سناء العاجي: 88٪… ولنفترض!
“البرلمان الأسترالي يصوت لصالح قانون جديد يمنع الصيام في رمضان؛ لأن نسبة المسلمين هناك لا تتعدى 2،2٪ ولأنه يجب احترام شعور الأغلبية غير المسلمة. اتخذ هذا القرار بعد نقاش طويل …
“البرلمان الأسترالي يصوت لصالح قانون جديد يمنع الصيام في رمضان؛ لأن نسبة المسلمين هناك لا تتعدى 2،2٪ ولأنه يجب احترام شعور الأغلبية غير المسلمة.
اتخذ هذا القرار بعد نقاش طويل وتصويت تم في دورين، اعتبرت فيه المعارضة أن قوانين الدولة الأسترالية يجب أن تحترم مشاعر الأغلبية ومعتقداتها.”
تقرأ هذا الخبر في جرائد الصباح فينتابك شعور كبير بالغضب. على أي أساس تُمنع فئة معينة من ممارسة معتقداتها، لمجرد أنها أقلية؟ ألا تعني الديمقراطية أن يستطيع الجميعُ التعايشَ رغم اختلافهم، مادام هذا الاختلاف لا يؤذي الآخرين؟
بمعنى أنه، ما لم يمنع أداء الشعائر الدينية للمسلمين باقي المواطنين الأستراليين من ممارسة حياتهم بشكل عادي، ففيمَ يؤذيهم أن يمارس المسلمون شعائرهم بحرية؟ أليس في الأمر تعدًّ على حرية مسلمي أستراليا، حتى وهم أقلية؟
هناك دائما فرق كبير بين الممارسات والمعتقدات من جهة، وبين الخطاب الذي يقدمه الأفراد حول نفس تلك الممارسات من جهة أخرى
في الحقيقة… الخبر غير صحيح. لكننا نحتاج لفبركته لكي نشرح مرة أخرى بعض البديهيات التي لا يدركها المتشعبون في بحور السياسة والتحليل الفايسبوكي… بل وحتى بعض القياديين في الحزب المسير للحكومة… بوليف نموذجا!
اقرأ أيضا: هل هي نهاية “فحص العذرية”؟ أطباء مغاربة يمتنعون عن منح شهادة العذرية ويدعون إلى مقاطعتها
بديهيات من قبيل أن الديمقراطية، لا تعني تحكم الأغلبية… بديهيات من قبيل أن الديمقراطية هي في الأصل… في معناها الأول والأخير… مرادف أصيل للتدبير السلمي للاختلاف… ولحقّ الأقليات في ممارسة معتقداتها واختلافها.
وإلا، ففي استراليا والهند وكندا… لا يجب أن نحتج على قمع الاختيارات العقائدية والشخصية للمسلمين أو للمغاربة…. باعتبارهم أقلية. أم أننا نؤمن بالديمقراطية عند الآخرين، وبتعسف الأغلبية عندنا؟
إلغاء تجريم عدم الصيام لن يجبر المؤمن الحقيقي على عدم الصيام. سيكون له حق الصيام وسيكون لغيره حق عدم الصيام. إلغاء تجريم المثلية لن يجبر غير المثلي على الممارسات الجنسية المثلية. إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية لن يجبر على الممارسة الجنسية قبل الزواج شخصا لا يرغب فيها خارج إطارها الشرعي. إلغاء تجريم الإجهاض لن يجبر النساء على علاقات جنسية تؤدي لحمل غير مرغوب فيه. إلغاء تجريم شرب الكحول لن يرغم أحدا على شربه.
مناسبة هذا الكلام هي نسبة الـ88٪ من المغاربة الذين لا يتفقون مع العلاقات الجنسية الرضائية خارج الزواج.
دعونا نأخذ هذه النسبة كمعطى فعلي ونمتنع، اختياريا، عن مناقشة المنهج العلمي وصياغة السؤال وما إلى ذلك من تفاصيل تخص البحث نفسه.
