اختطاف الأطفال والرضع… ظاهرة تولد أم مجرد حالات معزولة لا تدعو للقلق؟
تذهب امرأة إلى المستشفى، أخيرا، بعد تسعة أشهر من الحمل، وذلك قصد وضع وليدها. تحظى بالرعاية المتوفرة في نسختها المغربية، وتلد في الظروف التي يمنحها الفهم المغربي للصحة والخدمات العمومية… …
تذهب امرأة إلى المستشفى، أخيرا، بعد تسعة أشهر من الحمل، وذلك قصد وضع وليدها. تحظى بالرعاية المتوفرة في نسختها المغربية، وتلد في الظروف التي يمنحها الفهم المغربي للصحة والخدمات العمومية… ثم بعد لحظات… اختفى الوليد!
يخرج طفل إلى الشارع ليلعب مع رفاقه، أمه مطمئنة، لكن… ساعة، ساعتان، ثلاثة، غابت الشمس، والطفل لم يعد بعد… لقد اختفى!
هذان خبران وردا بصيغ متعددة خلال الأشهر الأخيرة بالمغرب، باختلاف الظروف والزمان والمكان والفاعلين؛ وقد صنعا الحدث، كإعلان عن ذيوع حالات اختفاء أو اختطاف الأطفال، إن من الشارع، أو من المستشفيات حتى.
ماهي أسباب اختطاف الأطفال وسرقة الرضع بالمغرب إذن؟ وهل هي حالات معزولة ومعدودة، أم أنها ترقى إلى ظاهرة اجتماعية، ومن ثم يجب أن تثير القلق فعلا؟ ثم ما الحلول المقترحة لتفادي ذلك؟
اختطاف.. أم مجرد اختفاء؟
في حديثه لـ”مرايانا”، يرى عبد العالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة، أن “حالات اختطاف الأطفال في المغرب، حالات معزولة معدودة على رؤوس الأصابع ولا تدعو إلى الريبة، لكونها حالات اختفاء في المقام الأول، ولا يوجد مصدر لإثبات كونها اختطاف، إلا المديرية العامة للأمن الوطني التي يمكن أن تكشف عن أرقام بالخصوص، إذا كانت متوفرة”.
ويؤكد الرامي أن أكثر الأهالي يقولون إن أطفالهم “قد تعرضوا للاختطاف؛ لكنه فيما بعد، يتبين أن مشاكل أو صراعات عائلية تسببت في هروبهم من الوسط الأسري، إلى أحد الأقارب أو إلى الشارع، كما حدث في حالة وقعت بالرباط مؤخرا، أحاطتها عائلة طفل مختف بهالة، ثم وجدنا أن صراعا بين أسرته تسبب في ذلك”.
الفاعل الجمعوي أوضح أن “لكل حالة خصوصيتها، وأسبابها ومسبباتها، فحالات الاختطاف في المستشفيات، مثلا، غالبا ما تنجم عن أسر لا أبناء لها فترغب في واحد بهذه الطريقة؛ ثم هناك حالة وقعت مؤخرا في طنجة، اختطف فيها طفل لاستغلال أعضائه، فيما يتم العثور على آخرين في المناطق الحدودية يبحثون عن الهجرة إلى أوروبا”.
شكري: “في الغرب، عملية التبني ثقافة سائدة؛ بل إن الدولة تأخذ الابن من أسرته إن عجزت عن القيام بدورها في التنشئة والرعاية. هذه الممارسة في المغرب صعبة جدا. صعب أن تجد ابنا أو ابنة للتبني”.
بالمقابل، يعتبر عبد الجبار شكري، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، في حديثه لـ”مرايانا” أن اختطاف الأطفال ظاهرة تدخل في نطاق ظاهرة السرقة بشكل عام، وأن هذه الجرائم تقوم بها عصابات، تضم الممرضات وقابلات الولادة، باتفاق مع وسيط يتصل به الراغبون في طفل، كل ذلك يتم بشكل سري كأي ظاهرة طابو في المجتمع”.
اقرأ أيضا: شباب مغاربة ضد الخدمة العسكرية الإجبارية
التبني، المتاجرة بالأعضاء… أسباب من بين أخرى!
الباحث في علم الاجتماع، عبد الجبار شكري، يرى أن لاختطاف أو سرقة الأطفال عوامل كثيرة، أبرزها “الصعوبات المتعلقة بتبني الأطفال في المغرب على مستوى الاجراءات القانونية؛ فقليل من النساء، كالأمهات العازبات مثلا، من يمنحن أطفالهن في المغرب”.
