“كوكايين الفقراء” أو “البوفا”… مخدر الانتحار يغزو مدن المغرب
“إبداعات المخدّرات” لا تكف عن الابتكار. هكذا تتلخّص حكاية “كوكايين الفقراء”، أو “مخدر الفقراء”، أو “البوفا”، الذي صار معروضا أمام أبواب المدارس والإعداديات والثانويات في مختلف مدن المملكة، خصوصا الدار البيضاء والنواحي والرباط وسلا وطنجة، إلخ.
أصل مأساة مخدر “البوفا” تتجلى في كونه من أخطر أنواع المخدرات، لكن… من أرخصها ثمنا. ثمنه يتراوح بين 50 و60 درهما للغرام، إلاّ أنّ الذي يتعاطاه، حتى من “باب الفضول”، أي… لمرة واحدة، يصبحُ مدمناً عليه بسرعة، ومخاطره أيضا كبيرة.
تفاعلاً مع الموضوع، حذّر الفرع المحلي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي ببرشيد من هذا المخدر، حيث قال إن المدارس “أصحبت ملاذا مناسبا لتجاره”، مؤكداً أن بعض “المدمنين عليه اضطروا إلى بيع دراجاتهم النارية لاقتنائه”.
فرع الفيدرالية تساءل أيضا في بيانه قائلاً: “من يحمي المؤسسات التعليمية من “البوفا” أو مخدر الفقراء الفتاك، وما تواجهه من خطر محدق يتهدد التلاميذ؟”.
الاستهلاك يعني الموت!
يقول رئيس جمعية الأزهار الاجتماعية والثقافية “لا للقرقوبي”، بالدار البيضاء، عبد المجيد القاديري، إنهم منذ 20 سنة وهم يمارسون التّحسيس والتّوعية والتّوجيه والإرشاد، لكن من بين أصعب المخدّرات التي سمعوا بها، أو وفدتهم حالاتها وشخّصوا نتائجها، يوجد هذا المنتوج الذي يسمى “البوفا”، عند جمهور المتعاطين له.
القادري يذكر في تصريح خصّ به مرايانا أنّ “هذا المخدر يذكرنا بـ”الكْراكْ”، الذي كان يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينات. غير أن هؤلاء المدمنين هم ضحايا استثنائيون، لأنه في إطار الرّغبة في تجربة مخدّرات جديدة، التي تحضر عند معظمهم، يُدخلون أنفسهم في نفق يصعب الخروج منه. هذا المخدر، الإدمان عليه ليس سلوكا روتينيا فقط، بل هو تدميرٌ منهجيّ وصارم للبنية العصبية للإنسان”.
“البوفا” يتكون، وفق ما يفسّره القاديري، من فتات الكوكايين أو البقايا التي لا قيمة لها، وهو ما نصطلح عليه في لغتنا اليوميّة بـ”الديشي”؛ يتم خلطه مع مادة ترفض مرايانا ذكر اسمها لتفادي إمكانية تجريب الوصفة من طرف بعض المتهورين، إضافة إلى حبوب مخدرة أخرى لن نذكر طبيعتها لنفس الاعتبار.
يتم وضع هذه المكونات داخل قنينة ماء بلاستيكية صغيرة، ويوضع في القنينة إما مشروب “ماحيا” المحلي أو الماء الصالح للشّرب أو أي شكل من الكحول، ثمّ توضع في القنينة ثقوب صغيرة ويدخل فيها قلم جاف فارغ، ويتم استهلاكه عن طريق الاستنشاق مثل “الشيشة”.
مجرّد ما يرتشفُ منها، يتجه المخدر نحو هرمون الدوبامين مباشرة، وقد يضيف المستهلكُ، وفق ما سمعناه، مخدرات أخرى تمكنه من النوم، لأنه قد يبقى مستيقظا دون قدرة على النوم، فهذا المنتوج يشكل خطورة كبيرة على أعصاب المستهلك.
الذين يستهلكون هذه المواد يدمنون عليها بسرعة كبيرة. لذلك… يتعرض المتعاطون للارتجاف والهلوسة والقلق والإحساس بتصلّب في القدمين وصعوبة في المشي أحيانا. “وردتنا بعض الحالات وكانت بالفعل في مرحلة متقدّمة من خطورة وضعها الإدماني، ونحن نحاول التّعامل معها”، يقول القاديري.
