المغرب وإشكالية الماء: كيف يمكن محاصرة إرهاصات الأزمة؟ 2/2رئيسة الائتلاف المغربي للماء لـ"مرايانا": "الحلول موجودة لكن ينبغي تسريع وتيرة الاشتغال عليها"
“نحن فعليا في وضعية ندرة، المشكل جغرافي أساسا. المشكل يكمن أيضا في الحكامة، ناهيك عن التغيرات المناخية، بالإضافة إلى مشكل آخر يتعلق بالديموغرافية؛ فالسياحة تنمو، الفلاحة والصناعة كذلك، والمدن تكبر”.
بعدما قدمنا في الجزء الأول، بعض الدراسات التي تنذر بأزمة ماء في المغرب، في هذا الجزء الثاني والأخير، نتابع بعض الإكراهات والتحديات المتعلقة بتوفير الماء، إضافة إلى رأي متخصصة حول الجهود المبذولة في هذا الصدد، والقابل للتحسين فيها.
إكراهات طبيعية وتحديات تدبيرية
يواجه المغرب عدة إكراهات طبيعية تخص ندرة المياه، إذ يناهز معدل التساقطات المطرية السنوية بالمغرب، 22 مليار متر مكعب، وهو معدل ضعيف بفعل التغيرات المناخية، ناهيك عن عدم تجانس هذه التساقطات مكانيا وزمنيا.
أما في ما يتعلق بالمياه الجوفية، فحسب الأبحاث المنجزة، يتوفر المغرب على 80 فرشة مائية باطنية، 48 منها فرشات يسهل الوصول إليها واستغلالها بيد أنها أكثر تأثرا بالتلوث والجفاف نظرا لقربها من السطح، في مقابل 32 فرشة عميقة تتميز بصعوبة الولوج إليها وارتفاع تكاليف تعبئتها واستغلالها.
في وقت سابق، كانت شرفات أفيلال، كاتبة الدولة المكلفة بالماء سابقا، قد نفت كون المغرب يعيش أزمة ماء، لكنها أكدت بالمقابل أنه أصبح عرضة للتقلبات المناخية التي تبرز في ندرة المياه أساسا.
اقرأ أيضا: أتعبكم فتح قنينة الماء؟
المغرب يعرف أيضا، بين الفينة والأخرى، فيضانات “مدمرة” تؤدي إلى التآكل القوي للتربة وترديها؛ ناهيك عن تراجع قدرة تخزين السدود إثر تراكم الأوحال، ما يضيع على المغرب 1750 مليون متر مكعب من أصل 17.5 مليار متر مكعب، مجموع قدرة تخزين السدود المغربية، التي يناهز عددها 140 سدا.
هكذا إذن، يواجه تنظيم قطاع الماء بالمغرب عدة تحديات… لكن تقريرا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي[1]، صدر سنة 2015، أبرز غياب آلية إجرائية لتنظيم القطاع؛ ذلك أن اللجنة البَيْن وزارية للماء لم تعد تشتغل منذ سنوات.
وفق ذات التقرير، يقف تعدد المتدخلين والفاعلين والتداخل في صلاحياتهم ونقص التنسيق بين القطاعات المعنية بالماء، عائقا أمام الحكامة الجيدة.
جهود حكومية
في وقت سابق، كانت شرفات أفيلال، كاتبة الدولة المكلفة بالماء سابقا، قد نفت كون المغرب يعيش أزمة ماء، لكنها أكدت بالمقابل أنه أصبح عرضة للتقلبات المناخية التي تبرز في ندرة المياه أساسا.
وفقا لأفيلال، يمكن تلخيص الحلول في الاقتصاد في الماء، ومراجعة طرق استهلاكه والحد من ضياعه وهدره.
كاتبة الدولة السابقة أكدت حينها أن السدود، إذا كانت قد شكلت في وقت ما حلا فعالا، فإنه اليوم لم يعد ممكنا الاكتفاء بها، إنما بات ضروريا التوجه نحو تحلية مياه البحر، وربط جميع المدن الساحلية بمحطات تحلية، وكذا الحفاظ على الموارد المائية من التلوث.
بيد أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني له رأي آخر!
اقرأ أيضا: إذا طالع العرب أنفسهم في مرايا يابانية، فهذا ما سيرونه…
العثماني قال للمنتدى العالمي الثامن للماء، الذي احتضنته البرازيل في مارس 2018، إن العملية الواسعة لبناء السدود التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني، مكنت المغرب رغم محدودية موارده المائية وعدم انتظامها، من تجاوز معظم التحديات ومواكبة الحاجيات المائية المتزايدة وطنيا.
رئيسة الائتلاف المغربي للماء: “ اشتغالي منذ 30 عاما في قضية الماء، يجعلني أستنتج اليوم بأن جوهر القضية هو الحكامة التي ترتكز على مقاربة جيدة”.
من جانبه، أكد وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش في تصريح سابق له، أن تدبير الموارد المائية يعد تحديا دائما للمغرب، الذي انخرط منذ مدة في سياسة نشيطة لتوفير بنية تحتية مائية مهمة، ولتحسين الولوج للماء الشروب، والاستجابة لحاجيات الصناعة والسياحة وتطوير السقي.
نُذكّر أن دراسة أوردناها في الجزء الأول، تقول إن قطاع الفلاحة يستنزف المياه الموجهة للاستهلاك بالمغرب، بنسبة 90 بالمائة!
“الحلول موجودة، لكن…”
في حديث لها مع “مرايانا”، أكدت المتخصصة في قانون الماء ورئيسة الائتلاف المغربي للماء، حورية التازي صادق، أن قضية الماء “معقدة جدا”، موضحة:
“نحن فعليا في وضعية ندرة، المشكل جغرافي أساسا. المشكل يكمن أيضا في الحكامة، ناهيك عن التغيرات المناخية، بالإضافة إلى مشكل آخر يتعلق بالديموغرافية؛ فالسياحة تنمو، الفلاحة والصناعة كذلك، والمدن تكبر”.
اقرأ أيضا: تقارير: المغرب بعيد عن المجاعة لكن التغيرات المناخية تهدد أمنه الغذائي!
يكمن التحدي هنا في الحكامة: “ اشتغالي منذ 30 عاما في قضية الماء، يجعلني أستنتج اليوم بأن جوهر القضية هو الحكامة التي ترتكز على مقاربة جيدة”.
وتؤكد المتخصصة أن “الحلول موجودة، منها الحل التكنولوجي ونحن ماضون فيه، والحل السياسي المتعلق بالحكامة التي يجب أن تنظم أكثر وأن يشارك فيها الجميع. الماء ليس كالبترول، إذ نستعمله جميعنا بشكل يومي؛ ومن ثم فاقتصاد الماء يمر عبر الجميع”.
تتابع حورية التازي صادق: “هذا دون الحديث عن التربية… لا زلنا نواجه إشكالا في شرح مشكل الماء بصفة بيداغوجية”، مضيفة: “نحن أيضا بحاجة إلى تفكير استباقي، تنخرط فيه جميع القطاعات… حين نرغب في بناء مدينة جديدة، ينبغي التفكير أولا في مدى إمكانية ربطها بالماء ويسر ذلك”.
أو “حين نرغب في تخصيص أرض ما للفلاحة، ينبغي التفكير أولا إذا كان ما سيزرع فيها متلائما مع إمكاناتها المائية… في وقت ما، كنا نصدر الطماطم، مثلا؛ وهذا عبث بالنظر إلى ثمنها. كنا كما لو أننا نصدر الماء”.
اقرأ أيضا: دراسة حديثة: سيعود المناخ ابتداءً من 2030 إلى ما كان عليه قبل 3 ملايين عام
لكن في نفس الوقت، ينبغي التأكيد على أن المغرب طور خبرة في الميدان، كما تبرز رئيسة الائتلاف المغربي للماء، موضحة: “في تسعينيات القرن الماضي، 14 بالمائة من العالم القروي كان يمكنه الولوج إلى الماء، بينما اليوم تبلغ النسبة قرابة 90 بالمائة”.
في ختام حديثها لـ”مرايانا”، شددت المتحدثة على “وجوب تسريع وتيرة العمل”. بالنسبة للتازي صادق: “ هناك بالفعل قرارات اتخذت بخصوص تدبير الإمكانيات المائية، وهي قيد التنفيذ. لكننا للأسف نسجل تأخيرا يخص الوسائل الاستثنائية، كالتطهير وتحلية مياه البحر”.
[1] تقرير “الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب: رافعة أساسية للتنمية المستدامة”.
لقراءة الجزء الأول: هل المغرب مقبل على أزمة ماء حقيقية؟ 1\2
يا رباااااااااااااااه جميل جدا
جيد جدااااا