يحدث في المغرب: حكايات مطلّقات يعُدن إلى الدراسة!
… “زواجي لم يكُن مثلما كُنا نتوقع، وكان، بالمقابل، تفجيرا لكثير من السموم التي أثرت على عطائي داخل العلاقة، خصوصا أنني لم أكن أشتغل، رغم حصولي على شهادة الإجازة، وكان يستغل ذلك ضدي للإساءة إليّ”.
قد يتبادر إلينا سؤال: هل كلّ المطلقات يعانين من نظرة الدّونية في المغرب بسبب هيمنة الثقافة الشّعبية؟ ليس دائما.
عكس ما تذهب له تلك النظرة الضّيقة المناهضة للطّلاق باسم الثّقافة السّائدة، التي قد تعتبر أن جلّ المطلقات، يمكن أن يصبحن مشروع مهنيات جنس؛ فإن المطلقات اليوم، هن، في الغالب، مشروع فكرة استقلال تام. هن حكاية إثبات ذات، تستند إلى العلم والدراسة، وتلج سوق الشغل، ضدًّا على كل التحليلات التي تعتبر بالنظر إلى العصر “منتهية الصلاحية”.
وفي هذا الملف، نقدّم شهادات لمطلّقات وجدن أنه لا سبيل إلى تحقيق الذات، وبالتالي تحقيق الاستقلال، إلاّ عن طريق… العودة إلى الدراسة.
إيمان: الدراسة… ثمّ الاستقلال!
في حديثها لمرايانا، تقول إيمان (24 سنة) إنه بعد أن أعلن القضاء طلاقها، استعادت كل الأفكار التي كانت تجول في ذهنها حول الدراسة والتكوين، سواء قبل مرحلة الزواج وحتى بعد الطلاق.
لكن العودة إليها، بعد الطلاق، بالنسبة إليها، “كانت بهدف تتبع مسار آخر، ورغبة قوية مني في خوض تجربة جديدة. فقبل طلاقي، كنتُ حاصلة على دبلوم تقنية متخصّصة في تنمية المعلوميات وكنت أشتغل في المجال نفسه. وبعد الطّلاق فكّرت في الخروج من تلك الفوضى الذّهنية التي اعتملت في داخلي. وجدت أنّه لا بديل عن العودة للفصل ثانية، ولو أنّ ذلك تطلّب بداية جديدة… من الصّفر”.
لا تغادر المتحدّثة الرغبة في الإفصاح أنّ “اختيار العودة إلى الدراسة كان بناء على رغبة خالصة في التغيير والبحث عن الأفضل. تجربة الطلاق أو أي تجربة أخرى، “فاشلة” أو “قاسية”، كانت تستوجب التنقيب عن معنى آخر للعيش، وعن معنى آخر للذات والمضي قدماً في رحلة بنائها من جديد. وأنا اخترت الدراسة بغية الوصول إلى استقلال فكري واستقلال مادي فيما بعد، وكان الهدف هو عدم الاستسلام لتجربة، ربما… كانت “فاشلة”.
تعترف إيمان بأنّ الأمر شكّل صعوبة نفسيّة حقيقيّة، “خصوصًا أنها كانت تدرسُ وتستعدّ لامتحان البكالوريا كمترشّحة حرة، وفي نفس الوقت كانت تتابع مسطرة الطلاق. تقول مفسّرة: كانت مرحلة صعبة للغاية، لكني حاولت أن أقوم بترجمة كل الآلام والصّعوبات التي أمرّ منها إلى مزيد من العمل على الذات والدّراسة والمثابرة. لقد حاولت، بكل الجهد الممكن، أن أركّز تفكيري على الامتحان. النتيجة أنني كنت من المتفوّقين، وهو ما مكّنني من الولوج إلى التّكوين الذي كنتُ أحلم به دائمًا، ومطاردة شغف ما، بمدينة ما، بعيداً عن كل الآلام والفظاعات”.
إلهام: الدّراسة “خارقة”!
بعد تردد، توافق إلهام (28 سنة) أن تتحدث لمرايانا، وهي مطلقة عادت فيما بعد لاستكمال دراستها.
