محمد علي لعموري: تساؤلات من وحي التضامن الإنساني
ألم يكف أن قوارب الموت تحصد كل سنة زهور شبيبتنا وسط البحر… ليصبح لدينا داخل الوطن، قوارب نجاة من موت تسببت فيه عبثية التسيير داخل المدينة الكبرى، وليصبح ذاك المواطن البسيط الفقير الذي يسكن في حي فقير وفي بيت متواضع… هو الضحية رقم 1 ضمن معادلة قانونية غير مفعلة بشكل حازم هي “ربط المسؤولية بالمحاسبة”؟.
يحز في نفسي حد الألم الممزوج بالخجل، أن أجلس في بيتي مغطى دافئا أشاهد التلفاز وأتابع ما يجري من أحداث من هاتفي الذكي، ثم تستوقفني مشاهد الكوارث التي تعرضت لها أسر هجمت عليها مياه الأمطار فأفسدت أفرشتها وأغطيتها، وأخرى سقطت بناياتها المهترئة. هناك من قضى تحت الأنقاض وهناك من تشرد وأصبح بدون مأوى !…
في بلدنا هذا… الذي نحبه ونأمل أن يرتقي إلى مصاف البلاد المتحضرة حكومة وشعبا ومنتخبين، والذي يجر ذيول العار مما تسببت فيه سياسات فاشلة، أقواها ما أفصح عنه عاهل البلاد حين أقر بفشل النموذج التنموي الذي نهجته الدولة سابقا للحد من الفقر ومن الهشاشة، وجعل الهوة بين طبقة فاحشة الثراء وبين طبقة عريضة من المسحوقين والمعذبين في الأرض تبدو – على الأقل – غير سحيقة، لأن التنزيل كان معيبا وفيه من الخروقات والتلاعبات ما يستحق زج كل مسؤول عن تنزيله ولم يفلح السجن..
تعود نكبة الشعب؛ الحلقة الضعيفة في منظور الساسة ومنظور الأثرياء ومنظور السلطة كذلك؛ لترخي بظلالها على المشهد الاجتماعي إثر ما تسببت فيه العواصف والأمطار من كوارث أبانت عن عيوب مخجلة، كانت مغطاة بشعارات مثل “الدار البيضاء العاصمة الإقتصادية”، “الدار البيضاء المدينة الذكية”… فاتضح أن الذكاء الوحيد الذي كان لدى بعض مسيريها، هو أن يعرفوا كيف ينهبون وكيف يغشون وكيف يدارون عيوب التسيير والتجهيز والبناء…إلخ.
أليس من الخجل أن تصبح شوارع مدينة مشهورة باسمها تاريخيا؛ المدينة التي حوت ذات تاريخ مضى مؤتمر أنفا الذي حضره روزفلت وتشرشل ومحمد الخامس، والتي تعد القلب النابض للاقتصاد المغربي بشركاتها ومعاملها ومصانعها ومينائها؛ (أن تصبح) عبارة عن مسابح تحتاج إلى قوارب للنجاة؟
ألم يكف أن قوارب الموت تحصد كل سنة زهور شبيبتنا وسط البحر، ومنهم من يعانق الموت أملا في الحياة، وحين ينجو… يصبح صوتا صداحا يقف جنب مغاربة الخارج للدفاع عن قضايا الوطن، ثم تصبح لدينا داخل الوطن… قوارب نجاة من موت تسببت فيه عبثية التسيير داخل المدينة الكبرى، ليصبح ذاك المواطن البسيط الفقير الذي يسكن في حي فقير وفي بيت متواضع… هو الضحية رقم 1 ضمن معادلة قانونية غير مفعلة بشكل حازم هي “ربط المسؤولية بالمحاسبة”؟.
بعيدا عن نقد السياسة والمسؤولين، وقريبا من معاناة أطفال الشوارع وفقرائه المنبوذين والمتروكين للقدر ولقسوة الطبيعة تعبث بهم كما تشاء، أليس عارا علينا جميعا أن نمر مساء لنرى شيخا مسنا وطفلا قاصرا يلتحفان السماء ويفترشان الأرض وقد تيبست أعضاء جسميهما وتكلست وفقدت كل شعور بالدفء… والناس تمر عليهما وقد اعتادوا تلك المشاهد ولم تعد تعني لهم شيئا؟
هل فقدنا الإحساس بالكامل؟ أم قست قلوبنا التي أصبحت معولمة أكثر من تجار العولمة نفسها؟
أين الجمعيات ذات النفع العام التي تهتم بالطفولة وبالشيخوخة لتبحث وتشتغل، لتجمع هؤلاء المعذبين في الأرض من الأزقة والشوارع وتخصص لهم مأوى لإنقاذهم من موت محقق ومن أمراض مزمنة؟
لماذا لا نتجند كما تجندنا ضد وباء كورونا من أجل الحد من هذه الظواهر التي تسيء لنا كدولة عريقة وكشعب عريق وأبي وكتاريخ وكثقافة…؟
أمن الإنسانية ألا تتحرك الضمائر الحية التي بقيت في هذا الوطن لتقوم بواجب إنساني تجاه أبناء جلدتها؟
نعلم أن الدولة وحدها غير قادرة على حل هذه المعضلة المتفاقمة، بسبب تزايد عدد أطفال الشوارع كل عام بسبب فشل العديد من الأمثلة داخل مؤسسة الزواج، ينتج عنه تشرد الأطفال في الشوارع، ونعلم كذلك أن جمعيات المجتمع المدني؛ على كثرتها؛ عاجزة عن فك لغز هذه الأحجية، ونعلم أيضا أن أفراد المجتمع من جهتهم، وبسبب غياب الوعي لدى فئة عريضة منهم، يساهمون في مفاقمة الوضع، لغياب النضج الفكري والثقافي القمين بجعل خطوات العيش وما يترتب عليها من مسؤوليات وواجبات قبل الإقبال عليها، تدخل ضمن مخططات المستقبل، وإلا وقعنا في المحظور وسقطنا في مطبات الهشاشة الاجتماعية.
للفقراء على الأغنياء كذلك حق، وللوطن وللدولة حق كذلك يجعل أثرياء البلد مسؤولين عن جعل هذا الوطن سعيدا ينعم فيه الجميع بالكرامة، إذا تضافرت جهود الجميع من فقراء وأثرياء ودولة وحكومة ومجتمع مدني للحد من صقيع الفقر ومن عوامل الهشاشة التي تنغص على الوطن فرحته عند كل احتفال بعيد أو انتصار سياسي أو صفقة رابحة سياسيا واقتصاديا.
اقرأ أيضا:
. سكان العالم القروي في زمن كوفيد 19… حياتنا عبء على السياسي
. في غياب حلول بنيوية… يصبح موسم الثلج كابوسا سنويا لبعض المواطنين في المغرب! 1\2
. الثلوج في المغرب: كابوس للمواطنين وحلول ترقيعية من الدولة 2/2
. هشام روزاق يكتب: قفة وشكارة أو… “ملي مشينا ف شكارة مقطعة”.