حسن الحو يكتب: موت “نوال السعداوي” ليس مهما.
من رأى أن قتْل الناس، لمجرد أنهم اختلفوا معه في الدين أو الفكر، شيئا جائزا بل ومفرحا، فليعِدْ النظر في إنسانيته قبل دينه، فموت نوال السعداوي ليس مهما بقدر أهمية مساءلة ما أثاره من همجية وسادية، تهدد المجتمع وتعصف بكل جهود التعايش والتسامح، وتنسف الحق في التعبير والاختلاف.
بعد انجلاء الضجة التي أثارتها وفاة نوال السعداوي، وبعد خُفوت أصوات الناعين، سواء الذين التي تمنوا لها النار وبئس المصير، أو الذين رجوا لروحها النوم في سلام، يكشف انجلاء غبار المتخاصمين عن تساؤلات مهمة لم ينتبه لها إلا القليل في غمرة تبادل السباب والشتائم…
فالذين شمتوا بموت الدكتورة وتشفوا بهلاكها وحكموا عليها بالخلود الأبدي في نار الجحيم، لا يمثلون رأيا شخصيا، لاسيما أن منهم شيوخا ودكاترة ودعاة، بل يعبرون عما يعتقدونه عقائد، تُوجب عليهم البراء من كل من يرونه خالف أحكام الدين، والحكم عليه بالكفر والخلود في الجحيم.
ولابد للمتأمل هنا أن يقف وقفة حائرٍ مرتبك، ويسأل سؤالا يفرض نفسه :” ماذا لو آلت الأمور الى هؤلاء الشيوخ وتمكنوا من السلطة السياسية والقوة العسكرية؟ كيف سيكون تعاملهم مع من تجرأ على إعمال عقله في فهم الشرائع أو حتى من رأى أنها لم تعد صالحة لهذا الزمان؟؟
سؤال خطير جدا، والجواب عنه قد يكون مجمعا عليه من طرف من فرح بموت نوال، وأشاع ثقافة الرعب والإرهاب عند قبرها، وزعم أن حارس المقبرة سمع صوت عذابها ففر هاربا…
الجواب هو أنها مرتدة كافرة ينبغي تطبيق حكم الردة عليها بعد استتابتها، فإن أبت، يفصل رأسها عن جسدها ثم تُرمى في حفرة كما ترمى الكلاب، ولا تدفن في مقابر المسلمين، والتاريخ القريب، حيث كان يسود فكر الإخوان المسلمين في مصر، شاهد عما عاناه الكاتب والمفكر فرج فودة، بعد تكفيره من طرف المحاكم الشرعية في مصر، وكدا ما عاناه نجيب محفوظ والكاتب السوداني محمود محمد طه والشيخ الأزهري علي عبد الرازق… وغيرهم الكثير…
إذا كانت معتقداتهم كما يروجون لها أصلب من الجبال، ومن اليقين بحيث لا تكدرها الشكوك والأوهام، فلم يغضبهم فكر امرأة في التسعين من عمرها، ويخافون من فكرها أن يزعزع إيمان المسلمين؟ هل الإيمان بهذه الهشاشة حتى يستنفر كل الشيوخ ويتداعى له كل الوعاظ والدعاة للرقص حول جثة نوال فرحا بنفوقها كما يرددون؟!!!!
فاللاعنون والغاضبون على الدكتورة نوال، لا حرية للتعبير عندهم إذا تمكنوا، ولا صوت يعلو على صوت صليل السيوف المسلولة لقطع رؤوس المهرطقين إذا حكموا، معضلة تستدعي أن يُنظر لها نظرة عميقة ويُستوقف عندها من طرف صناع القرار والمفكرين ومعدي البرامج التعليمية وعلماء الاجتماع ودعاة الاسلام المعتدل وعلماء النفس…. للإجابة على الكثير من الإشكالات:
لماذا فشلت محاولات تحديث الخطاب الديني ونشر الاسلام المعتدل ؟ لماذا يعيش المسلمون سكيزوفرينية حادة، خصوصا الذين يعيشون في “الغرب الكافر” كما يحلو لهم تسميته، يتجولون في حديقة الحرية “هايد بارك كورنر” بلندن ليدعوا لدينهم كيف شاءوا دون مضايقة من أحد، ثم يغضبون وتحمر أعينهم إذا انتقد شخص ما يعتقدونه ويتمنون له النفوق والهلاك؟؟؟ مَن المسؤول عن توجيه هذه الجماهير الهائجة المتعطشة لهلاك الناس وعذابهم؟؟
إن موجة الغضب والتصريحات التي أثارها موت الدكتورة نوال السعداوي، كشفت عن الأحقاد الدفينة، والعنف المخفي وراء ربطات العنق الأنيقة لدعاة، يوهمون الناس برحمة الإسلام وحداثته واستيعابه لكل الناس، كما كشفت عن نفوس مهزوزة، تخاف من الكلمة وتخشى الصوت الحر، فإذا كانت معتقداتهم كما يروجون لها أصلب من الجبال، ومن اليقين بحيث لا تكدرها الشكوك والأوهام، فلم يغضبهم فكر امرأة في التسعين من عمرها، ويخافون من فكرها أن يزعزع إيمان المسلمين؟ هل الإيمان بهذه الهشاشة حتى يستنفر كل الشيوخ ويتداعى له كل الوعاظ والدعاة للرقص حول جثة نوال فرحا بنفوقها كما يرددون؟!!!!
إنهم بما أبانوا عنه من تشنج وتشفي، أساؤوا إلى الإسلام من حيث أرادوا الإصلاح، وأظهروا حقيقة ما يخفونه من عنف نتيجة استضعافهم وعدم تمكنهم، وكشفوا عن شكل المجتمعات التي يحلمون بالعيش في كنفها، حيث يسود الفكر الواحد والصوت والواحد ولا يسمح فيه بالاختلاف والنشاز…
كان الأولى أن يُسمع للدكتورة نوال ويُسمح لها بعرض أفكارها في جو يسوده الاحترام، وتقبل الرأي والرأي الآخر. فالأفكار يدافع عنها بالحوار والنقاش، وليس بالترهيب والتخوين، ومن رأى أن قتْل الناس، لمجرد أنهم اختلفوا معه في الدين أو الفكر، شيئا جائزا بل ومفرحا، فليعِدْ النظر في إنسانيته قبل دينه، فموت نوال السعداوي ليس مهما بقدر أهمية مساءلة ما أثاره من همجية وسادية، تهدد المجتمع وتعصف بكل جهود التعايش والتسامح، وتنسف الحق في التعبير والاختلاف.
نوال سعادتي حين كتبت مسرحية الإلاه يقدم إستقالته تجاوزت الحدود فهي لم تكتفي بالإستعارة و التلميح بل سمت أبطال المسرحية بأسمائهم حقيقة وهكذا هناك الله و إبراهيم و عيسى و موسى و مريم و إبليس في حوارات و مراجعات و إنتهت إلى أن الله لم يعد له قوة و فشل في مهامه و قدم إستقالته،فهل هذا هو الآن و الأدب الذي من حقه أن يرى النور و هل هكذا هي حرية الرأي و هل هذا هو التسامح و التعايش و إحترام البعض