يجملُ المتحدثّ أنّ “الشّاب الذي يستهلك “البوفا” يفقد قدراته على التّمييز والتّفكير، لذلك تراه يحاول إمّا الانتحار، أو يسكنه الإحساس برغبة كبيرة في إيذاء الذّات أو الآخرين. تتولّد لديهم رغبة كبيرة للقتل، ولو كان لأحد المستهلكين خلافٌ مع شخص آخر، فبمجرّد تناول مخدر “البوفا” قد يبدو للمستهلك أن ينتقم من الشّخص المعنيّ. لهذا، نحن في حاجة ماسة وعاجلة إلى استراتيجية أقوى لمقاومة السلوكات الإدمانيّة، ومحاصرتها.
مخدّر بأية “غاية”؟
عبد السلام كرومبي، رئيس “الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات” يؤكد أنه وصلتهم فقط حالتان بمدينة فاس، ولازالوا في طور تشخيصها. لكنّ كرومبي يقول إنّ “الذين تواصلوا معنا أكّدوا لنا أن هذا المخدر منتشر بكثرة في المدارس، وأنّ الخطورة التي تعرّض لها الذين جربوه منقطعة النّظير، ولم يروا مثلها مع أيّ مخدر آخر. لقد لاحظ هؤلاء أنّ الذين تعاطوا له يتعرّضون لنوبات شديدة الخطورة وقدراتهم على فهم الذي يجري حولهم تتعطل تلقائيا”.
كرومبي يردفُ ضمن حديثه لمرايانا أنّ “هناك تدميرا مفاجئا لآليات ضبط النّفس والتحكم، ويتمّ تعطيل كل القدرات العقلية للمراهق ويمنع ذلك حتى تقديم المساعدة له... لذلك، أقدم بعض الذين جربوه على جرائم ضرب وجرح، إلخ… لكن، هنا، يمكن التساؤل ما الغاية من هذا المخدر؟ لأنه جرت العادة أن نعرف أنّ تجار المخدرات يهمّهم الإدمان لإعادة الاستهلاك والشّراء مجدداً، بمعنى أن ترويجهم لمخدر ما يكون بغايات تجارية”.
بيد أن الغاية، وفق المتحدث، من ترويج “البوفا” غريبة ومجهولة، لأنّ الذين يجربونه يخاطرون بأنفسهم، لأنه قد يدفع مستهلكه للانتحار. ما الذي سيستفيده بائعٌ يريد إيذاء الناس وتدميرهم بدرجة أولى بترويج مخدر البوفا؟ هذا التساؤل يبين أن هناك أشياء غير مفهومة بعد في عملية هذا ترويج.
كخلاصة، يقول كرومبي إنّ “هناك من يقول إنها تأتي من جهة الشّرق، أي من المناطق المتاخمة للحدود مع الجزائر، وهنا يطرح تساؤلا أكبر، هل فعلاً هذا يدخل في إطار التهريب الدولي للمخدرات، بما أنّ هذا المخدر مصدره الجزائر، كما قال معظم من تواصلنا معهم وأكدوا أنّ هذه هي المصادر المفترضة حسب ما أخبرهم التجار؟ يبدو هنا أنه على السلطات المعنية أن تواكب هذا النقاش وأن تحقق في مصادره الحقيقية رفعا للغموض وحتى لا نسقط في الاتهامات المجانية… لجهة بعينها”.
مقالات قد تثير اهتمامك:
- الإدمان في المغرب… مجلس الشامي يعرض أرقاماً خطيرة حول السلوكيات الإدمانية!
- التدخين في المغرب… حين يعجز القانون عن محاكمة القاتل!
- زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!
- هذه بعض من أهم البيمارستانات التي عرفها المغرب يوما ما… 3/3
- نصف المغاربة يعانون من أمراض نفسية… الصحة النفسية بالمغرب: خدمات طبية “كارثية” ونظرة تحقيرية للمرض النفسي
نعم يجب على السلطات المعنية أن تواكب هذا النقاش وأن تحقق في مصادره الحقيقية رفعا للغموض وحتى لا نسقط في الاتهامات المجانية
good
هادشي ولا كتيرا عندنا
thats really shame to have this things in our country