تقول: “كانت تجربة طلاقي قاسية جدا، بشكل لا يوصف: عنف نفسي وجسديّ وجنسي. قررت الطّلاق لأنّه لم يعد بوسعي تحمل ذلك العذاب. قررت، بالمقابل، أن أتحمل تبعات الطلاق، عوض الاستمرار في علاقة مدمرة ومسمومة. كنت لازلتُ صغيرة في السن حينها، كان عمري 22 سنة حين تطلّقت. لكن، بعد طلاقي مباشرة، فاتحت العائلة بخصوص رغبتي في العودة إلى التّكوين الجامعي. كنت حاصلة على الباكالوريا ومسجّلة بالسنة أولى في شعبة الدّراسات العربيّة بالكلية متعدّدة التّخصصات بالرّاشيدية، لكنّ زواجي خطفني من الدّراسة لمدة سنتين”.
تضيف المتحدثة قائلة: “تعاطف معي مجلس العمادة أثناء العودة، وسهلوا لي الشّروط، لكي أستمر بعد سنتين من الانقطاع، إذ كانت وثائقي لاتزال هناك بالكلية. لكن، في الأصل، اللجوء إلى التعليم كنتُ أعتبرهُ آلية لكسب الاحترام، وإشارة على المثابرة والصبر، وبأنني لن أنصاع لتلك النظرة التشييئية. نحن بمنطقة محافظة، ونعرف أنه، رغم ذلك، الناس يقدرون التعليم كثيراً، ويعي المجتمع، بشتّى أطيافه، أنّ المستقبل موجود في التّعليم. حتى عائلتي قبلت ذلك تعاطفًا معي في تلك المحنة، رغم أنهم يعرفون كيف ينظر مجتمعنا للمطلّقة عموما”.
في مجمل قولها، تود إلهام أن تؤكد أنه “حين عادت إلى الحياة الجامعية، بدأت تستعيد نوعا من الصّفاء الذهني، حيث توضح: أحببت بقوة الانخراط في مجموعات مع زملائي، والاشتغال على عروض وورشات والإعداد للامتحانات معًا، إلخ. جعلني هذا أحسّ بنوع من الاعتراف، وأنّ قيمتي لا تمسّ، بل تقاس حسب قدرتي على الإبداع والابتكار. كنت أحس أن هناك زخما من المشترك في الجامعة، فأجد من يشاركني نفس الأحلام والهموم والقلق الوجودي. أصبحتُ خارج التّبعات النفسية للطّلاق، وخارج ذلك التقييد المجتمعي المفترض.
حنان: واستعدتُ أملي في الحياة!
حنان امرأة مطلقة تبلغ من العمر 31 سنة، تعود بمرايانا إلى بداية تشكل رهانات العودة إلى الفصل. تقول: “بعد طلاقي، قررت العودة للدراسة. كنت حاصلة على الإجازة في الدراسات الإنجليزية قبل زواجي. وأصلاً، كان والدي اشترط على خطيبي حينها أن ينتظر حتى أنتهي من هذه المرحلة الجامعيّة، ثمّ نباشر إجراءات الزّواج. غير أنّ زواجي لم يكُن مثلما كُنا نتوقع، وكان، بالمقابل، تفجيرا لكثير من السموم التي أثرت على عطائي داخل العلاقة، خصوصا أنني لم أكن أشتغل، رغم حصولي على شهادة الإجازة، وكان يستغل ذلك ضدي للإساءة إليّ”.
تستطرد بتأثّر: بعدما وصلنا إلى نفق مسدود، باشرت مسطرة الشّقاق، بدعم نفسي ومادي من والداي. تطلقنا، وبقيت لأشهر متأثّرة بحياتي الجديدة كمطلّقة. كنت أتحاشى الخوض في الأحاديث حول حياتي. وكنت كلما رأيت أحدا ينظر إليّ أحس بشيء غريب. وحين أعلنت ماسترات مؤسسة الملك فهد للترجمة، تقدمت لها وبذلت مجهوداً كبيرا حتى تمّ قبولي.
في ختام شهادتها، تقول حنان: أستطيع أن أقول إنني استعدتُ أملي في الحياة. حين عدت للدراسة، بدأت الحياة تبدو لي طبيعية وعادية، كأنّ شيئًا لم يحدث. التقيت أناسا جدد، وعلاقات إنسانية جديدة. لكأن دماء جديدة طفقت تجري في عروقي مجددا؛ أو كأنني أولد مرة أخرى.