دعونا نتوقف عند معطى بديهي آخر يعرفه كل من يشتغل على مواضيع من قبيل الجنسانية والحريات الدينية وغيرها من المواضيع التي يعتبرها الكثيرون “حساسة” أو “طابو”: هناك دائما فرق كبير بين الممارسات والمعتقدات من جهة، وبين الخطاب الذي يقدمه الأفراد حول نفس تلك الممارسات من جهة أخرى. ما يسمى في أبجديات البحث بـ (la sous-déclaration). بمعنى الإفصاح عن معطيات تتعلق بممارسات واختيارات الأفراد بشكل أقل بكثير مما هي عليه في الواقع، حين يتعلق الأمر بمواضيع يعتبرها الشخص المستجوَب محرجة أو أنها تمثل اعترافا منه بعدم احترامه للمتعارف عليه.
اقرأ أيضا: عذرية المرأة… حين يصبح “العار” بالزواج شرفا!
مثلا، في معظم الدراسات التي أجريت في كندا عن الممارسة الجنسية الفردية (la masturbation)، انتبه الباحثون لكون النساء يصرحن بها بشكل أقل بكثير من الرجال. الاستنتاج الاختزالي الذي يمكن تقديمه هنا، هو أن النساء الكنديات يقمن بالممارسة الجنسية الفردية أقل من الرجال؛ وهذا خطأ في قراءة المعطيات. في الحقيقة، فإن الرجال يصرحون دون حرج بهذه الممارسة الفردية، حتى لو كانوا على علاقة بامرأة (زوجة أو صديقة)، لأنها شهادة فحولة بالنسبة لهم (بمعنى وجود رغبة جنسية أكثر مما قد تشبعه الممارسة الجنسية مع الزوجة أو الصديقة)[1]. بالمقابل، فإن النساء يتحرجن من التصريح بالممارسة الجنسية الفردية لأنها، بالنسبة لهن، دليل فشل عاطفي وعدم وجود رجل في حياتهن يشبع رغبتهن الجنسية عبر الممارسة المشتركة.
المغالطة التي يروج لها الكثيرون أن إلغاء التجريم سيشجع الفساد. بينما الحقيقة أن لا أحد سيجبر المنتمين لـ 88٪، على ممارسة علاقات جنسية رضائية خارج الزواج (سنقنع أنفسنا أنهم يرفضونها فعليا).
في دراسة أخرى أنجزتها جريدة ليكونوميست في المغرب رفقة نفس مركز الدراسات سنة 2011، يتبين أن 31٪ من الفتيات صرحن أنهن أقمن علاقتهن الجنسية الأولى مع صديقهن، مقابل 66٪ من الشباب. فهل يعني هذا أن 31٪ من المستجوبات أقمن علاقات جنسية مع 66٪ من المستجوبين؟ لا… هي بكل بساطة ظاهرة التصريح الناقص (أو التصريح بالنفي) من طرف المستجوبين (وخصوصا النساء) بما يعتبرونه محرجا بالنسبة لهم\لهن.
اقرأ أيضا: أسماء بلعربي تكتب: أنا حرة وخارجة على القانون
الآن، لنضع جانبا موضوع الفارق بين الممارسات والتصريح بالممارسات؛ ولنأخذ المعطى المقدم من طرف جريدة ليكونوميست ومركز الدراسات سينيرجيا كما هو، ونسلم به كما لو أنه معطى علمي ثابت: 88٪ من المغاربة يرفضون العلاقات الجنسية خارج الزواج. الآن، لنربط هذا المعطى بالخبر الأسترالي المفبرك أعلاه… ولننتبه لكوننا، في الحقيقة، لا نطالب بالديمقراطية والحق في الاختلاف، إلا حين تكون أغلبيتنا هنا… أقليةً هناك!
خلاصة القول والفهم والشرح أنه، حتى لو كان الرقم صحيحا، حتى لو لم يشب أي خلل منهجيةَ البحث وصياغة السؤال، حتى لو لم نأخذ بعين الاعتبار فارق الممارسات والتصريح… ألا يحق لهؤلاء الـ 12٪ أن يمارسوا حياتهم بحرية، مادام هؤلاء الـ 88٪ المتبقون لن يكونوا مجبرين على علاقات جنسية يرفضونها؟
المغالطة التي يروج لها الكثيرون أن إلغاء التجريم سيشجع الفساد. بينما الحقيقة أن لا أحد سيجبر المنتمين لـ 88٪، على ممارسة علاقات جنسية رضائية خارج الزواج (سنقنع أنفسنا أنهم يرفضونها فعليا).
