السلطة وإعدام الكتب في التاريخ الإسلامي… حكايات مروعة 3/2
في هذا الجزء نتابع بعضا من أبرز ما دونه أهل الأخبار عن حكاية إعدام الكتب في التاريخ الإسلامي.
كانت العرب، كما تابعنا في الجزء الأول، على عداوة بالغة مع الكتابة…
على أن المكتوب في صدر الإسلام، إن كان قد ووجه بخشية أن “يأتي على الناس زمان تكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغباره لا ينظر فيه”، كما ينسب إلى الضحاك[1]، إلا أنه فيما بعد تبين أن الأسباب أكثر من أن تحصى فيما يتعلق بإعدام الكتب.
منها الشرعي، ومنها السياسي وكثير آخر… في هذا الجزء; نتابع بعضا من أبرز ما دونه أهل الأخبار عن حكاية إعدام الكتب في التاريخ الإسلامي.
الخليفة المهدي وكتب “الزنادقة”…
يذكر الطبري في تاريخه، أن الخليفة العباسي، المهدي، سلك في سفرة له عام 163 هـ طريق الموصل، فلما انتهى إلى حلب، أتته البشرى بمقتل المقنع (رجل خرج عنه بخرسان)، فأمر بجلب من في ناحيته من الزنادقة.
ضرب الرازي بكتاب صنفه في الكيمياء على رأسه، حد أن تقطع… وكان ذلك الضرب، سبب نزول الماء في عينيه وعماه.
أوتي المهدي بهم وهو في دابق (قرية سورية)، فقتل جماعة منهم وصلبهم… ثم أتى بكتب من كتبهم وقطعوها بالسكاكين.
المهدي، بالمناسبة، اشتهر بقسوته على “الزنادقة” حد أنه استحدث منصبا يدعى “صاحب الزنادقة”، تقوم مهمته على تتبعهم وامتحانهم.
الرازي وحكاية ضربه بكتابه حتى يتقطع…
أبو بكر الرازي، واحد من أعظم أطباء الإنسانية. انتهت حياته أعمى، ويذكر أهل الأخبار أن سبب عماه، تصنيفه كتابا في الكيمياء للملك منصور بن نوح (أحد ملوك الدولة السامانية[2])، فأعجبه ومنحه ألف دينار، ثم قال له: أريد أن تخرج من القول إلى الفعل.
اقرأ أيضا: الشعر ديوان العرب في الزندقة أيضا… قبل أن يطاله مقص رواة الأخبار! 2/1
قال له الرازي إن ذلك يحتاج إلى مؤن وآلات وعقاقير صحية، وإحكام صنعة. رد عليه الملك: كل ما تريد أحضره إليك وأمدك به. لكن الرازي أبى مباشرة ذلك.
“ويكثر الحط على ابن عربي وغيره من متصوفي الفلسفة، وبولغ في ذلك حتى صار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن عربي، وربط مرة كتاب الفصوص في ذنب كلب…”.
حينها، قال له الملك: ما اعتقدت أن حكيما يرضى بتخليد الكذب في كتب ينسبها إلى الحكمة، يشغل بها قلوب الناس ويسبهم فيما لا فائدة فيه، والألف دينار لك صلة، ولا بد من عقوبتك على تخليد الكذب في الكتب”.
وأمر الملك منصور بأن يضرب بذلك الكتاب الذي كتبه على رأسه، إلى أن يتقطع… وكان ذلك الضرب، سبب نزول الماء في عينيه وعماه.
ربط كتاب ابن عربي في ذنب كلب…
يقول ابن الوردي في “تتمة المختصر من أخبار البشر”، عن عام 744 هـ:
“وفيها مزقنا كتاب فصوص الحكم بمدرسة العصرونية بحلب، عقب الدرس، وغسلناه، وهو من تصانيف ابن عربي تبنيها على تحريم قينته ومطالعته…”.
ويؤكد ذلك ابن حجر العسقلاني في “أنباء الغمر بأبناء العمر”، حيث يقول: “ويكثر الحط على ابن عربي وغيره من متصوفي الفلسفة، وبولغ في ذلك حتى صار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن عربي، وربط مرة كتاب الفصوص في ذنب كلب…”.
