في مساءلة العجز النخبوي بالمغرب
1-في بَدْء المساءلة: كيف يمكن مساءلة فكر (وتفكير) النّخبة المدعاة مثقّفة أو كذلك، الضّالعة عمدا في بحر من الاستنتاجات والخلاصات النظرية السريعة/المتسرعة حول نوعية المخرج وأهدافه، وهو لازال بعيدا عن …
1-في بَدْء المساءلة:
كيف يمكن مساءلة فكر (وتفكير) النّخبة المدعاة مثقّفة أو كذلك، الضّالعة عمدا في بحر من الاستنتاجات والخلاصات النظرية السريعة/المتسرعة حول نوعية المخرج وأهدافه، وهو لازال بعيدا عن الطفرة النّوعية والنّقلة الفعلية، غارقا في الإفتتان “الثقافوي ” بنفسه وذاته؟
هل يُمكن القبول به مكتفيا برفع الشعارات تلو أخرى، كواجهات استعراضية دون محاولة “النفاذ” في استيعابها عمقا، والدخول في محاولة الدفع بها إلى الاستحقاق، تكريسا؛ وإضافة الوجع والألم إلى الجرح الذي تعفن في غياب الضمد على الأقل؟
2- في عمق المساءلة:
بحر شاسع من الأسئلة والتساؤل، أصبح محرجا جدا، بمقدار إحراج الواقع الإجتماعي هو الآخر له، بمزيد من الإغراءات الدّالة المؤشرة على انسداد الأفق…
لكن- والتّساؤل هنا مرّ-: أين هو دور ومسؤولية النخبة في هذا من دون مواربة؟ بل ما انعكاس هذا على الشرائح والطبقات الإجتماعية الأكثر تحملا لعبىء هذا الواقع؟
لنقتحم جدار الصمت ونقول: لربما أثبتت النخبة بما ليس فيه أدنى شك، وجسدت أكثر من أي وقت مضى ما خلص إليه عبد الله العروي مرة (في أزمة المثقفين) من كونها ذات “تفكير متمم، طوباوي، انتقائي، ككل بورجوازية صغرى”. بل أنها حورت مهامها التاريخية، من الوقوف إلى جانب الحقيقة التاريخية في التنوير، الكشف، الفضح والإلتحام بمن يبحثون عن هذه الحقيقة كسند مادي/معنوي، إلى التّنفيس عن- والإنطواء على- ذاتها، ثم العيش من تمة، على ركام الأوهام، بما يُقرّه هذا وذلك من جمود ذاتي/فكري وعقائدي.
ما مرد هذا بالمغرب، حيث أثبتت مقولة النّخبة فشلها الذريع في المساهمة الفعلية في تحريك الواقع الإجتماعي ومساعدة عناصره الدينامية في الإختمار والتحول المُفترض، إن لم نقل كرسته وأنجزت معلمة طلاق المثقف “النخبوي”، من الفئات التي احتضنته ولازالت صاحبة الفضل حتى في انتمائه النخبوي هذا؟
3-في التّشكل المستقِل للمجتمع المدني:
هل مردّ ما بيّناه آنفا، وبالجملة، للبنيات الإقتصادية/الإجتماعية، وحتى السّلوكية والذهنية التي أسس لها الإستعمار سابقا، ولازالت تنخُر بنيات واقع المغرب بشتى الوسائل والإمكانات، بما يحول دون انبناءها وتشكّلها في استقلالية عنه وفي غير وصاية منه؟
هنا لب المُشْكِلية ربما، أي ما يؤكد مقولة كون المجتمع المدني برمته لم يكن وليد الصراع المجتمعي، بل وليد مجتمع آخر، بورجوازية أخرى أجنبية تحديدا. لكن، وهذا أساسي، فإن المرجع وحده لا ينفي التطور والصيرورة. وواقعا، فإن الصراع الإجتماعي متأجج بالمغرب، ضمن شروط اقتصادية/اجتماعية مؤطِّرة، وجدت أهم أصولها في جميع حيثيات وشروط التجربة السياسية به، المثقلة بالترسّبات والإنتكاسات منذ خروج الإستعمار إلى الآن.
4- الديموقراطية كسرّ وكينونة:
في ظل شروط وحيثيات التجربة السياسية المذكورة المشومة بالإنتكاس، ينطرح سؤال كينونة الديموقراطية بالمغرب. فهي، وكما يُراد لها أن تكون، يافطة تزيينية لن تكون كذلك. هي:
أ- بداية التّأسيس وبناء الإستقلال: استقلال المجتمع والفرد. هي تخليص المجتمع من كل القيود والمعرقلات التي تحرِّف علنا أو سرا، مباشرة أو العكس، نموه الطبيعي وصيرورته مجتمعا متغيرا -متحررا- يفي بكل حاجياته وحاجيات أفراده من دون ضغط أو ابتزاز. وهي تخليص الفرد هو الآخر من كل القيود التقليدية/الإظلامية/الاستيلابية/ الإرتهانية، مهما كان مصدرها، وإعادة تشكّله كائنا إنسانيا قادرا على الإبداع والخلق والمبادرة، بما في ذلك التعبير عن جميع إحساساته، رغباته وطموحاته.
بـ- الديموقراطية عمقا واختصارا، هي إعادة التوازن إلى العلاقة فرد / دولة، ومجتمع/دولة. هي الباب الرّئيسي والمدخل الأساسي لاصطفاف المجتمع، اصطفاف شرائحه وطبقاته في سياق مجرى التفاعل/التضاد الإيجابي من دون تمثيل أو وساطة مزيفين.
في مرحلة التضاد هذا (كصراع ديموقراطي)، يتم عجز النخبة في الواقع ويتم تبرير الواقع أياه، بالواقع نفسه… وتصبح مقولة “التأخر التاريخي”، وكما كانت دائما، الملاذ الوحيد والمفرّ الخالص للنخبة قصد الإفلات من مواجهة إشكالات/مُشْكِليات الواقع الملحة. لقد عجزت “النخبة “بمقدار ما عجزت هذه المقولة في الإمتثال لها، في تسكين وتجميد الواقع.
5-عن التأخر”التاريخي”وما يليه:
مقولة “التأخر التاريخي” مقولة ذات رافد استعماري خالص، استعملها الإستعمار المباشر سابقا للجم حركية الشعوب واستغلالها، وتستعملها اليوم، وبطريقة غير مباشرة، فروعه المتعددة من أجل إثقال الشعوب الراغبة في النمو والتقدم، بالديون وفوائدها، وفي فرض نصائحها وشروطها على السياسات المتبعة بالبلدان التابعة (ومنها المغرب)؛ في سياق من توسيع الهوة بين ما يسمى بـ”الشمال”وما يسمى بـ”الجنوب”، بما يتناسب وجغرافية تقسيم العمل الدولي، بينما هي من جهة أخرى، وكمفارقة، رائدة مايسمى بالحوار بين هذا الشمال وهذا الجنوب.
ويجب أن لا ننسى أيضا، أن أحد الفصائل “اليسارية” وفي سياق بحثها عن “شرعية “، تبنّت نفس المقولة المذكورة.