ردود سريعة على قاهر الإلحاد - Marayana - مرايانا
×
×

ردود سريعة على قاهر الإلحاد

الرجل ينطلق من اعتبار الإلحاد مرضا وجب استئصاله، وهو معذور، نوعا ما، في هذا. إذ أن كلمة “إلحاد”، لغة، تعني الانحراف عن الطريق القويم. طريق العلم (الشرعي) والهجرة (لا ندري إلى أين) والجهاد، كما أسلف في مستهل ما سميناه، تجاوزا، بالبحث

الإلحاد، بعبع الإسلاميين الجديد. كرة الثلج العنيدة، التي كلما تدحرجت، شحبت جدوة نارهم.

الخرق الذي ما انفك يتسع على راقعهم، ويعصف بكل أوراق التوت التي أمضوا عقودا في رصها، بكل عناية، فوق بضاعتهم الفاسدة، ظنا منهم أن حسن المظهر، قد يغني عن قبح الجوهر.

لذلك، تراهم اليوم يرقصون مع الدجاجة الذبيحة، ويجهدون في السعي إلى تدارك واقع حال، صار في حكم المحال، بين أب رؤوف عز عليه أن يصلى الشباب الجميل نار جهنم، وقمطرير يهدده بالويل والثبور في الدنيا قبل الآخرة، وثالث ارتدى قناع الباحث المحلل “المتجرد”، الذي يرصد أسباب الظاهرة، ويشير إلى مكامن الداء، ويقترح الحلول الواقعية والعملية.

أحد ممثلي الاتجاه الأخير، خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، الذي نشرت له مجلة “اجتهاد” «IJTIHAD JOURNAL»   نصف السنوية، “دراسة”، يتناول فيها بالتحليل، ظاهرة الإلحاد في المغرب والعالم العربي الإسلامي.

وقد جاء في المقدمة، أن “فتور الإيمان وطغيان الشر وتغول الباطل” عوامل جعلت المؤمن في حالة ضعف”. “لذلك لا يليق بالمؤمن إلا العزة، وينبغي أن يبحث عنها بطلب العلم وبالهجرة وبالجهاد، حتى يتحقق له التمكين في الأرض”.

أول القصيدة كفر، وللقارئ أن يقيس على هذا، مدى الموضوعية والعلمية، فيما سيلي من معطيات، جاءت وفق هذا الترتيب:

1- العوامل المؤدية إلى الإلحاد

1.1- عوامل خارجية

– حروب أهل الكتاب، على الإسلام. وبهؤلاء “تأثر الشباب المسلم الذي اختلطت عليه الحقائق، مع توالي الهزائم الحضارية التي شهدتها البلاد العربية خاصة. وسؤالنا هو: ما علاقة أهل الكتاب بالإلحاد؟ ثم إن كانت الحقائق قد اختلطت على الشباب فلأن ما لقنوه، انهار بمجرد مقارنته مع ما تعلموه لاحقا.

– “الحملات الاستعمارية المسعورة” وهذا كلام مردود على صاحبه، فلو لمس الغرب أدنى مظاهر القوة لذى المسلمين حينها، لما جرؤوا على استعمارهم من الأصل.

– “التضييق على المسلمين في ديار المهجر، “من خلال قوانين تلزمهم بتبني أساليب في الحياة تخالف تعاليم دينهم وتتعلق باللباس أو الأعياد والعلاقات وتربية الأبناء”. وهذا يذكرنا بمظاهرات السلفيين المضحكة، في بعض دول الأراضي المنخفضة، والمطالبة بإقامة دولة الخلافة هناك. المفروض أن المهاجر هو من عليه الالتزام بقوانين دولة الاستقبال، وليس مطالبتها بسن قوانين على مقاسه. ثم أليس هناك حديث نبوي صحيح يقول: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين”؟

– ظاهرة الاستشراق، النابعة “من أوامر الكنيسة التي لها أغراض أخرى تبشيرية وتنصيرية”. مرة أخرى، ما علاقة التنصير بالإلحاد؟

– “ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وما تسمح به من إمكانات الاختباء وراء أسماء مستعارة، تتيح لإصحابها التعبير بأمان، ودون الخوف من الملامة أو العقاب أو المسائلة”. هذه الجملة لوحدها، تفضح المستور، وتبين بأن الخوف من القهر هو ما يبقي الناس على دينهم، وليس الاقتناع الكامل بتعاليمه. ثم، أليس الأولى هو الجواب عن اعتراضات الشباب على بعض مناحي دينهم، بما يقنع عقلهم، عوض المقاربة البوليسية هاته؟

