جهود المغرب للحفاظ على البيئة: تغيير فعلي أم ماركوتنيغ للخارج؟ 2/2
يقتل التدهور البيئي في المغرب قرابة 6 آلاف شخص سنويا، ناهيك عن تسببه في خسائر مالية تكبد الدولة 33 مليار درهم في السنة. إلا أنه بالرغم من ذلك، يبذل المغرب جهودا تعتبرها الحكومة وبعض التقارير الدولية “كبيرة” لتجاوز مشاكله البيئية…
يقتل التدهور البيئي في المغرب قرابة 6 آلاف شخص سنويا، كما رأينا في الجزء الأول، ناهيك عن كونه يتسبب في خسائر مالية تكبد الدولة 33 مليار درهم في السنة. إلا أنه بالرغم من ذلك، يبذل المغرب جهودا تعتبرها الحكومة وبعض التقارير الدولية “كبيرة” لتجاوز مشاكله البيئية، ما مكنه من احتلال مراتب متقدمة في عدد من التصنيفات العالمية ذات الصلة، وهو ما سنتناوله في هذا الجزء، الثاني والأخير، من هذا الملف.
مراكز متقدمة في مؤشرات الحفاظ على البيئة العالمية
بوأت دراسة أجرتها مؤسسة “جرمان واتش”، عام 2017، المغرب مركزا متقدما بخصوص الحفاظ على البيئة.
وقد حل المغرب في الرتبة السادسة عالميا، علما أن التقرير يترك المراتب الثلاثة الأولى فارغة نظرا لعدم احترام الدول البيئة بالشكل المطلوب، ليعد بذلك الدولة الأولى إفريقيا حفاظا على البيئة.
دراسة المؤسسة الألمانية ترجع سبب حلول المغرب في مركز جد متقدم بين الدول التي تحافظ على البيئة، إلى مشاريع الطاقة النظيفة التي شرعت فيها المملكة منذ سنوات، ناهيك عن سن قانون يمنع الأكياس البلاستيكية.
“يفتقد المغرب إلى عمل يستهدف عمق الفكر المجتمعي ويقتصر بالمقابل على أنشطة غرضها دعاية إعلامية توهم بأننا بصدد تنشئة بيئة جديدة، لكنها لا تتعدى حدود مطويات ورقية تدعو قراءها إلى احترام البيئة، ثم نجدها في الأخير تؤثث جنبات الطريق”.
هذا القانون، بالمناسبة، لم يمنع الأكياس البلاستيكية بما فيها تلك الملونة (والتي تعتبر أكثر خطرا على البيئة)، من العودة للتداول في مختلف المدن المغربية منذ عدة أشهر؛ مما يدفع عددا من المراقبين للتساؤل: هل سن المغرب ذلك القانون في إطار تنظيمه للتظاهرة العالمية الكوب 22، أم بهدف حماية البيئة فعلا؟
من جانبها، دراسة أخرى أصدرتها جامعتا بيل وكولومبيا الأمريكيتين، عام 2018، بتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، منحت المغرب الرتبة 54 في مؤشر الأداء البيئي، من بين 180 دولة شملتها الدراسة.
اقرأ أيضا: صناعة الجوع: هل الندرة مجرد خرافة؟ 4/1
كما أن المغرب تصدر دول منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، باستثناء قطر. وفق تقرير المؤشر، فإن الرتبة التي تبوأها المغرب جاءت نتيجة لجهوده الكبيرة في وضع وتنفيذ سياسة إرادية تهدف إلى الحفاظ على البيئة وإرساء أسس التنمية المستدامة.
جدير بالذكر أن مؤشر الأداء البيئي يصدر كل سنتين، ويستند إلى 22 مؤشرا من بينها الحصول على مياه الشرب، الصرف الصحي، تلوث الهواء الداخلي، حماية المناطق المتوحشة واستغلال الغابات، النجاعة الطاقية، استعمال الطاقات المتجددة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
جهود “كبيرة” للحفاظ على البيئة
من أبرز مظاهر اهتمام المغرب بالبيئة، سنه لقانون إطار يتعلق بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. هذا القانون يشكل، وفق تصريح سابق لحكيمة الحيطي، الوزيرة المكلفة بالبيئة في حكومة عبد الإله بنكيران، “ثورة كبيرة”، في مجال التنمية المستدامة في المغرب.
