عن عزم الحكومة “تفويت” مصحات الضمان الاجتماعي… أغماني في حوار مع مرايانا: هذه المصحات في وضعية غير قانونية، لكن توقيت هذا النقاش غير صحي!
ضمن الجدل الأخير الذي أثاره عزم الحكومة تنحية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تدبير مصحاته الـ13، حاورت “مرايانا” وزير التشغيل والتكوين المهني السابق والرئيس السابق لمجلس إدارة الصندوق، جمال أغماني، للوقوف على حيثيات هذا التوجه وتداعياته.
الوزير السابق يَرُد ما تعتزمه الحكومة إلى الوضعية غير القانونية التي توجد فيها هذه المصحات، إلا أن توقيت ذلك في نظره غير صحي باعتبار الظرفية التي فرضتها جائحة كورونا وكذا ما أشار إليه الخطاب الملكي الأخير…
ويرى أن مجلس إدارة الصندوق سيقف في وجه هذه العملية لكونه صاحب القرار بالنظر إلى الصبغة الثلاثية التي تتخلل تسييره، مشيرا إلى أن النقابات لا ترفض التدبير المفوض، إنما ترفض تفويت هذه المصحات؛ أي بيعها.
-
لماذا تتجه الحكومة، في قراءتك، إلى “تفويت” مصحات الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص؟
هذه المصحات توجد في وضعية غير قانونية منذ عام 2014. المادة 44 من مدونة التغطية الصحية تنص على الفصل بين مهام التدبير ومهام تقديم العلاجات؛ أي أنه لا ينبغي لمؤسسات مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) أو التعاضديات أن تقدم خدمات علاجية لأنها تدبر التغطية الصحية.
اقرأ أيضا: زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!
المادة 44 أساسية في نظام التغطية الصحية كما بُنيَ. وقد أُعطيت مهلة من ثلاث سنوات للمؤسسات من أجل ملاءمته. لكن، بعد انصرام هذه المهلة، وحده الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS) من قام بهذه الملاءمة.
أرى أن هذا النقاش ينبغي أن يدخل في مجال النقاش العام حول مستقبل الصحة العمومية في المغرب.
لمواجهة هذه الوضعية، كان يُقدم أمام البرلمان مقترح قانون للتمديد في انتظار تسوية الملف. بعد التمديد الأول، والثاني الذي انتهى عام 2014، حسم البرلمان في عدم إعطاء استثناء جديد… تبعا لذلك، أصبحت المصحات الـ13 التابعة للضمان الاجتماعي وتلك التابعة للتعاضديات في وضعية غير قانونية.
مع ذلك، ظلت هذه المصحات تُقدم خدماتها، ولم تتدخل الحكومة لتوقيفها لعدة اعتبارات منها الاجتماعي ومنها الصحي…
-
ما الخلل في المادة 44 تلك؟ أين يكمن المشكل في الجمع بين تدبير نظام للتأمين الإجباري وتدبير مؤسسات صحية؟
لا يمكن الجمع بين تدبير نظام للتغطية الصحية وآخر لتقديم العلاجات لكونك تدخل آنذاك في منطق منافسة وحكامة وما إليهما… ولا تعد هذه المسألة منطقية.
اقرأ أيضا: تاريخ الدواء: حين ألهمت الحيواناتُ الإنسانَ الطريقَ إلى معالجة أمراضه! 3/1
الخلل الآن في أنه من الصعب جدا تغيير هذه المادة، لأن ذلك يفرض تغيير منظومة التغطية الصحية كلها.
مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يُشرك في القرار، إنما هو صاحب القرار…
إنما المشكل الأساسي يتعلق بتوقيت هذا النقاش. نحن الآن في ظرفية صعبة نعرفها جميعا، وقد قمنا بمجهود لمواجهة عجز منظومة التغطية الصحية ومن ثم تداعيات الجائحة.
الخطاب الملكي الأخير ينحو إلى إلغاء نظام التغطية الصحية (راميد) وإعادة النظر في النظام الصحي ككل بما يضمن استفادة المغاربة جميعهم من التغطية الصحية الإجبارية على نحو متساو.
توقيت هذا النقاش، في نظري، ليس صحيا!