– إرساليات الدراسة إلى الغرب وتأثر مجموعة من الطلاب “بالفكر الأوربي المادي، والذي كان يقوم على أساس تعظيم علوم الطبيعة وتمجيد العقل، مقابل التقليل من شأن الدين والشرع”. والواقع أن تلك الإرساليات كانت بسبب الرغبة في تملك ناصية العلم، للخروج من حالة التخلف المزمن، الذي وجد المسلمون أنفسهم عليه، بسبب تكلس الدين والشرع تحديدا.

 

2.1- عوامل داخلية

– الجهل واستفحال “الأمية الدينية (..) وخاصة في ظل الانفتاح الثقافي ووسائل العولمة وثورة التقنيات الحديثة والاتصالات السريعة، التي أدت إلى انتشار الأخبار بغثها وسمينها”. كان الفقهاء، فيما مضى، يزايدون على بعض اللادينيين، بسبب ضعف علمهم الشرعي، أما اليوم وقد صارت جحافل من السلفيين السابقين تخرج من الإسلام أفواجا، فالمفروض أن يخجل المزايدون قليلا.

– “غياب القدوات الصالحة”. ولا نعرف عن أي قدوات يتحدث الدكتور، والعالم العربي الإسلامي يعج بالفقهاء والدعاة، في قنوات إقرأ والرسالة والرحمة… والذين يفتون في كل شاذة وفادة. أم أن الدكتور يقصد أشباه الدعاة الذين كانوا يجندون الشباب الغر، للقتال في صفوف داعش.

“الغلو الديني (..) في مجتمع لا يسمح بطرح الأسئلة، ويحظر الحديث عن بعض الظواهر والقضايا (..) وقد أثبتت بعض الدراسات أن الفراغ الفكري والتشدد والغلو في الدين، من أبرز أسباب التطرف”. حين تقرأ عبارة “أثبتت الأبحاث..”، هكذا في المطلق، يخيل إليك أنك أمام بحث أكاديمي، منبن على دراسة ميدانية واستمارات وإحصائيات وتحاليل مستفيضة… لكن، إن تقصيت قليلا  في الإحالة المرجعية، ستكتشف بأن الأمر يتعلق بإنشاء مطول لفقيهين هما: أحمد عبد الحسين العوايشة وأنس عبد الله الشخاينة، منشور في صيغة PDF على الرابط التالي https://zujournal.zu.edu.jo/images/stories/2018_2/8.pdf

– “الحرية التي تتاح لأول مرة في مجتمع عرف انغلاقا طويلا”. وكأني بالدكتور يود لو منع الماء، لأن قوما شرقوا به فماتوا، على حد ابن رشد.

–  “الثورات العربية” فالمزاج “الثوري يدعو للثورة على كل الثوابت”، بما فيها الدين والأخلاق. فحتى النساء صرن يلحدن بسبب “ما تلاقيه المرأة من ظلم وقهر في محيطها القريب، وخاصة الأسرة”. الحقيقة أن الثورات العربية دفعت بالشباب إلى الابتعاد عن الدين بسبب ما عاينوه من صعود نخب إسلامية إلى سدة الحكم، ورغبتها في إحياء الخلافة الإسلامية، وليس بسبب المزاج الثوري. أما المرأة، فالمفروض أن تكون أول المتمردين بسبب تعاليم الدين، وما قهرها من قبل محيطها إلا امتداد لتلك التعاليم.

– استثمار المروجين للإلحاد، للإقبال المتزايد على المواقع التواصل “لبث سمومهم، مما أعطى للإلحاد الإلكتروني بعدا توسعيا كبيرا، إضافة إلى كثرة المواقع المشبوهة التي يدعمها كبار الملاحدة على الشبكة العنكبوتية” (سام هاريس مثالا). هذه أول مرة نسمع عن الإلحاد الإلكتروني، وعلى كل حال، فلو أن الدين حصن أهله بما يكفي، لظلت تلك المواقع تغرد لوحدها في وادي سحيق.