وحسب ما يشير إليه البنك الدولي في موقعه الرسمي، فإن جهود المغرب الرامية إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها من تأثير التغيرات المناخية، تتجلى في خمسة مشاريع أساسية.
اقرأ أيضا: المغرب وإشكالية الماء: كيف يمكن محاصرة إرهاصات الأزمة؟ 2/2
أول هذه المشاريع، مخطط المغرب الأخضر الذي يسعى من خلاله إلى جعل الفلاحة محركا رئيسيا لنمو الاقتصاد الوطني. ثم محطة نور للطاقة الشمسية، والتي ستؤمن نسبة 52 بالمئة من حاجيات المغرب الكهربائية بحلول عام 2030. هذا إلى جانب رفع الدعم عن أسواق الوقود ما يشجع المستهلك، نظريا، على الوعي بأهمية تدبير الطاقة (وهو ما يثير جدلا واسعا بالمغرب)، إضافة إلى التزامه بحماية المحيطات وكذا الحفاظ على المياه الجوفية.
لم يمنع القانونُ الأكياسَ البلاستيكية بما فيها تلك الملونة (والتي تعتبر أكثر خطرا على البيئة)، من العودة للتداول في مختلف المدن المغربية منذ عدة أشهر؛ مما يدفع عددا من المراقبين للتساؤل: هل سن المغرب ذلك القانون في إطار تنظيمه للتظاهرة العالمية الكوب 22، أم بهدف حماية البيئة فعلا؟
في سبيل ذلك أيضا، استحدث المغرب السنة الماضية جهاز شرطة بيئية، جاء تنزيلا لمضامين الدستور القاضية بضمان الحق في بيئة سليمة وفي تنمية مستدامة.
عناصر الشرطة البيئية هم، بحسب القوانين المنظمة لهم، موظفون مدنيون مكلفون بالمراقبة والتحسيس والوقاية والاستباق، أكثر من العمل على زجر المخالفات. لكن، في نفس الوقت، مازالت نتائج اشتغال هذا الجهاز لم تخرج للعلن حتى يتم تقييم إنجازاتها.
اقرأ أيضا: تقارير: المغرب بعيد عن المجاعة لكن التغيرات المناخية تهدد أمنه الغذائي!
على أنه، بالرغم من جهوده، يرى الباحث المتخصص في الطاقات المتجددة والبيئة الصناعية، نعمان أمنشار[1]، أن المغرب “يفتقد إلى عمل يستهدف عمق الفكر المجتمعي ويقتصر بالمقابل على أنشطة غرضها دعاية إعلامية توهم بأننا بصدد تنشئة بيئة جديدة، لكنها لا تتعدى حدود مطويات ورقية تدعو قراءها إلى احترام البيئة، ثم نجدها في الأخير تؤثث جنبات الطريق”.
ذات الباحث يضرب مثالا بمنع الأكياس البلاستيكية الذي التزم به المغرب مؤخرا كما أشرنا لذلك في الجزء الأول، إذ يؤكد أنها مبادرة “إرغامية” تعكس الطريقة الفوقية التي تؤخذ بها القرارات، موضحا أن “إقبال الناس على الأكياس التقليدية النظيفة ليس سلوكا تلقائيا واعيا، إنما هو ضرورة تفرضها قوة القانون فحسب”. هذا إضافة إلى كون تلك الأكياس البلاستيكية عادت للتداول من جديد.
فهل “مجهودات” الحكومات المتعاقبة تنبع عن وعي بيئي حقيقي، أم أنها لا تتجاوز سن قوانين وإنجاز مبادرات تساهم في تحسين ترتيب المغرب على مختلف المؤشرات العالمية؟
لقراءة الجزء الأول: التلوث البيئي يقتل الآلاف سنويا بالمغرب ويكبد الدولة خسائر مالية بملايير الدرهم 2/1