ابن عربي: المكان الذي لا يؤنث، لا يعول عليه! 2\2
رأينا في الجزء الأول أن ابن عربي واحد من أشهر الأسماء في تاريخ التصوف، يبحث عن دين الحب أنى توجهت ركائبه، مستدلا بـ”مرشده السماوي” الذي ألهمه لكتابة مؤلفات عديدة، أبرزها …
رأينا في الجزء الأول أن ابن عربي واحد من أشهر الأسماء في تاريخ التصوف، يبحث عن دين الحب أنى توجهت ركائبه، مستدلا بـ”مرشده السماوي” الذي ألهمه لكتابة مؤلفات عديدة، أبرزها “الفتوحات المكية”. لكن، رغم أن الكثير اعتبره سلطانا للعارفين، آخرون وَهُم كُثر أيضا، وصموه بالكفر والزندقة… لماذا؟ وكيف تعامل مع ذلك؟ ذاك ما نكتشفه في هذا الجزء، الثاني والأخير، من هذا البورتريه.
المكان الذي لا يؤنث، يبقى مكانا فحسب، أما إذا أضفنا إليه تاء التأنيث، فحينذاك يغدو مكانا ومكانة. وكان ابن عربي حيث لا يجد المكانة التي تليق به، يرتحل من هناك، كما حدث في زيارته إلى مكة عام 1214 للميلاد، حيث وجد عددا من فقهائها قد أخذوا يشوهون سمعته بسبب القصائد التي نشرها في ديوانه الشعري.
ظل “مكان” ابن عربي في القبر مهملا لسنوات طوال كما لا يحب، قبل أن “يؤنثه” السلطان العثماني سليم الأول بعد فتح دمشق، عام 1516 للميلاد، ويمنحه “مكانة” عظيمة.
المكانة التي كان يوليها البعض لابن عربي كـ”بحر للحقائق”، لم تكن لتثني البعض الآخر عن وصفه بالكافر والزنديق والخارج عن الملة، لا لشيء سوى لاتهامه بأنه كان يعتقد بفكرة وحدة الوجود التي يعد الحلاج رائدها الأول و”شهيدها” الأول أيضا؛ فابن عربي كان يرى أن الله والطبيعة حقيقة واحدة؛ بمعنى أنه ليس هناك خالق أو مخلوق وإنما كل ما يراه الإنسان هو الله في صور متعددة، ويدلل ابن عربي على ذلك فيقول:
“إن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل في كل شيء، بل يراه عين كل شيء”.
اقرأ أيضا: “حسين الوادعي يكتب: ابن رشد مفكرا تنويريا علمانيا في الديانات الثلاث”
كُتبت عن ابن عربي كتبٌ كثيرة تبين مواطن “كفره”، منها، على سبيل المثال، كتاب برهان الدين البقاعي “تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي”. أكثر من ذلك، لا زال ابن عربي، إلى اليوم، محل تكفير من طرف عدد كبير من الفقهاء؛ بيد أن مريديه وأتباعه قد انبروا أيضا للدفاع عنه بكتب أخرى، كجلال الدين السيوطي، الذي ألف كتابا يرد به على البقاعي ويبين فيه السمو الروحي لابن عربي، فعنونه على ذات الوزن، “تنبيه الغبي في تبرئة ابن عربي”.
صوفيّا كان… وكذلك سيخلد!
لم يكن ابن عربي ليترجل عن صهوة تصوفه إلا بموته، فرحل هذه المرة _ولآخر مرة_ من الحياة في دمشق سنة 1240 للميلاد، واستقر جثمانه في قبر بسفح جبل قاسيون بذات المدينة، مخلفا جدلا واسعا بين من يؤمن بروح سامية تتألفه وبين من يعتقد بكفره وزندقته… وظل “مكان” ابن عربي في القبر مهملا لسنوات طوال كما لا يحب، قبل أن “يؤنثه” السلطان العثماني سليم الأول بعد فتح دمشق عام 1516 للميلاد ويمنحه “مكانة” عظيمة، فبنى هناك مسجدا وضريحا صار قبلة لكل من يؤمن بمحيي الدين بن عربي، شيخا أكبر.
لقراءة الجزء الأول: ابن عربي… “الشيخ الأكبر” المتهم بالزندقة والكفر 1\2
بعض شعر ابن عربي
لقدْ صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ ….. فمَرْعًى لغِزْلاَنٍ وديرٌ لرُهْبانِ
وبَيْتٌ لأوثانٍ وكعبة ُ طائفٍ، ….. وألواحُ توراة ٍ ومصحفُ قرآنِ
أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى توجَّهتْ ….. رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيماني
—-
الحمدُ للهِ جلَّ اللهُ منْ خالقٍ ….. وهوَ العليمُ بنا الفاتِقُ الراتقْ
قدْ ضمَّ شملي بهِ إذْ كنتُ في عدمٍ ….. لا علمَ عندي بمخلوقٍ ولا خالقْ
حتى إذا برزتْ بالكونِ أعيننا ….. علمت بالكونِ قطعاً أنه الخالق
وأنهُ واحدٌ لا شريكَ لهُ ….. إلا القبولُ فأنى فيهِ بالصادقْ
—-
وأما أصول الحكم فهي ثلاثة ٌ….. كتابٌ وإجماعٌ وسنَّة ُ مُصطفى
ورابعها منَّا قياسٌ محققّ ….. وفيه خلافٌ بينهم مرَّ وانقضى
—-
بين الحشا والعيونِ النُّجلِ حرْبُ هَوًى ….. والقلبُ من أجلِ ذاكَ الحرْبِ في حَرَبِ
لمياءُ لعساءُ معسولٌ مقبِّلها ….. شهادة ُ النّحلِ ما يَلقَى منَ الضَّرَبِ
رَيّا المُخلخَلِ، ديجورٌ على قَمَرٍ، ….. في خدِّها شفقٌ، غصنٌ على كُثُبِ
حسناءُ حالية ٌ ليستْ بغانيةٍ، ….. تفتَّرُ عنْ برَدٍ ظلمٍ وعن شنبِ
تَصُدّ جِدّاً، وتلهو بالهَوى لَعِباً، ….. والموتُ ما بينَ ذاكَ الجدِّ واللَّعبِ