الاقتباس في إنشاء الأحكام والحدود الشرعية: تشريعات أخذها الإسلام عن اليهودية… وأخذها اليهود عن حضارات سابقة 2/2 - Marayana - مرايانا
×
×

الاقتباس في إنشاء الأحكام والحدود الشرعية: تشريعات أخذها الإسلام عن اليهودية… وأخذها اليهود عن حضارات سابقة 2/2

تشابه التشريعات، هو دلالة واضحة على التلاقح الثقافي بين شعوب المنطقة، كما تتشابه عقائد وشرائع كل الشعوب المتجاورة، فالدارس لحضارة “الأزتيك” و”الإنكا” و”المايا” والباحث في عقائد الهنود والطقوس الدينية لشعب الإسكيمو، سيلاحظ بكل سهولة تشابه الثقافة في كل رقعة جغرافية، بما يتوافق مع مستوى التقدم الاجتماعي والبعد أو القرب من الحياة البدائية.
تجانسٌ وتطابق لا يمكن عَزْوُه بسهولة لوحدة المصدر الالهي للشرائع، ولكنه تطور بشري محض، أملته طبيعة الظروف الثقافية والجغرافية المتغيرة.

تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف تأثر النظام الفقهي الإسلامي بالأعراف والتقاليد العربية، والحضارات المجاورة لشبه الجزيرة العربية، ونظام العقوبات في الكتب المقدسة السابقة التي جاورها الاسلام بـ”يثرب”، معقل قبائل بني النظير وقينقاع وبني قُريضة اليهودية.
في هذا الجزء الثاني، نتابع حكاية بعض من هذا التأثر، مع ربطه بتأثر الديانة اليهودية، بما كان سائدا من أحكام وقوانين في الحضارات التي عاشت فيها.

التشابه الجلي بين الأحكام التي اعتمدتها الديانات وتلك التي كانت سائدة في حضارات سابقة، يوضح، بشكل ناصع، تبادل التأثير بين المجتمعات المتجاورة، واقتباس بعضها من بعضٍ العادات والأعراف، وإسباغها بالصبغة المحلية.

سنتابع، فيما يلي، بعض هذه الأحكام ونقتفي بعضا من مصادرها:

حد الردة والحرابة: بعيدا عن ترقيعات النافين لهذا الحد، والمتضايقين منه كعقوبة لمن ترك دين الاسلام، فالحد ثابت بالأحاديث الصحيحة، وبإجماع علماء المسلمين. قبل عرض الأحاديث المشرِّعة لهذا الحكم، سنعرض المصدر التوراتي الذي استُقِي منه ابتداءً، فحد الردة وقتل المرتد عن دين الجماعة، حكم أصيل في الديانة اليهودية لمن تجرأ على ترك اليهودية، والتوراة مليئة بالنصوص الداعية لقتل وحرق المفارق لدينه، ولعل قصة العابدين للعجل الذهبي ومآلهم المرعب، الواردة في سفر الخروج، خير دليل على أصالة حكم الردة:

“قال الرب إله إسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومرّوا وارجعوا من باب الى باب في المحلّة، واقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه. ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى. ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل. وقال موسى املأوا أيديكم اليوم للرب حتى كل واحد بابنه وبأخيه. فيعطيكم اليوم بركة) [سفر الخروج 32: 27-29].

وقصة أصحاب العجل، الواردة في القرآن، مطابقة تماما لما جاء في التوراة: “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.

بعيدا عن هذه القصة، فهناك أحكام توراتية أخرى تدعو لإبادة مدن بأكملها اذا رجعت عن اليهودية: “إن سمعت عن إحدى مدنك التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولاً، قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك وطوَّحوا سكان مدينتهم قائلين: “نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفوها”، وفحصت وفتشت وسألت جيداً وإذا الأمر صحيح وأكيد، قد عمل ذلك الرجس في وسطك، فضرباً تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك، فتكون تلاً إلى الأبد لا تُبنى بعد) [تثنية 13: 12-16].
و… تطبيق هذا الحكم، لا تُراعى فيه قرابة قريب ولا رحمة بأهل، فمتى تأكد المروق من الدين، فالسيف مسلط على الرقاب: “إذا أغواك سراً أخوك ابن أمك، أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك، أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلاً: “نذهب ونعبد آلهة أخرى” لم تعرفها أنت ولا آباؤك، من آلهة الشعوب الذين حولك، القريبين منك أو البعيدين عنك، من أقصاء الأرض إلى أقصائها، فلا ترض منه ولا تسمع له ولا تشفق عينك عليه، ولا ترق له ولا تستره، بل قتلاً تقتله. يدك تكون عليه أولاً لقتله، ثم أيدي جميع الشعب أخيراً) [تثنية 13: 6-9].

هذه الأحكام التوراتية، هي التي مُتِح منها حكم الردة والحرابة في الفقه الإسلامي. وجاءت الأحاديث النبوية لتُعيد تأكيدها، مُشَرِّعة حد الردة عن الدين وفراق جماعة المسلمين، عن ابن عباس قال رسول الله: “من بدل دينه فاقتلوه”.