سيكون لفعل الصيام والامتناع عن الجنس خارج الزواج والامتناع عن استهلاك الكحول قيمة فعلية نابعة عن اختيار حقيقي… وليس عن الخوف!
لنكرر خلف بعضنا البعض، حتى نفهم الدرس جيدا: إلغاء تجريم عدم الصيام لن يجبر المؤمن الحقيقي على عدم الصيام. سيكون له حق الصيام وسيكون لغيره حق عدم الصيام. إلغاء تجريم المثلية لن يجبر غير المثلي على الممارسات الجنسية المثلية. إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية لن يجبر على الممارسة الجنسية قبل الزواج شخصا لا يرغب فيها خارج إطارها الشرعي. إلغاء تجريم الإجهاض لن يجبر النساء على علاقات جنسية تؤدي لحمل غير مرغوب فيه. إلغاء تجريم شرب الكحول لن يرغم أحدا على شربه.
لكن كل هذا سيمكن فئة عريضة من المصرحين وغير المصرحين بممارساتهم وقناعاتهم، بأن تتحمل مسؤولية سلوكياتها واختياراتها. بأن لا تُعَامَل كقاصر. كما أنه سيعطي قيمة أكبر لاختيارات الممتنعين. سيكون لفعل الصيام والامتناع عن الجنس خارج الزواج والامتناع عن استهلاك الكحول قيمة فعلية نابعة عن اختيار حقيقي… وليس عن الخوف!
وفي الحقيقة… في العمق… هذه هي الديمقراطية. مادونها، فنحن لا نختلف كثيرا عن واقع الخبر الأسترالي المفبرك أعلاه. إنه يعكس صورتنا الحقيقة في مرايا الإزدواج والانفصام.
[1] الحديث هنا عن العلاقات الجنسية غير المثلية
سلام سناء
نجن نعيش في ازدواجية و نفاق
و ما كلامك الى دليل على ما اقول
أتفق 100% مع كاتبة المقال. استغرب رفضنا النظر بعمق الى جوهر الاشياء ومطالعة وجوهنا على مرآة صقيلة تكشف عيوبنا وازدواجيتنا وتناقضنا الواضح وازدواجية المعايير التي نعتمدها لتمرير او تبرير او تدبير قضايانا . لن تجدي نفعا التوضيحات بالتفكيك والعد لا بالخشيبات ولا بالاقراص أمام عقل يتهيب أصلا أن يعمل ويتريض ويبحث ويقيم ويقوم…جهل وكسل وما خفي أعظم.
شكرا لمرايانا وتحية لقلمك الحر أستاذة سناء.
ليس بجديد ما يحمله هذا المقال هي فقط أفكار قيلت وتقال منذ القدم، وذلك لأن المنهج الفوضاوي أو الطبيعة هو موجود قبل مجيئ الإسلام وطبعا ما هي إلا ارتداد لذلك الفكر…. ويعني ذلك أن يحتكم في حياته إلى الطبيعة والحرية وووو… وكل شيئ مطلق.
وأعتقد. أن هذه مسألة ينبغي الوقوف عندها وأعتقد أنا كإنسان مسلم لن يضرني هذا المقال وسياقه شيئا لسبب بسيط هو قناعتي عقلانية… لكن الغير العقلاني هو توصيف الأمور بعيدا عن العقل، ولعل هذا النقاش فيه كذلك نوع من التركيب غير المنطقي ومثالهإعطاء أحكام عامة على الإسلام إطلاقا من تصرفات أقلية من المسلمين والذين يقر الإسلام لهم بأنهم مسلمون ومؤمنون لكن عاصون… وهو السؤال الذي كان سببا في ظهور فرقة المعتزلة….. لكن النفاق الحقيقي هو الحكم على الإسلام إنطلاقا من تصرفات الأفراد في وقت يدافع هذا الإتجاه عن حقوق الأقلية…. بل يستميت في الدفاع عنها حد التقديس…..عموما أنا كمسلم أقول لكم علمني ديني حسن الحوار وأن أحترم فكركم واعتقادكم لذلك تقبلوا مني كامل الإحترام.
تحياتي