“في الغرب، عملية التبني ثقافة سائدة؛ بل إن الدولة تأخذ الابن من أسرته إن عجزت الأخيرة عن القيام بدورها في التنشئة والرعاية. هذه الممارسة في المغرب صعبة جدا. صعب أن تجد ابنا أو ابنة للتبني؛ وطالما يوجد هذا المشكل، فالطريق الوحيد الذي يتبقى أمام كثيرين، هو سرقة الأطفال”، يضيف ذات المتحدث، في محاولة لتفسير الظاهرة طبعا وليس لتبريرها.
الرامي: “إهمال الأبناء يجعلهم يعتقدون أنهم غير مرغوب فيهم فيبحثون عن حلول خارج الأسرة، ويجب أن نؤسس لملء وقت فراغ الأطفال ذلك أنه يؤدي إلى أمور سلبية”.
السوسيولوجي المغربي يضيف أن هناك عوامل أخرى، إضافة إلى التبني كعامل غالب، وهي سرقة الأطفال قصد بيع أعضائهم لمنظمات دولية، ثم سرقة أطفال يصلحون للتسول، وأيضا هناك سرقة الأطفال “الزوهريون” الذين يستخدمونهم في إخراج الكنوز، وهي ظاهرة لن تنتهي إلا بانتهاء الإيمان بالشعوذة، على حد تعبيره.
اقرأ أيضا: الفرنسية والإنجليزية في التعليم المغربي: هيمنة اللغة.. لغة الهيمنة؟
على عاتق من تقع مسؤولية إيجاد الحلول؟
أصبحت الحياة ووتيرتها صعبة، وفي الغالب نجد الزوج والزوجة يوجدان خارج البيت يبحثان عن لقمة العيش. جل وقت الأسرة يقضونه على الفضاءات التواصلية الافتراضية، فيما يغيب أي وقت للحوار الداخلي، يقول عبد العالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة، لـ”مرايانا”.
مقابل ذلك، يضيف ذات المتحدث أنه يجب أن “نؤسس لملء وقت فراغ الأطفال، بتسجيل الأسر لأبنائها في النوادي الرياضية ودور الشباب، فوقت الفراغ يؤدي إلى مجموعة من الأمور السلبية” مؤكدا أن “إهمال الأبناء، يؤدي بهم إلى الاعتقاد بأنهم غير مرغوب فيهم، فيبحثون بذلك عن حلول خارج الأسرة”.
في ذات السياق، يشدد عبد الجبار شكري، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، لـ”مرايانا”، على أن “بعض الأسر لا تحف أبناءها بأي حماية، مطلقا؛ إذ نجد في كل الأحياء المغربية، أطفالا يلعبون حتى وقت متأخر من الليل، ذكورا وإناثا”، فأين آباء هؤلاء؟ يضيف ذات المتحدث، مؤكدا أن حالات سرقة الأطفال تتم في الغالب “أثناء غياب مراقبة الاسرة”.
ثم إنه، وفق شكري، يجب أن تنتشر دوريات الشرطة في جميع المناطق، حتى يعم الأمن؛ إذ أن أي منطقة تكون فيها حركية شرطة، لا تتم فيها السرقة، على عكس الأماكن التي تغيب فيها أي سلطة أمنية.
أما فيما يتعلق بحالات السرقة التي تقع في المستشفيات، فيعتبر شكري أنها “مشكل مؤسسي بدرجة أولى، وطالما أن هذه الظاهرة خفية ومرتبطة بأشخاص منحرفين، فالعلاج يقوم على الأشخاص الظاهرين”.
المقصود بالبنية المؤسسية هو المستشفيات، وفق أستاذ علم الاجتماع، الذي يرى أنه يجب أن تكون هناك “مراقبة صارمة على الجهاز الذي يشرف على ولادة الأطفال”.
“لا يحضر المشكل عند الفاعلين فقط، إنما عند المتلقي أيضا؛ فكيف أذهب إلى المستشفى قصد الولادة ولا أضمن أن وليدي لن يكون محميا؟ الطاقم الطبي كله، يجب أن يكون مسؤولا في هذه الحالة”، يخلص شكري، متحدثا في الموضوع، لـ”مرايانا”.