 

2- علاج ظاهرة الإلحاد

1.2- تنمية الإنسان

– “تحقيق التنمية والازدهار بوصفها جهادا أكبر (..) يعد أكبر أولوية من محاربة الإلحاد والتضييق على الملحدين أو محاسبتهم ومحاكمتهم” ظاهر الكلام أن الكاتب ضد التضييق على الملحدين. لكن المقصود في الواقع، هو فقط تقديم التنمية على التضييق على الملحدين. بمعنى آخر، فالإجراءان واجبان، والفرق فقط في الأولوية. علما أن التنمية والازدهار الماديين، لا يغنيان عن الازدهار الفكري، والذي قوامه حرية التفكير والمعتقد.

– “الخطاب الديني يجب أن يجدد أدواته (..) وينفتح على العلوم الطبيعية والفيزيائية والعلوم الإنسانية، حتى يكون أكثر قدرة على تقديم إجابات معاصرة وجديدة لإشكالات العصر ونوازل الوقت”. وستكون النتيجة بالتأكيد مثل ما أكده أحد دعاتنا بخصوص وجود فيزياء إسلامية، أو إمكانيات انتظار وصول الصين لننزل من الطائرة، وغيرها من الاختراعات كثير.

– “إنشاء مؤسسات علمية رائدة متعددة التخصصات (..) على غرار بيت الحكمة، في الترجمة والحوار والتواصل”. بيت الحكمة، الذي أسسه هارون الرشيد في العصر العباسي!

-“إيلاء الأسرة العناية الفائقة (..) والعمل على غرس الفضائل والقيم وحب الخير والكرم”. إلى أن يكبر الأطفال فينفضون عن عقولهم غبار التلقين.

 

2.2- قبل الخوض في دعوة أو مناقشة الملحدين، ينبغي:

أ- أن تكون القراءة في هذا الموضوع “على قدر الحاجة. ومن لم يبتل بمقارعة الإلحاد، فليس له أن يكثر النظر في شبهات القوم والرد عليها. بل تكفيه المعرفة الفطرية، وأصول الاستدلال العقلي على وجود الله، الموجودة في كتب العقيدة”. نعم، أصول الاستدلال العقلي من قبيل: البعرة تدل على البعير، وآثار السير تدل على المسير.

ب- “لا بد من التمكن والاقتدار في مجال العلوم الشرعية”، ولا بأس من تكرارها: يمكننا سرد لائحة مطولة لأشخاص على دراية عالية بالعلوم الشرعية، بل منهم حتى من كان إماما مفوها، أضحوا اليوم من أشد خصوم الدين على مواقع التواصل.

ج- لا ينبغي “الاعتداد بالعقل ولا التعويل على قدرته في التعامل مع الشبهات”. أي بمنتهى الصفاقة: أربط حمارك (عقلك) بباب المسجد قبل أن تدخله، كما قال أحد الدعاة الأشاوس.

في الخاتمة، يستشهد الدكتور بمقولة لهنري برجسون: “نجد في الماضي، وحتى اليوم أيضا، مجتمعات إنسانية ليست لها علوم ولا فن ولا فلسفة. ولكن لم يوجد قط مجتمع دون دين”. يكفي البحث فقط في ويكيبيديا لنقف على أن هنري برجسون، الذي يستشهد به دكتورنا، تلقى تعليما يهوديا ثم تخلى عن ديانته لاحقا. ناهيك عما في الكلام من مغالطات. فالدين بالتعريف كان جوابا بدائيا عن الأسئلة المؤرقة للناس، بسبب ضعفهم وجهلهم وقلة حيلتهم أمام قوى الطبيعة. والعلوم والفن والفلسفة لاحقة على الدين. الذي ينكمش طردا مع اتساع مداها.

يبدو، في النهاية، أن الرجل ينطلق، من اعتبار الإلحاد مرضا وجب استئصاله، وهو معذور نوعا ما، في هذا. إذ أن كلمة “إلحاد”، لغة، تعني الانحراف عن الطريق القويم. طريق العلم (الشرعي) والهجرة (لا ندري إلى أين) والجهاد، كما أسلف في مستهل ما سميناه، تجاوزا، بالبحث.

كما أننا نتفهم صدمة الرجل من شيوع الظاهرة، قياسا للحلم الذي يغذي هو وأمثاله في مخيلتهم: حلم العودة إلى دولة الخلافة، الذي استعصى عن التحقيق حتى في وجود أغلبية مؤمنة. فما بالك وعقد إيمان العجائز ماض في الانفراط، بخطى بطيئة، لكنها عنيدة!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *