة وتتعلق بالنزعة الجهادية/الفتحية والسيطرة على البلدان الأخرى واستغلال ثرواتها، وهذا ما فعله المسلمون قديما وحديثا.
الحقيقة أنه لا يوجد فارق زمني كبير بين نهاية الإستعمار الإسلامي ونهاية الإستعمار الغربي؛ لأن نهاية الإستعمار الإسلامي كانت عام 1924 بإلغاء الخلافة الإسلامية على يد أتاتورك، بينما انتهى الاستعمار الغربي بعدها بثلاثة عقود بصعود الحركات الوطنية التحررية في العالم الثالث.

يمكن القول إن المسلمين ساهموا في تطور الأندلس وإدخال فنون العمارة والطب والفن والتخطيط اليها؛ وهذا صحيح. لكن هذا أيضا نفس ما فعله الإستعمار الغربي بالبلدان الاسلامية؛ فعلى يد الإستعمار عرفنا الطب الحديث والمطبعة والتنظيم والبحث العلمي والتنقيب عن الآثار والدساتير وحقوق الإنسان!

النزعة الإمبريالية عند المسلمين إذن نزعة قديمة، وهي نابعة من فكرة الجهاد وفكرة “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله…”.

تزرع النزعة الإمبريالية الإسلامية في نفوس الأطفال من خلال المناهج الدراسية، و تتم تغذيتها في نفوس الشباب والكبار عن طريق الإعلام والكتب.

لكن، إضافة لهذا التناقض، فإن موقف المسلمين من الاستعمار ليس موقفا مبدئيا، لأن نسبة كبيرة منهم لازلت تتحسر على الاستعمار التركي الذي نهب بلدانها ومارس أبشع أنواع التعذيب والقتل والاغتصاب، ويحلمون بعودة الاستعمار/الخلافة.

أما أكبر تناقض إسلامي، فهو المزج بين تقديس الفتوحات الإسلامية وإدانة الحروب الصليبية دون أي إحساس بالتناقض؛ مع أننا لو استخدمنا نفس المنطق الديني، فإن الحملات الصليبية ستكون مبررة ومنطقية لأنها كانت تسعى إلى استعادة أماكن العبادة المسيحية التي استولى عليها المسلمون، ومن حق أي شخص أن يقاتل من أجل استعادة أراضيه المقدسة.

انتقل الغرب إلى حقبة “ما بعد الإستعمار” وصار نقد الحقبة الاستعمارية وجرائمها جزءا من الثقافة العامة للمجتمعات الغربية. لكن المسلمين عاجزون عن الانتقال إلى حقبة ما بعد الإستعمار (الفتوحات) لأسباب معرفية وتاريخية معقدة.

لا أبرر فكرة الحروب الصليبية لأن الكنيسة نفسها قد تخلت عنها. لكنني أوضح فقط أن المسيحيين عندما نظموا الحملات الصليبية، كانوا يريدون استعادة أغلى وأهم رموزهم المقدسة التي انتزعت من قبل الدين الاستعماري المتغلب في ذلك الزمن.

نفس الشيء يمكن إطلاقه على حروب المسيحيين لإخراج المسلمين من الأندلس، والتي لو طبقنا عليها معايير العصر الحديث، فهي حركة وطنية تحررية بامتياز.

انتهت الخلافة الإسلامية إلى غير رجعة. لكن النزعة الإمبريالية الاستعمارية لا زالت مزروعة داخل المسلمين؛ فحلم غزو العالم وفرض حكم الإسلام على جميع بلدان الأرض لازال حلم الداعشي المكبوت، يخرج الى العلن أحيانا ويختفي في أحيان أخرى، تقية وتجملا، في أغلب الأحيان…

إقرأ أيضا:

تعليقات

  1. سعيد لهمام

    زادك الله علما

    • المراكشي

      عن اي علم تتحذث
      لا شك ان داعش والقاعدية واشباههم فرق لا نعرف اصلها ولا فصلها و توضع عند ذكرهم و البحث عن نشأتهم علامات إستفهام كثيرة لكن ليس معنى هذا أن كلام امثال هؤلاء وطعنهم في فتوحات الصحابة و التابعين تعد علما والله اذا كان هذا علما فما هو الجهل .
      هل فتح صلاح الدين لبيت المقدس مشابه لما فعله لما فعله الصابئين سنة 1099 والله حتى هم لا ينكرون المجازر التي ارتكبت
      بل لو سألت الفرنسيين عن اعظم قائد لقالوا نابليون و هم يعرفون انه كان طاغية وسفاك دماء وللأسف نحن لدينا أمثال هذا الكاتب الذي يطعن في كل الفتوحات وغيرها استعمارية ويدعي أنها مثلها مثل غيرها . هل أنشات فرنسا مثلا في الجزائر مدنا بمستوى باريس مثلا .
      المسلمون انشؤا في الأندلس مدنا تضاهي مدن العراق وغيرها لأنهم لم يأتوا إلا لغرض واحد للأسف كلارك الذي تجده تتطلب من الله ان يبارك في علمه سخر منه .
      (إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة اللّه)

  2. نوال حمير

    أرى أن كما الاستعمار سلبياته لديه أيجابياته أيضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *