هشام روزاق يكتب: جائحة اسمها… بوليف
… حين يواجه العالم مصيبة ما، كما يحدث اليوم مع فيروس كورونا مثلا، تشحذ الدول عقولها ولغات المنطق فيها كي تواجهه. في حالات الشدة… يكتشف العالم في العادة، معادن الجمال …
… حين يواجه العالم مصيبة ما، كما يحدث اليوم مع فيروس كورونا مثلا، تشحذ الدول عقولها ولغات المنطق فيها كي تواجهه.
في حالات الشدة… يكتشف العالم في العادة، معادن الجمال الساكنة فيه. نفتح أعيننا فجأة، على آلاف الأطباء الذين يغامرون بحياتهم من أجل شفاء مرضى، وعلى ملايين الممرضين والمتطوعين الذين ينتصرون على الخوف من أجل الانتصار لمعنى البشر فيهم…
يبحث العاقلون في العالم عن حل، حين يواجهون الكوارث…
عندنا… في كل جغرافيات الوحل التي تحاصرنا، نكتشف في حالات الشدة، معدن القبح الذي يسكن الكثيرين…
معدن القبح، الذي يجد في كل حالات الضيق والاختبار، فرصة كي يعلن عداءه للعلم، للمنطق… للبشر.
فيروس كورونا، أخرج من أحشاء الكثيرين عندنا، رواسب الحقد التي يستعذبون تقيؤها كل مرة، لا فرق فيهم بين من اعتبر الفيروس عقابا من الله لخلقه، وبين من سخر من أمة اسمها الصين وهي تواجه اختبارها، معتبرا ما حدث لهم، نتيجة ميكانيكية لنوعية أكلهم وشربهم…
حين يواجه العالم كارثة، مثل كورونا، تشحذ الدول عقولها وعلومها…
نحن عكس ذلك… نشحذ ألسنة بوليف وأشباهه…
العالم يواجه كورونا دون أن يعلنها جائحة…
ونحن… نواجه الجائحة يوميا، ونسميها بوليف وأشباهه.
التقى في الفضيحة المتأسلم والحداثي والجاهل، فكانت النتيجة بكل برود، صورتنا التي لم تنفع فيها كل مساحيق التجميل.
… متأسلمون يصرخون في الناس، أن ذاك عقاب من الله لغير المسلمين، حتى إذا اجتاح الفيروس بلدانا إسلامية، ابتلعوا ألسنتهم…
حداثيون… أو هكذا شبه لهم، لم يجدوا في كل محنة كورونا، غير اقتراف كل أنواع السخرية الجاهلة، من خلال نكت رخيصة أو تقاسم فيديوهات تافهة، تنكأ جرح بشر يواجهون اختبارهم بكثير من علم… وبدروس يومية في معنى الانتماء للبشر.
هكذا بكل بساطة…
حين يفتح العاقلون عيونهم على كارثة، يبحثون في عقولهم عن حل.
… ذاك حال العاقلين. أما عندنا، فعلى قول خالدة “المشاهب”: الخيالة عْقْلو خيولهم/ وركبوا الخيال/ والعقالة نصلو عقولهم… ولبسو لهبال”.
في بلد كالمغرب، يواجه فيه آلاف الشباب كارثة يومية اسمها فرص الشغل، ويقاتل فيه الكثيرون يوميا من أجل تحسين ظروف العيش… في بلد كهذا، حين يتم التفكير في حل، نفتح عيوننا على كارثة.
يتم التفكير في حل، ييسر على المغاربة بعضا من تفاصيل حربهم اليومية مع شيء اسمه العيش الكريم، فيخرج عليهم عبدة العدم، بلغات الوعيد والنذير، باسم عبادة الله…
اقرأ أيضا: البنوك الحلال: ربا مستتر تأويله الشريعة 1\3
قرر المغرب مؤخرا، حمل الأبناك المغربية على المساهمة في تشجيع وتمويل المقاولات الصغيرة، بنسبة فائدة لا تتعدى 2 بالمائة، فخرج عليهم كائن، لا ميزة له في الكون، سوى أنه انتمى لقوم يعتقدون أنهم ممثلو الله على الأرض، ليطلق عليهم رشاشا من الفراغ والنفاق والجبن.
نجيب بوليف، الذي قادته رياح الصدف والعبث في هذا البلد، ليصبح وزيرا ذات فراغ، خرج على المغاربة، بعد أن تم حذفه من منصبه لعدم كفاءته، ليقول لهم إن… أخذ قروض من الأبناك، بفائدة لا تتجاوز 2 بالمائة… هو ربا، وإن الربا، قليلا كان أم كثيرا، فهو حرام.
نجيب بوليف… تذكر الربا والحلال والحرام فجأة، ولم يتذكره حين كان وزيرا يأخذ راتبه الشهري، من أموال دافعي الضرائب… بما فيها من ضرائب على الخمور والتبغ، وبما فيها من ضرائب تدفعها الأبناك نفسها.
وتذكر الحرام والحلال اليوم، ولم يتذكره، حين كان وزيرا، تقترض حكومته من الأبناك بفوائد ضخمة، ويسير الوزارة التي أسندت له بكثير من أموال ذات القروض.
… وتذكر الحلال والحرام، حين تعلق الأمر بفرصة يبحث عليها آلاف الشباب منذ سنين، و”ضرب الطم”، حين استحوذ زعيمه بنكيران، على تقاعد استثنائي بملايين السنتيمات كل شهر، لا لشيء سوى لأنه أتقن لعبة الصراخ والتباكي.
حين نقول إن ما اقترفه بوليف هنا يسمى نفاقا، فلأن الأمر ببساطة يتجاوز حالة بوليف، ليشمل حالة عامة، اسمها الاستعمال السياسي المقزز للدين. حالة، تفرد فيها الإسلامويون بقول الشيء ونقيضه، وبتوزيع الأدوار فيما بينهم، وبـ “الماكلة مع الديب… والبكا مع السارح”.
بوليف، كغيره من عتاة الاستعمال السياسي المقزز للدين، سيجدون في كل نازلة، فرصة لتأبيد السرقة الموصوفة التي يمارسونها ضد الدين من جهة، ووسيلة للتعبير المستمر، عن الشيء الوحيد الذي نجحوا فيه…
بوليف ومن معه… يبدعون دوما في الفشل.
ما اقترفه بوليف في النهاية، هو نفس ما يقترفه الإسلامويون عادة… هو ببساطة، عملية سرقة موصوفة لدين، يفترض أنه حسم منذ نشأته مع مفهوم الوسيط وأن كل العلائق المفترضة فيه بين الخالق وخلقه، هي علائق لا تحتاج لسمسار… ولا تسمح بوجود قطاع طرق في السبل المؤدية نحوه.
السؤال هنا هو… لماذا تسمح الدولة عندنا، الدولة كمؤسسات أقصد، بهذه الاعتداءات المتكررة على المشترك الديني للمغاربة، من طرف أشخاص، ليست لديهم أية صفة أو أهلية لممارسة هذا النوع من السرقة.
لماذا علينا في كل مرة، أن نتحمل عربدة وزير سابق باسم الدين، أو أن نقف شهودا على كمية من الحقد والكراهية يطلقها شخص مثل “أبي الجحيم” وغيرهما… دون أن تتدخل الدولة، ليس حماية لمواطنيها، ولكن أساسا، حماية للدين الذي يفترض أنها تمثله مؤسساتيا؟
اقرأ أيضا: البنوك الإسلامية: هل القرض الحلال أغلى أم أقل تكلفة؟ مرايانا تطلب قرضا لتتأكد… 2\3
دولة… تتابع شبابا لأنه عبر عن رأيه على الفيسبوك أو غيره، بدعوى المس بالمؤسسات… لا تتحرك بالمرة، حين يتم المس بالدين، من طرف أشخاص وهيئات وضعت يدها على الدين، واعتبرته ملكية خاصة بها!
… تلك كانت مجرد أسئلة، أما حين نعود لحكاية بوليف، فحتى الأسئلة تصبح مجرد إضاعة للوقت والجهد.
بوليف، كغيره من عتاة الاستعمال السياسي المقزز للدين، سيجدون في كل نازلة، فرصة لتأبيد السرقة الموصوفة التي يمارسونها ضد الدين من جهة، ووسيلة للتعبير المستمر، عن الشيء الوحيد الذي نجحوا فيه…
بوليف ومن معه… يبدعون دوما في الفشل.
فشلوا كساسة، وكمدعي تدين.
لأجل هذا قلنا… حين يواجه العالم كارثة، مثل كورونا، تشحذ الدول عقولها وعلومها…
نحن عكس ذلك…
نشحذ ألسنة بوليف وأشباهه…
العالم يواجه كورونا دون أن يعلنها جائحة…
ونحن… نواجه الجائحة يوميا، ونسميها بوليف وأشباهه.
وهذا… بعض من كلام