وتتابع: صرت أحس أنني لم أتزوج إطلاقا من قبل، ولم أعد أنزعج من ذلك الواقع. تغلبتُ على ذلك الرّهاب الذي كان يحاصرني حين أخرج مع أمي للسوق. صراحة، أعتبر نفسي محظوظة، لأنني كنت أتساءل: ما مصير النّساء المطلقات اللائي لم يكن متعلمات أصلاً؟ وأعرف مباشرة أن حالهنّ… أكثر سوءًا بكثير.
احتجاج وتحدي؟
يعتبر الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، أنّ الشّهادات جميعها تصبّ في رحلة بناء الذات، بعد تجربة “فاشلة”. وهو أمر محمود وحديث نسبيًّا، لأنه، في السابق، كانت المطلقات تبقين بالبيت، وتتحمّلن كل الضغوط النفسية من طرف الأسرة والمحيط والمجتمع.
لكن هذا يفصح، وفق بنزاكور، عن حاجة نفسيّة بالضّرورة، فالإنسان حين يقرر خوض رحلة ردّ الاعتبار واستعادة السّيادة على الذات وتحريرها من نظرة المحيط المُقزّمة لقيمتها، فالأمر رهين بدرجة الكفاءات العاطفيّة التي تتوفّر عليها هذه المرأة بعد الطّلاق.
حسب ما شرحه الأخصائي في علم النفس الاجتماعي لمرايانا، فهذه الكفاءات، تمارسها المرأة، بالتبعة، فتدخل غمار إثبات الذات والكشف عن قدراتها، وخوض التّحدي. المرأة تدرك حينها أنّ في استكمال دراستها خلاصا ما؛ وتدرك، أيضًا، أنّ مجتَمعها قد يكون في حاجة للكفاءَات التي تتوفّر عليها، فهي لها دور داخل المجتمع، ولها مهمة معينة داخل المجتمع الجديد الذي ينصفها ويتقبلها…
هكذا، فإذا فشلت الوظيفة البيولوجية، التي كان أساسُها الزّواج، فستنجَح وظيفة الذّكاء والعقل والإنتاجيّة. إنّها وسيلة تبحث من خلالها المطلقة عن الاعتراف الموضوعي، بأنها ليست عالة، ولا عبئًا. وحين يتقبل المجتمع الدور الجديد للمطلقة (الدراسة)، فهي تحقق أبرز رهاناتها النّفسية وعدم الاستسلام للأمر الواقع.
بيد أنّ النقطة الأهم التي يختم بها بنزاكور حديثه، هي أنّ العودة إلى الدراسة تعلّم المرأة المطلقة أنّ هذا هو السبيل الوحيد نحو الاستقلال والانخراط في سوق الشغل، فالمنتظم الدّولي لحقوق المرأة، يعتبر أنه لا سبيل لإعادة المرأة إلى المجتمع إلا عن طريق التمكين الاقتصادي، ولا يمكن وقف العنف الاقتصادي إلاّ من خلال التّمكين المعرفي. لهذا، عودة المرأة إلى الدراسة بعد الطلاق تبدو في ظاهرها عادية، لكنها تحمل دلالات عميقة قوية، خصوصا حين نقرأها من زاوية الاحتجاج والبحث عن تحرر ما.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- نساء تعرّضن لمُحاولات اغتِصاب: مرايانا ترصُد حكايات من الكُبت المدمّر للنساء! 1\2
- التربية الجنسية في المغرب… هل تشفي المجتمع من ازدواجيته؟ 1\2
- التربية الجنسية في المغرب… أي صعوبات يطرحها المضمون البيداغوجي في المناهج التّعليمية؟ 2\2
- هل هي نهاية “فحص العذرية”؟ أطباء مغاربة يمتنعون عن منح شهادة العذرية ويدعون إلى مقاطعتها
- الفيديوهات الجنسية المُسرّبة: عندما يصبح ممتلكها “بطلا” افتراضياً! 1/2
- جريمة الاغتصاب… بين “الحشومة” والعقوبات القانونية التي لا تكبح جماح الجناة! 3/1