-
بمعنى أن المشكل ليس في التدبير المفوض الذي ترفضه بعض النقابات، إنما في التوقيت…
النقابات لا ترفض التدبير المفوض. إذا أخذنا مثال الاتحاد المغربي للشغل، كطرف أساسي في الموضوع باعتبار أن هذه المصحات أُسست في وقت كان يسير فيه مجلس الإدارة؛ الاتحاد لا يرفض المبدأ، بل يرفض التفويت؛ أن تُباع هذه المصحات كل على حدة…
اقرأ أيضا: هذه بعض من أهم البيمارستانات التي عرفها المغرب يوما ما… 3/3
علما أن هذه المصحات، حتى نقول كل شيء، تقع في مواقع إستراتيجية في المدن الكبرى، أي أننا نتحدث عن المليارات…
-
فرضا تمّت هذه العملية… ما انعكاساتها، السلبية والإيجابية، سواء على المؤمَّنين أو مستخدمي هذه المصحات؟
أظن أن المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سيوقف هذه العملية. الحكومة لا تقرر لوحدها في هذا الموضوع. المجلس الإداري يتكون من 24 عضوا: 8 من الحكومة، 8 من النقابات، و8 من الباطرونا والغرف المهنية.
إذن حين سيوضع الملف أمام المجلس الإداري، النقابات ستقول لا.
حين كان رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، يقول إنني أنجزت تعويضا عن فقدان الشغل، لم يكن هو من قام بذلك في الواقع، إنما مجلس الإدارة من قرره…
واضح أننا لن نستطيع المضي بالقطاع الخاص وحده؛ القطاع العام أصبح من الأولويات وذلك كان واحدا من دروس الجائحة.
عمليا، يوجد بالمجلس الإداري ثلاثة أطراف، ويأخذ قراراته بالإجماع كما جرت العادة، أي أنه إذا رفض أحدهم فقط لا يمكن أن يتم التصويت…
في تقديري، ينبغي للحكومة أن تعود لمجلس الإدارة من أجل التشاور. حتى من الناحية الإستراتيجية، ظرفية “كوفيد-19” أظهرت اليوم عجزا في المنظومة الصحية، ونسبة كبيرة من هذه المصحات معبأة في مواجهة الجائحة.
اقرأ أيضا: أسماء بن العربي تكتب: أنت مغربي؟ لا تمرض من فضلك
صحيح أن هذه المصحات تسجل عجزا، لكن المسألة عادية. كل الأنظمة الصحية في العالم تعرف العجز. كانت هذه المصحات تسجل عجزا بـ400 مليون درهم في السابق، والآن تسجل عجزا بـ200 مليون درهم أو نحو ذلك سنويا، أي نحو مليون درهم في اليوم…
ثم إن النظام العام للضمان الاجتماعي هو الذي يمول هذا العجز. والمسألة، قلتُ، عادية، لأن هذه المصحات ليست بعيادات خاصة مبنية على الربح… أكثر من هذا، هي تُطبق التعريفة المرجعية الوطنية التي لا تطبقها العيادات الخاصة…
– التخوف الذي يساور النقابات ربما ينبع من هذه النقطة…
تخوف مشروع… لكن التدبير المفوض ينص على دفتر تحملات، ينص بدوره على احترام التعريفة المرجعية… ثمة مفاوضات يُمكن أن تجرى بهذا الصدد.
اليوم في المغرب، والعالم بأسره، يوجد تصور جديد لدور الصحة العمومية، وقد أشار الخطاب الملكي لذلك… حين نعالج “كوفيد-19″، لا نطلب من المواطنين أن يعالجوا أنفسهم بأنفسهم… الدولة تتحمل كل شيء!
الخطاب الملكي الأخير ينحو إلى إلغاء نظام التغطية الصحية (راميد) وإعادة النظر في النظام الصحي ككل بما يضمن استفادة المغاربة جميعهم من التغطية الصحية الإجبارية على نحو متساو.
أرى أن هذا النقاش ينبغي أن يدخل في مجال النقاش العام حول مستقبل الصحة العمومية في المغرب. هنا يمكن أن نجد عدة حلول حول دور هذه المصحات…
ومجلس الإدارة، كما قلت، لا يُشرك في القرار، إنما هو صاحب القرار… وبالنسبة لي، سيوقف هذه العملية… ينبغي على الحكومة أن تخاطبه وأن تعرض عليه رأيها وتدافع عنه.
اقرأ أيضا: سكان العالم القروي في زمن كوفيد 19… حياتنا عبء على السياسي
ثم إنّ هذه المصحات ليست باستثمار للدولة، بل أُسّست بالفائض الذي كان يحققه الصندوق في التعويضات العائلية.
أرى أن الوضعية الحالية ينبغي أن تندرج في المنظومة التي دعا إليها الملك في خطابه الأخير…
واضح أننا لن نستطيع المضي بالقطاع الخاص وحده؛ القطاع العام أصبح من الأولويات وذلك كان واحدا من دروس الجائحة.