الغزالي ومحاربة كتبه في المغرب…
توفي سلطان المغرب علي بن يوسف بن تاشفين، عام 537 هـ، ويقول اليافعي في “مرآة الجنان وعبرة اليقضان”، في ترجمته للسلطان إنه كان “يرجع إلى عدل ودين وتعبد وحسن طوية وشدة إيثار لأهل العلم وتعظيم لهم، وهو الذي أمر بإحراق كتب الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي…”.
“أحرق الحاجب المنصور ما كان في خزائن الحكم من كتب الدهرية والفلاسفة، بمحضر كبار العلماء، منهم الأصيلي وابن ذكوان والزبيدي وغيرهم، واستولى على حرق جميعها بيده”.
الغزالي في الحقيقة جاءت بعض كتبه الأولى تكفيرية، مثل “فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية” و”الاقتصاد في الاعتقاد”، لذلك يبدو أنها لم تسلم أيضا من أبي الفضل القاضي عياض، وفق ما يورده ابن العماد في “شذرات الذهب”.
اقرأ أيضا: عن الغزالي وابن رشد: مشاهد من جريمة اغتيال
جاء هناك أن القاضي عياض كان “إمام وقته في علوم شتى مفرطا في الذكاء وله شعر حسن… وبالجملة فإنه كان عديم النظير، حسنة من حسنات الأيام، شديد التعصب للسنة والتمسك بها، حتى إنه أمر بإحراق كتب الغزالي لأمر توهمه منها…”.
قتل ابن الأبار وإحراقه وكتبه…
ذكر المقري في “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” أن ابن الأبار، وقد كان من أبرز الأدباء والمؤرخين يومها في الأندلس، رفعه السلطان المستنصر لما توفي الذي قبله، إلى حضور مجلسه.
لكن حصلت له أمور مع السلطان كان آخرها أنه قبض عليه، وبعث إلى داره فرفعت إليه كتبه أجمع ووجدوا فيها فيما زعموا رقعة بأبيات أولها:
طغى بتونس خلف … سموه ظلما خليفه
حينذاك، استشاط السلطان لها غضبا، وأمر بامتحانه، ثم بقتله…
اقرأ أيضا: الإلحاد في تاريخ الإسلام: حين استنفدت الروح العربية قواها الدينية! (الجزء الأول)
قتل ابن الأبار ضربا بالرماح عام 658 هـ، ثم أحرقت أشلاؤه، وسيقت مجلدات كتبه وأوراق سماعه ودواوينه فأحرقت معه.
الحاجب المنصور وشهوة النار…
استجابة لرغبة الفقهاء وتحببا إلى العوام، يقول صاعد الأندلسي في “طبقات الأمم”، أقدم الحاجب المنصور بن أبي عامر في عهد هشام المؤيد بالله بالأندلس، عام 366 هـ، على حرق وطمر الكثير من الكتب.
ووجه المكتوب في صدر الإسلام، كما يُنسب إلى الضحاك، بخشية أن “يأتي على الناس زمان تكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغباره لا ينظر فيه”، إلا أنه فيما بعد تبين أن الأسباب أكثر من أن تحصى فيما يتعلق بإعدام الكتب.
ويذكر ابن عذارى المراكشي في “البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب” أن “المنصور كان أشد الناس في التغير على من علم عنده شيء من الفلسفة والجدل في الاعتقاد، والتكلم في شيء من قضايا النجوم وأدلتها، والاستخفاف بأمور الشريعة”.
اقرأ أيضا: التاريخ الإسلامي لإسبانيا… من حضارة غير مسبوقة إلى محنة الدم والدين والطرد 1\10
المراكشي يضيف أن المنصور “أحرق ما كان في خزائن الحكم من كتب الدهرية والفلاسفة، بمحضر كبار العلماء، منهم الأصيلي وابن ذكوان والزبيدي وغيرهم، واستولى على حرق جميعها بيده”.
في الجزء الثالث، نتابع حكايات مثيرة لشخصيات فضلت في الأخير إطعام كتبها للنار.
لقراءة الجزء الأول: إتلاف الكتب في صدر الإسلام… هذه حكاية نبذ العرب للكتابة 3/1
لقراءة الجزء الثالث: إعدام الكتب في التاريخ الإسلامي… حكايات مثيرة لشخصيات فضلت في الأخير إطعام كتبها للنار 3/3