حسين الوادعي: فيلم باربي… النسوية ونقيضها، المرأة وأعداؤها - Marayana - مرايانا
×
×

حسين الوادعي: فيلم باربي… النسوية ونقيضها، المرأة وأعداؤها

رغم أن الفيلم فشل في تحقيق هدفه الإعلامي برفع نسبة المبيعات، إلا أنه حقق ما يتعدى المليار دولار في عالم القاعات ودور العرض. وهذا ما دفع الشركة المنتجة لباربي لإنتاج المزيد من الأفلام بدلا من إنتاج المزيد من الدمى التي تشكو من ضعف الإقبال.
هذا التوجه سخرية أخرى من سخريات مجتمعات ما بعد الحداثة. الانتقال من بديل للواقع إلى بديل للبديل عن الواقع، وتحويل ما هو مادي إلى افتراضي. تم خلق باربي كبديل وتعويض للفتاة العادية، ويتم خلق باربي السينمائية كتعويض وبديل لباربي الدمية في نقلة من الحقيقة البشرية إلى عالم البلاستيك ومن عالم البلاستيك إلى موجات الصوت والضوء، في معادلة يصبح فيها “الواقع الافتراضي” هو الحقيقة الصلبة!

هل فيلم باربي نسوي؟

هل هو مناصر لقضايا المرأة؟ أم ضدها؟

هل هو معاد للرجل؟ أم داعم للذكورية؟

هل هو في حقيقته تكرار للصور النمطية المقزمة للمرأة والتي تحصرها في الجمال والجسد؟

الإجابة، من وجهة نظري هي نعم لكل هذه الأسئلة!

فالفيلم يحتوي على كل ثيمات الفكر النسوي، ابتداء من إدانة ومحاربة الذكورية والبطريركية، إلى التركيز على أهمية المسار المهني للمرأة بعيدا عن دور ربة البيت والزوجة والأنوثة التقليدية. عالم باربي، كما تخيله الفيلم، عالم مثالي للمرأة، نالت فيه كل حقوقها، واستولت على الوظائف العليا، وتحررت من فخ الاعتماد على الرجل ومحورة كل حياتها حول جذب انتباهه ونيل رضاه. ونظام عالم باربي هو نظام أمومي تسيطر فيه المرأة على كل شيء ولا سلطة فيه للرجال، الذين ينحصر دورهم في التجمل والتشمس ومحاولة جذب اهتمام باربي ومثيلاتها!

عندما تنتقل باربي من عالمها الخيالي إلى العالم الواقعي، تنصدم بواقع دونية النساء وتهميشهن. يسخر الفيلم بحدة من “عالم الرجال” الواقعي الذي يسيطر فيه الرجال على كل شيء؛ حتى أن أعضاء مجلس شركة مانتل، المصنعة للدمية، جميعهم من الرجال. تتوقع باربي أن رئيسة الحكومة وأعضاء المحكمة العليا والفائزون بنوبل في العالم الواقعي سيكونون من النساء. لكنها تجد أن النساء اللواتي تعلق صورهن على البوسترات، لسن إلا عارضات أزياء أو فتيات إعلان!

كل هذه الثيمات نسوية خالصة، لسنا بحاجة لبذل أي مجهود لنعرف نسبتها إلى الفكر النسوي وقضايا الحركة النسوية حول الحقوق الحريات والمساواة.

لكن، من الناحية الأخرى، فيلم باربي عمل تجاري تسويقي.

الفيلم هو تجل من تجليات المنطق الفكري لمجتمعات ما بعد الحداثة والرأسمالية الفائقة، وهو أيضا إنتاج إعلامي لشركات هوليوود الضخمة Warner Brothers والشركة العملاقة لتصنيع الدمية Mattel. وفي كل الأحوال، لا يمكن أن يخرج عن منطقة التسلية الهوليوودية من ناحية، والربح السريع لمنتجي الفيلم والدمية من الناحية الأخرى.

‏غير أن الشركات الكبرى في أمريكا قد دخلت في اتجاه جديد يدعوه البعض woke capitalism، أو الرأسمالية اليقظة! ويقصد بها تبني الشركات الكبرى للقضايا الجديدة المتعلقة بالمثليين والمتحولين والسود والنسوية، واستخدامها كأساليب لترويج منتجات الشركة عبر عرض نفسها في صورة الملتزمة بقضايا المجتمع.

‏لقد أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها في تحقيق أرباح ضخمة للشركات الكبرى، لأنها تسحب البساط من القضايا الحساسة التي تتهرب منها الشركات، مثل قضايا الأجور وحقوق العمال وتلويث البيئة ونشر ثقافة الاستهلاك والتسريح الجماعي للعمال والموظفين بسبب موجة التضخم. بدلا عن ذلك، تستخدم الشركات هذه القضايا الملونة والجذابة إعلاميا من أجل “غسيل” سمعتها. فماذا ستخسر الشركة مثلا لو أضافت عددا أكبر من النساء أو من المثليين والمتحولين لموظفيها؟ بل بالعكس من ذلك، فإنها تكسب جيلا جديدا من العمال الموافقين على العمل بشروط أقل.

