ملايين “العبيد” يعيشون بيننا في عالم اليوم… 2/1مؤسس منظمة "ووك فري": "هناك، لأول مرة، أمل واقعي لإنهاء العبودية الحديثة، لكن..."
“أغلبية الأشخاص الذين يعانون من العبودية الحديثة، هم فئات اجتماعية فقيرة وجد مهمشة في المجتمع، مما يولد لديهم خوفا وجهلا تجاه معرفة حقوقهم”.
إذا ما سلمنا بأن “العبد” هو كل شخص يحرم من حريته الشخصية، أو يصبح ملكية خاصة لغيره، فإن العبودية بهذا المعنى، اتخذت عبر الزمن أشكالا عدة…
هكذا، قد تكون العبودية “المألوفة”، بالنسبة للكثيرين، انتهت منذ أمد بعيد؛ إلا أن الواقع، وفق المنظمات الدولية المهتمة، يبرز مظاهر جد متفشية، تعد شكلا من أشكال العبودية، لكن في ثوب معاصر.
أكثر من 40 مليون مُستعبَد في العالم!
يقدر المؤشر العالمي للعبودية أن في العالم حوالي 40.3 مليون شخص يعيشون في حالة عبودية، وفق تقرير نشرته منظمة “ووك فري” الأسترالية عام 2018 يشمل 167 دولة.
المغرب، وفق المؤشر، حل في المرتبة 121 عالميا، إذ يبلغ عدد من يرزحون فيه تحت العبودية الحديثة 85 ألف شخص؛ أي 2.4 من كل ألف مغربي، في ما يمكن اعتباره تحسنا بالمقارنة مع تقرير عام 2016 الذي سجل وجود حوالي 220 ألف شخص مستعبَد بالمغرب.
التقرير أشار إلى أن حالات العبودية الحديثة المسجلة بالمغرب تعود إلى مظاهر عدة، منها إجبار النساء على الخدمة المنزلية وامتهان الجنس والاتجار في البشر والاستغلال الجنسي للعاملات وكذا الشطط في استعمال السلطة.
رئيس المنظمة أكد أن استيراد الولايات المتحدة الكبير لمنتجات يَخضع عمالها للعمل القسري في عديد المناطق عبر العالم، يسهم في ازدياد أعداد المستعبدين.
وتتركز العبودية الحديثة، وفق هذا التقرير، في كوريا الشمالية التي سجلت أعلى نسبة عالميا، إذ يعاني فيها واحد من كل 10 مواطنين من العبودية، تليها الدول التي تشابهها سياسيا.
اقرأ أيضا: البابا فرنسيس يُقرّ: رجال دين في الكنيسة الكاثوليكية أخضعوا راهبات للاستعباد الجنسي!
على أن ازدياد المستعبَدين في العصر الحديث، لم يسلم منه مواطنو الدول التي تصنف ضمن الدول التي تحترم حقوق الإنسان، إذ سجلت الولايات المتحدة، مثلا، معاناة واحد من بين كل 800 مواطن من العبودية الحديثة.
التقرير أبرز أن منتجات الفحم الحجري والقطن والخشب وصيد الأسماك يمكن أن تحدث خلال إنتاجها العبودية الحديثة، موجها في الآن ذاته سوطه نحو الولايات المتحدة، التي أكد أن استيرادها الكبير لهذه المنتجات ومنتجات أخرى يَخضع عمالها للعمل القسري في عديد المناطق عبر العالم، يسهم في ازدياد أعداد المستعبدين.
فضلا عن ذلك، تشمل العبودية الحديثة الاتجار بالبشر والعمل القسري والزواج القسري وبيع واستغلال الأطفال، وحالات الاستغلال التي لا يمكن للشخص أن يرفضها أو يغادرها بسبب التهديد والعنف والإكراه أو شطط في استعمال السلطة.