وعن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمفارق لدينه التارك للجماعة”.

وعن أنس بن مالك قال: “قدم أناس من عُكل أو عُرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون. قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله”.

حد الردة، حد مجمع عليه بين علماء المسلمين الأوائل، الذين لم يتحرجوا من نقل الإجماع عليه. حين لم يكن هناك شيء اسمه الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الإنسان وحرية الاعتقاد… قال النووي عن قتل المرتد في شرحه على صحيح مسلم: “وقد أجمعوا على قتله، ولكن اختلفوا في استثابته. ونقل بن القصار المالكي إجماع الصحابة عليه”.
يقول ابن تيمية في منهاج السنة النبوية، بعد حديث من بدل دينه فاقتلوه: “وقتل هؤلاء واجب باتفاق المسلمين لكن في جواز تحريقهم نزاع، فعلي رضي الله عنه رأى تحريقهم وخالفه ابن عباس وغيره من الفقهاء”.
القصاص في جرائم القتل والجروح: الاقتصاص من القتلة ومرتكبي جنح الضرب والجرح، ومعاقبتهم بنظير ما جنت أيديهم، شرائع، قبل أن ينص عليها القرآن والسنة النبوية، كانت أحكاما توراتية معمولا بها في المجتمع اليهودي، جاء في سفر الخروج: “إن حصلت أذية تُعطى نفسا بنفس وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل وكيًّا بِكي وجرحا بجرح ورضًّا بِرض”.

وجاء مبدأ القصاص أيضاً في سفر اللاويين: “إذا أمات أحدٌ إنساناً فإنه يُقتل، ومن أمات بهيمة فإنه يعوض نفسا بنفس. وإذا أحدث إنسان في قريبه عيبا فأنه يفعل به كما فعل كسرا بكسر وعينا بعين وسنا بسن كما أحدث عيبا في إنسان كذلك يُحدث فيه ومن قتل بهيمة يعوض عنها ومن قتل إنسانا يُقتل”.

وكما استقى التشريع الإسلامي أحكام القصاص من التوراة، استقاه حاخامات اليهود بدورهم من شريعة “حمورابي” و”أور نامو”، التي تنص على مبدأ العين بالعين والسن بالسن: “إذا تسبب رجل بفقع عين رجل آخر، فإن عين المسبب تفقع”.

“إذا كسر عظم سيد آخر فعليهم أن يكسروا عظمه” المواد 169 و197 من قانون حمورابي.

تشابه هذه التشريعات المذكورة، وغيرها، هو دلالة واضحة على التلاقح الثقافي بين شعوب المنطقة، كما تتشابه عقائد وشرائع كل الشعوب المتجاورة، فالدارس لحضارة “الأزتيك” و”الإنكا” و”المايا” والباحث في عقائد الهنود والطقوس الدينية لشعب الإسكيمو، سيلاحظ بكل سهولة تشابه الثقافة في كل رقعة جغرافية، بما يتوافق مع مستوى التقدم الاجتماعي والبعد أو القرب من الحياة البدائية.

تجانسٌ وتطابق لا يمكن عَزْوُه بسهولة لوحدة المصدر الالهي للشرائع، ولكنه تطور بشري محض، أملته طبيعة الظروف الثقافية والجغرافية المتغيرة. وسيكون من المضحك فعلا لو قام بقايا “العموريين” في العراق، بالدعوة لإرجاع قوانين إمبراطورهم “حمورابي”، لتكون الفيصل في التنازع والتقاضي، والبحث عن الإعجاز وروح العدالة في تشريعات بائدة، كقطع أذن العبد الشاتم لسيده، وقطع يد الطبيب المتسبب في هلاك مريضه؛ كما سيكون من المؤسف أن نرى شبابا بالملايين من الصحوة الإسلامية لازال متمسكا بمظاهر وتشريعات، كانت صالحة لحقبة معينة وفق شروط معينة…

إن التخلي عما تجاوزه التطور الاجتماعي في الموروث الإسلامي ليس كفرا أو انحلالا من أحكام الشرع، بل هو ببساطة… روح الشرع ومقصده الداعي لجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها.

 

لقراءة الجزء الأول: الاقتباس في إنشاء الأحكام و”الحدود الشرعية”: كيف تأثر الإسلام بالأعراف العربية وكتب اليهود 1/2

 

مواضيع قد تهمك:

تعليقات

  1. عبدالله

    يبدو ان الكاتب يجهل او يتجاهل ان الدين عندالاسلام منذ الليقه والشريعة من عنذه من نبي لنبي وان الاديان مصدقة لاجقها لسابقها وهكذا الاسلام ليصحح وليرذ الناس للاسلام الاول الذي انذرس فهاذا هة السر لا كونه اخذ ن هنا او هناك ولكنها وحدة المصدر عن الله جاءت كل الشرائع وهبي تدل على وحدانيته ووحدة مصدر الشرائع ومن هنا التقاطعات بين الاديان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *