#ألف_حكاية_وحكاية: أبي قتلني…
كانت زبيدة تكرر أنها مشروخة من الداخل. ثقتها في نفسها مهتزة واعتزازها بنفسها منعدم. كيف تقوي ثقتها في بيت تضرب فيه أمها؟
كنت أزورهم في ميدلت في بيت قديم ومتسخ. كانوا أربعة إخوة وبنتين. كانت البنت الصغرى تدرس معي رغم أنها كانت تكبرني في السن. أخبرتني أنها رسبت مرات عديدة.
نصل بيتها وتستقبلنا أمها بملابس رثة وبصوت منخفض.
كنت ألاحظ كدمات على وجهها ويديها. لم أكن أسأل، إلى أن أتى يوم ذهبت عند زبيدة ووجدت أباها يضرب أمها وهي تصرخ، لكنه لا يتوقف.
ماذا كان يمكن أن تنتظر حين يتم تلجيم الأم واحتقارها اليومي وحين يكون الأب المعلم هو الجلاد؟
كانت زبيدة تبكي وتقول إن منظر الضرب هذا اعتيادي. أبوها يكره أمها ويقول إنها أثقلته بالأطفال لكي لا يطلقها أو ينظر إلى أخرى.
كان يمنعها من كل شيء، حتى من تربية أبنائها. يردد أمامهم أنها لا تصلح إلا للغسيل وتحضير الطعام.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: مجوهرات حكيمة وواجب الزوجية
كانت أمية لم تدرس، وكان هو موظفا. نشأت زبيدة وهي ترى تلك المشاهد.
احتقرت أمها التي لا تريد الخروج من تلك الوضعية واحتقرت أباها الذي لا يفهم من التواصل غير الضرب.
لم تكن لزبيدة قدوة في الحياة، فخالاتها صاحبات فضائح، منهن من هربت من بيت والديها ومنهن من أنجبت دون زواج. لا تقرأ الكتب لكي تؤسس لها قيما وقدوة من خلال العلماء والأدباء والناجحين.
لن أراها بعد اليوم، فالذاهبات إلى سيدي عدي لا تعدن أبدا.
كانت زبيدة تكرر أنها مشروخة من الداخل. ثقتها في نفسها مهتزة واعتزازها بنفسها منعدم. كيف تقوي ثقتها في بيت تضرب فيه أمها؟
لم تكن تحب الدراسة. كيف تحب الدراسة في مثل جو بيتها العكر؟
في مراهقتها، تعلقت بالمغنين والممثلين والممثلات. تمنت أن تكون مثلهم. أن تعبر عن نفسها. غرقت في إعجابها بالممثلين وتخيلت أنها هي أيضا يمكن أن تمثل. لكن، كيف السبيل إلى ذلك في ميدلت ؟
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: كعب عالي
كنت أعرف أنها ضعيفة الشخصية ومشروخة بسبب حالتها الأسرية. أين تذهب ياترى لتعيش حياتها كالآخرين ؟
كنا في السنة الثانية إعدادي، وكنت أنصحها بالقراءة. أقول لها إن القراءة ستمكنها من الهرب من واقعها، أن تدخل عالم الخيال وتلتقي شخوصا آخرين. أنماطا من أسر مترابطة وفيها للأم مكانة حقيقية والآباء فيها لا يضربون.
كانت زبيدة تكرر أنها مشروخة من الداخل. ثقتها في نفسها مهتزة واعتزازها بنفسها منعدم. كيف تقوي ثقتها في بيت تضرب فيه أمها؟
لم تكن تسمعني. كانت تظل باكية وهي تقول إنها هي أيضا حلمت بأسرة سوية تكون فيها أمها سيدة بيت أنيق ويحترمها فيها أبوها.
لقسوة الأب، صارت الأم قاسية على زبيدة وإخوتها. إخوانها جربوا السجائر وربما كوارث أخرى. إثنان منهم غادرا المدرسة بعد التعليم الابتدائي. زبيدة كافحت ووصلت إلى المستوى الإعدادي. لكن إلى أي مدى ستصبر وتركز في أسرة الشؤم تلك؟
مرت سنة الدراسة ونجحت زبيدة بمعدل ضعيف. اختفت خلال العطلة الصيفية. سألت عنها من يعرفها فقالوا إنهم لا يعرفون إلى أين ذهبت؛ إلى أن التقيت حليمة النمامة فأخبرتني أن زبيدة ضاعت وهربت إلى سيدي عدي حيث الماخور. أحد الجيران رآها هناك جالسة أمام إحدى الدور وهي تنادي على الرجال.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الشيخ “لـ” والحريم: دعارة حلال؟
حزنت لأمر زبيدة، فقد كان يمكن أن تتشبت بالدراسة. أن تصير معلمة أو ممرضة… لكن جو أسرتها كان مدمرا.
ماذا كان يمكن أن تنتظر حين يتم تلجيم الأم واحتقارها اليومي وحين يكون الأب المعلم هو الجلاد؟
يا لوعتي على زبيدة وعلى صداقتنا الجميلة! لن أراها بعد اليوم، فالذاهبات إلى سيدي عدي لا تعدن أبدا. وبالفعل، لم تعد زبيدة. انتظرت شهرا، شهرين، سنة… ولم أرَ لها أثرا. غرقت في الدعارة والكحول والمخدرات ولا شيء سيذكرها بالهنا.
ماذا بقي لها هنا غير أسرة مدمرة مخربة بسبب أب جاهل يجب سحب ديبلوم التعليم منه؟
كنت ولا أزال أفكر بصديقتي زبيدة وألعن الفكر العبودي الرجولي الذي يشتت الأسر ويدفع ببنات بريئات عند صاحبات الرايات الحمراء.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: سنطرد المومسات…