‏من ناحية أخرى، فالفيلم يدور حول دمية تجارية. بالتالي، فهو، بشكل ما، إعلان في حوالي ساعتين لرفع مبيعاتها. هذا الفيلم-الإعلان، تم الترويج له بحملة إعلانية كلفت 150 مليون دولار، وهي ميزانية أكثر من ميزانية إنتاج الفيلم نفسه.

‏هنا نرى أنفسنا أمام الدوائر المتداخلة لعالم بعد الحداثة. فالفيلم بحد ذاته ليس فيلما، بل إعلانا، وهذا الإعلان يتم الترويج له بحملة إعلانية مكلفة جدا، والهدف من الفيلم الرفع من قيمة الدمية التي انتقدتها الحركة النسوية، لأنها ترسخ معايير مستحيلة للجمال تؤدي إلى الاضطراب النفسي عند المراهقات وتكرس الأدوار التقليدية للمرأة.

‏ورغم أن شركة باربي قد أنتجت دمى لباربي الطبيبة والعاملة والمدرسة والموظفة، إلا أن كل هذه الأنواع المختلفة من باربي تمتلك نفس الصفات الجسدية المثالية، والتي من المستحيل على المرأة المرتبطة بمجال العمل المحافظة على نفس مستواها من اللياقة الفائقة، مما يقتضي ساعات طويلة من العناية بالجمال والرشاقة.

‏الفيلم نفسه يلعب على هذه التناقضات؛ فهو يروج للدمية وعالمها الوهمي الذي رفضته النسوية، لكنه من ناحية أخرى يسخر من باربي وصفاتها المثالية وعالمها المسطح، ويحاول في نهاية الفيلم إنزال الدمية من عالم الخيال إلى عالم الواقع، ومن جماليات الكعب العالي، إلى الحذاء المسطح الذي تلبسه الموظفات في المكاتب للحصول على راحتهن أكثر، عند المشي والوقوف.

‏يصور كفاح النساء في عالم باربي من أجل استعادة حقوقهن بعد “الانقلاب الذكوري” لكنه لا يجد وسيلة للنضال غير استخدام سلاح الإغراء والأنوثة وإثارة اهتمام الرجل من أجل الفوز. يقدم الفيلم فوزا نسويا، لكن بأدوات مهينة للمرأة، وكفاحا للمرأة بأدوات تهمش وجود المرأة وتحبسها في عالم الجسد والفتنة.

‏ رغم أن الفيلم فشل في تحقيق هدفه الإعلامي برفع نسبة المبيعات، إلا أنه حقق ما يتعدى المليار دولار في عالم القاعات ودور العرض. وهذا ما دفع الشركة المنتجة لباربي لإنتاج المزيد من الأفلام بدلا من إنتاج المزيد من الدمى التي تشكو من ضعف الإقبال.

هذا التوجه سخرية أخرى من سخريات مجتمعات ما بعد الحداثة. الانتقال من بديل للواقع إلى بديل للبديل عن الواقع، وتحويل ما هو مادي إلى افتراضي. تم خلق باربي كبديل وتعويض للفتاة العادية، ويتم خلق باربي السينمائية كتعويض وبديل لباربي الدمية في نقلة من الحقيقة البشرية إلى عالم البلاستيك ومن عالم البلاستيك إلى موجات الصوت والضوء، في معادلة يصبح فيها “الواقع الافتراضي” هو الحقيقة الصلبة!

أثار فيلم باربي جدلا كبيرا داخل أمريكا وخارجها بين اليمين واليسار، وبين الليبراليين والمحافظين. من الناحية الفنية، فالفيلم جيد ومضحك ومسل، ومن الناحية التجارية، فقد نجح نجاحا استثنائيا. لكن مسألة نسوية الفيلم مسألة مركبة.

الفيلم نسوي وغير نسوي معا. هو أقرب ما يكون إلى نسوية الاختيار choice feminism، والمقصود بنسوية الاختيار أو بالأصح “نسوية القناعة” كما أحب أن أسميها، أن ترضى المرأة عن واقعها كما هو دون الحاجة إلى الدخول في صراعات عنيفة من أجل تحقيق الذات أو المسيرة المهنية.  فكل ما تختاره المرأة هو “نسوي”، سواء قررت العمل أو الجلوس في البيت أو الخضوع للرجل أو تحديه؛ سواء قررت ارتداء ملابس تكرس تسليع وتجنيس جسد المرأة، أو رفعت شعارات ترفض أن يكون للمرأة مسار مهني أو ذات مستقلة.

نسوية الاختيار هي نسوية بلا قضايا وبلا حقوق، فكل وضع تجد المرأة فيها نفسها هو وضع نسوي! وهذه النسخة من النسوية هي ما يقدمه الفيلم. هي نسوية مع المرأة وضدها في نفس الوقت، نسوية بلا حقوق ولا قضايا. النسوية ونقيضها، المرأة وأعداؤها.

 

تعليقات

  1. MONDJO Loic

    Very

  2. zineb fedili

    merci

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *