من نيويورك، هشام الرميلي يكتب: أمريكا… أمريكتان! أمريكا الحلم2/1
في الولايات الساحلية شرقا وغربا، يبدو عاديا مشهد الوجوه المختلفة والملامح المتعددة. لا تستثار دهشتك ولا تنقشع في رأسك الأسئلة، حين تقتني أغراضك من بائع صيني، أو حين يقترب من …
في الولايات الساحلية شرقا وغربا، يبدو عاديا مشهد الوجوه المختلفة والملامح المتعددة. لا تستثار دهشتك ولا تنقشع في رأسك الأسئلة، حين تقتني أغراضك من بائع صيني، أو حين يقترب من سيارتك شرطي كارايبي، أو يداويك طبيب هندي، أو حين تستقل سيارة أجرة يقودها سائق عربي، لا تستغرب ولا تندهش وأنت ترى جماعات المبشرين والدعاة والرهبان والربانيون، وهم يلقون مواعظهم وآياتهم على مرأى ومسمع من الناس، في الساحات والشوارع الكبيرة.
أنت أيضا لا تهتم ولا تبدو مكثرتا أو متبرما من انتشار المثليين والبوهيميين واللادينيين وعبدة الشياطين…. فكل الاجناس، والديانات، والمذاهب، والتيارات، والأفكار ارتحلت الى أمريكا، ووجدت فيها مستقرا ومقاما، ويبدو أن الكل هنا منسجم ومتقبل للجميع.
دور العبادة منتشرة في كل الانحاء (مساجد، كنائس، معابد يهودية، هياكل سيخ، هندوس، بوذيون…) وهي الآن جزء أساسي من ثقافة أمريكية كوسموبوليتانية، متسامحة جدا. حتى اللغات لا توحدها أمريكا، ولا تخشى منها، بل حتى أنها لا تبدو قلقة على مستقبل إجليزيتها
في الولايات العملاقة كنيويورك وشيكاغو وكاليفورنيا وسياتل… حيث مظاهر الحداثة والانفتاح، وحيث تتركز فئات كثيرة من الشباب والمثقفين وخريجي الجامعات والمعاهد العليا، والطبقة المتوسطة، والطبقة العاملة (working classe) و المثليين، وتنشط معظم الجاليات ويستقر الملَوَّنون، تنتعش فكرة الاختلاف و القبول بالتعدد، وتزدهر فكرة أمريكا/الحلم: البلد الذي يفتح ذراعيه لكل المهاجرين و يسخر لهم كل إمكانيات البلد ليتطوروا و يضع الجميع بشكل متساو أمام القانون…
إقرأ أيضا: مستقبل الديانة اليهودية في نسختها المغربية
قد لا يثير اهتمامك و استغرابك، في الولايات الساحلية الشرقية أو الغربية، أحياء المهاجرين و تجمعاتهم واختلاطهم، وانتشار دور عبادتهم، لغتهم المطبوعة على واجهات المحلات والمرافق الخاصة و العمومية… ليس غريبا أن ترى زواجا مختلطا، بل إنه أصبح أمرا شائعا، وأصبح من الصعب أن تجد شخصا لا ينتمي لعرقين مختلفين، أو على الأقل من أبوين من بلدين مختلفين …
أمريكا “الجميلة” تحتضن كل هؤلاء، يحتفظون بملامحهم وتفاصيلهم الخاصة، عاداتهم وتقاليدهم، يحتفلون بها ويقيمون لها المهراجانات طول السنة… وتمولها أمريكا وتدعمها من أموال دافعي الضرائب.
ولايات عملاقة كنيويورك وكاليفورنيا وبأصواتها الكبيرة في المجمع الانتخابي، تذهب و بكل سهولة للمرشح الديمقراطي، الذي يعبر عن فكرة الاختلاف وعن برنامج تضامني مع الاقليات والزنوج ويتعهد بدعم العاطلين عن العمل والحفاظ على وسائل الدعم المتعددة وبرامجه، وتيسير الدراسة بالنسبة للطلبة ودعم تكاليفها.
دور العبادة منتشرة في كل الانحاء (مساجد، كنائس، معابد يهودية، هياكل سيخ، هندوس، بوذيون…) حتى أزياؤهم المختلفة لا يبدلونها، وهي بعد أن كانت رمزا لثقافاتهم وهوياتهم، هي الآن جزء أساسي من ثقافة أمريكية كوسموبوليتانية، متسامحة جدا.
حتى اللغات لا توحدها أمريكا، ولا تخشى منها، بل حتى أنها لا تبدو قلقة على مستقبل انجليزيتها. في أمريكا يحتفظ الجميع بلغاته ولهجاته، تختلف اللغات في الأماكن العامة، وعلى واجهات المحلات والإشارات، بل حتى في المعاملات الرسمية هناك انتشار للغات متعددة ومختلفة (إسبانية، عربية، صينية، هندية، لهجات إفريقية…).
الأكثر من ذلك، أمريكا لا تطلب منك ان تتحدث لغتها لتستفيد من امتيازاتها (إلا اذا كنت ستتقدم لطلب جنسيتها، ويعفى البعض من امتحان اللغة في بعض الحالات) بل هي مستعدة لأن توفر لك مترجما عند استفادتك من خدماتها، لتعبر بكل أريحية بلغتك الأم…
إقرأ أيضا: حزن الظن: بداية همنا مع أمريكا
أمريكا هنا توحد الجميع حول فكرة الاختلاف. هناك خيط ناظم ومغري، هو أمريكا بإمكاناتها الاقتصادية وترسانتها القانونية التي تحمي الكل… أمريكا لا تصهر الجميع في بوتقة واحدة “melting pot”.
الكل يحتفظ بعناصره الخاصة ومميزاته، تماما مثل سلطة الفاكهة المختلطة “the fruit salad concept” كما يحلو للأمريكيين المنفتحين أن يعبروا عن اختلافهم الجميل…
في الولايات العملاقة كنيويورك وشيكاغو وكاليفورنيا وسياتل حيث مظاهر الحداثة والانفتاح… تنتعش فكرة الاختلاف و القبول بالتعدد، وتزدهر فكرة أمريكا/الحلم: البلد الذي يفتح ذراعيه لكل المهاجرين و يسخر لهم كل إمكانيات البلد ليتطوروا و يضع الجميع بشكل متساو أمام القانون…
في هذه الولايات، وبتركيبتها البشرية وتنوعها و اختلافها العرقي والمذهبي واللغوي… لا يحلم جمهوري أن يظفر بنتيجتها. ولايات عملاقة كنيويورك وكاليفورنيا، وبأصواتها الكبيرة في المجمع الانتخابي، تذهب و بكل سهولة للمرشح الديمقراطي، الذي يعبر عن فكرة الاختلاف وعن برنامج تضامني مع الاقليات والزنوج ويتعهد بدعم العاطلين عن العمل والحفاظ على وسائل الدعم المتعددة وبرامجه، وتيسير الدراسة بالنسبة للطلبة ودعم تكاليفها.
هذا التنوع والاختلاف والتسامح، تبدأ وثيرته في التراجع والانحسار، وأنت تتقدم نحو الوسط شرقا أو غربا… وهذا ما سنقتفي أثره في الجزء الثاني من هذه الورقة.