وكان مُؤسس المنظمة، أندرو فورست، قد بشر في مؤتمر صحفي أعلنت فيه نتائج التقرير عام 2018، أن “هناك لأول مرة أملا واقعيا لإنهاء العبودية الحديثة عبر تقديم المعلومات الأكيدة”.
اقرأ أيضا: إدمان التكنولوجيا الرقمية: صناعة تستعبدنا ولها مخاطر أم أن المخاطر مجرد ادعاء؟
فورست أضاف مع ذلك أنه “لا يوجد حل سريع لهذه المشكلة ولكن يجب على الحكومات والمستهلكين على حد سواء إدراك مدى تأثير سلوكهم في القضية إذا كانوا يريدون حقا الإسهام في معالجة هذه الظاهرة غير المقبولة”.
لاستئصال مظاهر العبودية الحديثة من العالم، ترى غولنارا شاهينيان أنه “يجب معالجة الأسباب الجذرية للعبودية مثل الفقر والاستعباد الاجتماعي وكذا جميع أشكال التمييز”.
إلى ذلك، تعتمد منظمة “ووك فري” على تحليل خمس بيانات لتحديد معدل العبودية الحديثة: السياسات الوطنية المناهضة للعبودية الحديثة، فتوفر حماية لحقوق الإنسان، ثم نسبة حقوق المرأة ومستويات التمييز، إضافة إلى مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومستوى استقرار الدولة.
أسباب واضحة بملامح خفية
توضح المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة المعنية بأشكال الرق المعاصرة، غولنارا شاهينيان، أن “العبودية تأخذ في عالم اليوم صورا عديدة ومختلفة، كالاتجار بالبشر والعمل القسري والسخرة المنزلية، إذ يتم التحكم في هؤلاء الناس ويجبرون على العمل ضد إرادتهم وكرامتهم، بل ويحرمون من شتى حقوقهم”.
اقرأ أيضا: العيد والحرب: كيف حولت رغبة الإنسان في التجديد، العالمَ، من الفرح إلى الدمار؟ 2/1
شاهينيان، التي عينها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 2008 كأول مقررة خاصة بأشكال الرق المعاصرة وأسبابه وعواقبه، تؤكد أن العبودية الحديثة “غالبا ما تحدث في أماكن يصعب على الدولة الوصول إليها، باعتبارها أماكن خاصة، كما هو الحال في المنازل”.
هكذا، يصعب التوصل إلى صورة واضحة عن حجم العبودية الحديثة، وكذا فهمها، ناهيك عن الكشف عنها أو معاقبتها أو حتى التخلص منها.
كما تؤكد المقررة أن “أغلبية الأشخاص الذين يعانون من العبودية الحديثة، هم فئات اجتماعية فقيرة وجد مهمشة في المجتمع، مما يولد لديهم خوفا وجهلا تجاه معرفة حقوقهم. كما أن رغبتهم في البقاء على قيد الحياة، تثنيهم عن التعبير عن حالتهم أو المطالبة بحقوقهم”.
اقرأ أيضا: حسين الوادعي يكتب: خدعوك فقالوا: الغرب متقدم مادياً، لكننا متقدمون أخلاقياً!
لاستئصال مظاهر العبودية الحديثة من العالم، ترى شاهينيان أنه “يجب معالجة الأسباب الجذرية للعبودية مثل الفقر والاستعباد الاجتماعي وكذا جميع أشكال التمييز”. ولبلوغ ذلك، ينبغي “تعزيز وحماية حقوق الجميع، بخاصة حقوق هؤلاء الذين يشتغلون في أعمال قد تطالها مظاهر عبودية”.
في الجزء الثاني نتعرف في لمحة تاريخية على مسارات العبودية في العالم، وكيف بدأ الأخير ينظر إليها كمظهر بشع لانتهاك حقوق الإنسان ويعمل على الحد منها.
لقراءة الجزء الثاني: العبودية: ظاهرة متجددة عبر الزمن 2/2
🙄