من بروكسيل، سناء العاجي تكتب: معرض… لإهانة الكتاب!
كان البيت جميلا… لكنه كان فارغا جافا، لا دفء فيه. كان الأثاث باذخا… لكنه بارد. مبعثر. غير منظم. كأن تصل لمتحف جميل… ثم تفتقد أبسط تفاصيل التجوال فيه أو التعرف …
كان البيت جميلا… لكنه كان فارغا جافا، لا دفء فيه.
كان الأثاث باذخا… لكنه بارد. مبعثر. غير منظم.
كأن تصل لمتحف جميل… ثم تفتقد أبسط تفاصيل التجوال فيه أو التعرف على تفاصيله…. تضيع في أروقته بلا دليل، فلا تذكر منه إلا الطاقة السلبية التي شحنتك زيارته بها.
هكذا كان انطباع معظم الكتاب الذين شاركوا في معرض الكتاب ببروكسيل في مارس 2020… وكنت ضمنهم.
كان الرواق جميلا أنيقا. لكن، غاب التنظم… بل وغاب الكتاب أحيانا.
لقد تعاملت الجهة الوصية مع عدد من الكتاب المشاركين بمبدأ “دايرين فيكم خير”؛ “اعتبروا أنفسكم محظوظين لأنكم سافرتم وشاركتم في معرض الكتاب ببلجيكا…”.
فوجئ عدد من الكتاب بعدم وجود كتبهم نهائيا في المعرض… بينما المفترض أننا، بالأساس، كنا في معرض للكتاب.
لكنك في النهاية تستطيع، بفضل عبقرية مغربية قحة، بفضل الاستثناء المغربي البديع، أن تشارك في معرض الكتاب وأن تشارك في ندواته… ثم يسألك الزوار عن كتبك لتكتشف أنها غير موجودة أساسا أو مخبأة، بشكل ما ولأسباب لا يعرفها إلا أصحابها، في كراتين تحت الطاولات أو في مخزن الرواق، بحيث لا يصادفها زوار الرواق.
اقرأ أيضا: تقرير حديث: الكِتَاب المغربي الأرخص ثمنا في المنطقة، والمغرب على عتبة ثورة رقمية في آليات النشر
ثم هناك المحظوظون، ممن وصلت كتبهم وتم عرضها فعليا… لكن بأعداد قليلة لا يتجاوز بعضها الخمس نسخ! فهل يسافر الكاتب ليشارك في معرض كتاب… بدون الكتاب؟ أي منطق يحرك المنظمين والقطاع الوصي والناشرين؟ هل الأساسي أن نكون ضيف الشرف، وأن نبني البيت\الرواق ونؤثثه بشكل جميل وندفع تذاكر الطائرات والفنادق… وأن ننسى الكتاب في النهاية؟
لقد تعاملت الجهة الوصية مع عدد من الكتاب المشاركين بمبدأ “دايرين فيكم خير”؛ “اعتبروا أنفسكم محظوظين لأنكم سافرتم وشاركتم في معرض الكتاب ببلجيكا…”. غياب وتعالٍ وسوء تنظيم يخسر فيه الكتاب في النهاية، ويعود الكاتب لبلده ببعض إحساس بـ “الحكرة” والمهانة.
هل يسافر الكاتب ليشارك في معرض كتاب… بدون الكتاب؟
بل أكثر من ذلك، لقد فوجئ بعضنا (وأنا منهم) ببرمجة تختلف في بعض تفاصيلها (الجوهرية أحيانا) عما تم الاتفاق حوله مع المنظمين؛ كأن تكون متدخلا في لقاء مخصص لتخصصك وميدان اشتغالك، لتجد نفسك وقد تحولت لمسير للندوة، وحتى دون أن يكلف أحد نفسه استشارتك في التعديل ولا حتى تبريره!
اقرأ أيضا: بالصور: الخزانة الوسائطية بخريبكة… أكثر من مجرد مكتبة!
تفاجأنا كذلك بتراجع الجهة المنظمة عن عدد من الالتزامات التي أخذتها مع المشاركين. على سبيل المثال، كان الاتفاق قد تم مع مسيري الندوات، وبشكل صريح، حول مقابل مادي عن التسيير، كمهمة مهنية تستلزم إعدادا ومجهودا (وهذا ما يحدث في معظم التظاهرات المهنية، خارج التطوع الجمعوي). كان واضحا بشكل صريح أن هذا التعويض هو أمر منفصل تماما عن مصاريف الرحلة ومقابل الوجبات (والتي كان مقابلها مخصصا للمسيرين ولغيرهم من المشاركين). فجأة، تراجع المنظمون عن التزامهم، بل وطلب أحد مسؤولي التنظيم “دليلا مكتوبا” على هذا الاتفاق، في اتهام صريح بالكذب لمسيري الندوات من كتاب وصحافيين.
كتبنا تستحق أفضل من هذا. ونحن، الكاتبات والكتاب، نستحق أفضل من هذا!
تفاجأنا بغياب شبه تام للمنظمين، لولا مبادرات فردية محدودة كانت تسعى لمساعدة هذا وتلك في تدبير تفاصيل اللقاءات سواء داخل أسوار المعرض أو في إطار برمجة “خارج الأسوار”.
باختصار… لقد كان المغرب ضيف شرف معرض الكتاب ببلجيكا سنة 2020. كان الرواق أنيقا. تم تنظيم ندوات جميلة ونقاش قضايا جدية في الأدب والفن وقضايا المجتمع والتعدد والحقوق. أغلب الندوات كانت مميزة فيما يتعلق بالمحتوى وجدية المشاركين وجودة المداخلات… كانت اللقاءات الإنسانية جميلة أيضا. لكن للأسف، غلبت الهواية على التنظيم. غاب الاحتراف وغابت المهنية… بينما حضرت الإهانة والحكرة.
كتبنا تستحق أفضل من هذا. ونحن، الكاتبات والكتاب، نستحق أفضل من هذا!