الطلبة المغاربة في فرنسا… متاعب الحجر الصحي تُفاقم إحساس الغربة عن الوطن (2/1)
لا يرمي هذا الملف إلى تهويل الظروف المعيشية لطلبة الخارج، بل يهدف مساءلة الصور النمطية الإيجابية المرتبطة بالدراسة خارج أرض الوطن، والتي تحجب عادة الإكراهات الملازمة للدراسة خارج المغرب
بعدما حققت فئة منهم حلم متابعة الدراسة خارج أرض الوطن، يواجِه الطلبة المغاربة في فرنسا وضعا استثنائيا خلال السنة الجامعية الحالية، بفعل تداعيات جائحة كورونا.
شحُ فرص العمل، متابعة الدراسة عن بعد، التوجس من تنامي العنصرية، الخوف من تشديد إجراءات السفر من وإلى المغرب، هي جملة من المشاكل التي يكابدها شباب مغربيٌ، وجد نفسه أمام عاصفة من التحديات بعيدا عن الوطن.
ارتفاع تكاليف الدراسة في كندا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فضلا عن الخلفية الثقافية والتاريخية، كلها أسباب تجعل من دولة فرنسا -أحيانا- الخيار الوحيد والأنسب للعديد من المغاربة خلال مرحلة التعليم الجامعي.
أدى فرض الحجر الصحي في فرنسا إلى تضاؤل فرص العمل الموجهة للطلبة “Job étudiant”، وهو ما انعكس على الوضعية المادية للطلبة.
يتجاوز عددهم سقف الأربعين ألف ويشكلون 12 في المائة من الطلبة الأجانب. يجعل هذا من المغاربة الجالية الطلابية الأكثر حضورا في الجمهورية.
بعضهم يقطن في غرف ضيقة، لا تحترم شروط الكرامة الإنسانية وتُفاقم متاعب الحجر الصحي، وآخرون صاروا على حافة الانهيار النفسي بسبب شح الموارد المالية والبعد عن دفء مقاعد الدراسة…
”مرايانا” تفتح من خلال هذا الملف، مساحةَ للبوح لبعض الطلبة المغاربة، ليشاركوا قصص معاناتهم خلال هذه الظرفية الصعبة.
لا يرمي هذا الملف، -في جزأيه،- إلى تهويل الظروف المعيشية لطلبة الخارج، بل يهدف مساءلة الصور النمطية الإيجابية المرتبطة بالدراسة خارج أرض الوطن، والتي تحجب عادة الإكراهات الملازمة للدراسة خارج المغرب.
الحجر الصحي… تَفاقُم الأثار النفسية للغربة
بينما كان العديد من الطلبة المغاربة، خصوصا الملتحقين الجدد، يعولون على الدخول الجامعي من أجل تحقيق الاندماج في مجتمع الإقامة الجديد، واكتشاف الحياة الطلابية الأوروبية، تفاجأ هؤلاء باعتماد نظام التعليم عن بعد، وإقرار حجر صحي في كامل التراب الفرنسي.
أسمون بن محمد، طالب مغربي بجامعة “كان نورماندي”، لم يتردد في البوح لموقع ”مرايانا”، بمجموعة من المشاكل التي تؤرق باله خلال الجائحة.
بعدما حصل على الإجازة، تخصص ”تقني المختبر”، حمل أسمون حقائبه وأحلامه، ليطير إلى شمال فرنسا بحثا عن آفاق دراسية جديدة وتجربة حياتية مختلفة.
لم تستقبل الشاب المُجاز الورود، بل اصطدم مباشرة بواقع صعب فرضته أزمة تجتاح العالم بأكمله.
”تتجلى المتاعب التي أواجهها في الضغط النفسي الهائل. كوني أسكن لوحدي، قلَّ ما أرى أحدا، ولا أستطيع الخروج إلا للحاجة؛ وهذا ما يجعلني أحس بفراغ نفسي قاسٍ أحيانا، أو دعني أقول فراغ تواصلي، وإحساس بالوحدة، يؤديان بي في نهاية المطاف إلى اضطرابات نفسية، خصوصا لأن هذا عامي الأول بالديار الفرنسية، و لا أعرف الكثير من الأشخاص”.
اقرأ أيضا: دراسة تظهر الآثار النفسية للحجر المنزلي على الأطفال
الطلبة والحجر الصحي…ما العمل دون عمل؟
ترتكز الموارد المالية لأغلب الطلبة المغاربة على ”الضمان البنكي” (مبلغ يعادل تقريبا 85000 درهم، تشترطه عادة القنصليات الفرنسية في المغرب لمنح تأشيرة الإقامة الطويلة للطلبة)، لكنه يبقى غير كافٍ لتغطية جميع مصاريف الدراسة. يفرض هذا الوضع على الطلبة حتمية البحث عن عمل أو اللجوء إلى التقشف.
أدى فرض الحجر الصحي في فرنسا إلى تضاؤل فرص العمل الموجهة للطلبة “Job étudiant”، وهو ما انعكس على الوضعية المادية للطلبة.
بعضهم يقطن في غرف ضيقة، لا تحترم شروط الكرامة الإنسانية وتُفاقم متاعب الحجر الصحي، وآخرون صاروا على حافة الانهيار النفسي بسبب شح الموارد المالية والبعد عن دفء مقاعد الدراسة…
يؤكد الطالب أسمون أن ”هناك صعوبة في توفير المال الكافي لتغطية مصاريف الدراسة، نظرا لتضاؤل الحظوظ في الحصول على عمل أو انعدامها. فلحد الآن، أغلبية الطلبة الأجانب يعولون فقط على مبلغ الضمان الذي تم إيداعه في البنك للحصول على الفيزا، أو المساعدات العائلية الآتية من هنا وهناك. هذا بطبيعة الحال له تأثير مباشر على حياتك، فقد تجد نفسك مضطرا للالتزام الصارم بسياسة التقشف، رغم ما قد يكون لها من تأثير سلبي على صحتك البدنية، أو قد تجد نفسك محرجا لإحساسك بكونك ثقل على كاهل العائلة، ما قد يؤثر على صحتك النفسية”.
اقرأ أيضا: التنمر… “الإجرامُ” في ثوبٍ أبيض!
من شمال فرنسا إلى جنوبها. حفصة، طالبة مغربية في جامعة ”إكس مارسيليا”، تؤكد أنها تعيش وضعية جد معقدة بسبب فشلها في إيجاد فرصة عمل.
حفصة، بنبرة تملؤها الحسرة والخوف، تقول لـ”مرايانا”: ”حاليا، لدي مشاكل مادية. تبقى لدي مبلغ جد محدود قد لا يكفيني لتلبية حاجياتي حتى نهاية الشهر. بحثت عن عمل للطلبة Job étudiant، لكن، لم أُستدع لأية مقابلة. قدمت الطلب للعديد من المحلات التجارية الكبرى لكن دون جدوى. ليس هناك عمل سوى “مرافقة للأطفال”، لكن، بسبب جنسيتي، ربما، قد لا أحصل حتى على هذا العمل بسبب عدم ثقة الناس. أخشى كثيرا عدم الحصول على عمل، الأمر أصبح يرهبني خصوصا خلال هذه الجائحة”.
في الجزء الثاني، نتابع حكايات وتفاصيل جديدة لعدد من الطلبة المغاربة المقيمين في فرنسا، في ظل جائحة كورونا.