محمد علي لعموري يكتب: بأي ذنب قتلت؟: أسئلة حول رسالة الإرهاب إلى المغرب
الجريمة الشنعاء، التي وقعت بمنطقة شمهروش، وراحت ضحيتها سائحتان اسكندانفيتان… هي على ما يبدو، رسالة واضحة الإشارات والدلالات، وتكتنز مدلولات ذات طابع إرهابي صرف يحتاج من رجالات الدولة ومن المفكرين …
الجريمة الشنعاء، التي وقعت بمنطقة شمهروش، وراحت ضحيتها سائحتان اسكندانفيتان… هي على ما يبدو، رسالة واضحة الإشارات والدلالات، وتكتنز مدلولات ذات طابع إرهابي صرف يحتاج من رجالات الدولة ومن المفكرين وكذا المثقفين فك شيفراته وفهم دلالاته واستخلاص العبر والدروس منه.
فقد اختير تنفيذ العملية من طرف متطرفين موالين لإحدى الجماعات الإرهابية في توقيت دقيق يدل على النية المسبقة لتنفيذ عملية إرهابية بواسطة خلية نائمة الهدف منها ضرب السياحة الوطنية، وزرع الهلع والرعب في قلوب السياح الأجانب لإلغاء كل الحجوزات التي تتم استعدادا لاحتفالات رأس السنة الميلادية.
هي اختراق إرهابي للدرع الأمني الذي حصنت به المخابرات المغربية والسلطات الأمنية كل المنافذ وجعلتها عصية على كل اختراق، وذلك منذ أن دلت قرائن مادية وتحذيرات أجنبية عن وجود تهديدات منحدرة من تنظيم داعش إبان سيطرته على أراضي في العراق والشام، وإعلان زعيمها البغدادي عن “دولة الخرافة” وليس الخلافة التي تراودهم في المنام وأحلام اليقظة.
فأتى الطعن… من حيث لا تحتسب السلطات الأمنية أنه آتيها، بهذه البشاعة ومن هذا الاتجاه.
تجفيف منابع الإرهاب يبدأ بسؤال الفلسفة المحجور عليه، والمفتى بكفره منذ ايام الغزالي الذي انتصرت أطروحته في العالم الإسلامي على حساب فلسفة العقل التي انتصر فيها ابن رشد للفكر الفلسفي
الرسالة الإرهابية تسائل طباع المغاربة اليوم، عن موقفهم العلني الذي لا مواربة فيه ولا تقية ولا مراوغة من هذا العمل الشنيع الذي يشوه صورتهم في الخارج، ويزيد من كراهية الأجانب لهم حين يحلون مهاجرين داخل بلدانهم.
كيف يمكن قراءة رسالة الإرهاب اليوم؟ وما الذي يجعل المغاربة مخترقين نفسيا ليحملوا في قناعاتهم كل هذا العنف، وليحدثوا به العالم بكل هذه الوحشية وهذه البربرية؟ وهل المقاربة الأمنية الاحترازية والاستباقية كافية لصد الهجوم على الدوام وكف أيدي الإرهاب حتى لا يضرب من جديد؟
إقرأ أيضا: على هامش حادثة إمليل: التكفير والتطرف… من ابن تيمية إلى محمد بن عبد الوهاب وسيد قطب. أصل المأساة!
وماذا عن سبل تجفيف منابع الإرهاب؟ هل من استراتيجية فعالة للذهاب بها على المدى البعيد والمتوسط للحيلولة دون اعتناق شبيبتنا الصاعدة لهذا الفكر المتطرف المفضي إلى احتراف الإرهاب؟
للإشارة وحتى نكون واضحين في نقدنا للوضع الذي وصلت إليه طباع المغاربة وذهنيتهم الجاهزة لتبني النموذج العنيف في السلوك والمعاملة، إن إستراتيجية الدولة بالأمس في محاربتها للفكر اليساري الذي كان يعارض توجهات النظام، قد شجعت دون أن تحتسب وتستشرف عاقبة المآل، الفكر الظلامي ليعشش في الجامعة والثانويات، وأطلقت اليد الطولى للإسلاميين، ليحتلوا مساحة واسعة زحفت خارج أسوار الجامعة، واكتسحت أحزمة الفقر وربت في النفوس فكرا دينيا متطرفا يكفر بالدولة وبالسياسة وبالفلسفة وبالحداثة وبالديمقراطية.
تم إنعاش مادة التربية الإسلامية لتكون بديلا، ليتشرب التلاميذ والطلاب الدرس الديني، الذي يبعدهم ما أمكن عن اعتناق الفكر الفلسفي والتشبع بمقولاته التي تسائل العقل الديني نفسه والعقل السياسي وعقل الدولة على السواء.
وحين استأسدت الحركات الإسلامية وأصبحت رقما صعبا داخل معادلة الصراع مع السلطات، جاءت المقاربة الأمنية وجاءت المقاربة الإصلاحية للحقل الديني، فنجحت الأولى بعد أحداث 16 ماي الدموية في بسط نفوذ التخابر ومداهمة الخلايا النائمة واستباق مخططاتها الإجرامية، بينما شكك العديد من المنتمين للحقل الديني في نجاعة الثانية لكونها تقوم على أرضية ضرب التطرف بالتصوف، ونظرا لما لهذا الأخير من حساسية مفرطة لدى السلفيين الذين يعتبرونه فكرا مغرقا في البدعة والجهالة…
إن أخطاء الماضي للدولة في تحصين نفسها من اليسار، جعلها بالموازاة مع ما اعتمدته من سياسة فسح المجال للبعد الديني ليكتسح الفضاء العام من طرف هذه الجماعات، تقتل الفكر النقدي وتحاصر معقله حين وضعت شعبة الفلسفة تحت الإقامة الجبرية، أي حصر تواجدها في العاصمة.
بالمقابل تم إنعاش مادة التربية الإسلامية لتكون بديلا، ليتشرب التلاميذ والطلاب الدرس الديني، الذي يبعدهم ما أمكن عن اعتناق الفكر الفلسفي والتشبع بمقولاته التي تسائل العقل الديني نفسه والعقل السياسي وعقل الدولة على السواء.
إقرأ أيضا: على هامش التفجير الإرهابي بتونس: هكذا تستقطب التنظيمات المتطرفة الانتحاريين عبر الشبكة العنكبوتية
حصيلة هذه الإستراتيجية عايناها في الحرب في أفغانستان حين التحق مغاربة كمجاهدين لنصرة “إخوانهم المجاهدين” الأفغان، وعايناها مع التحاق مغاربة آخرين بتنظيم القاعدة الذي كان يرأسه أسامة بن لادن، والتحاق مغاربة كثر أخيرا بتنظيم الدولة المسمى اختصارا بداعش.
اليوم وبعد دحر هذا التنظيم الذي ظهر فجأة فوق الأرض العراقية/السورية، وتراجع بريق شهرته، وتفرقه في الأمصار، بات المغاربة المنضوون تحت لوائه بمثابة خلايا نائمة، يتم تفكيك الكثير منها منذ 2011 إلى اليوم.
جاءت المقاربة الأمنية وجاءت المقاربة الإصلاحية للحقل الديني، فنجحت الاولى بعد احداث 16 ماي الدموية في بسط نفوذ التخابر ومداهمة الخلايا النائمة واستباق مخططاتها الإجرامية، بينما شكك العديد من المنتمين للحقل الديني في نجاعة الثانية
إن تجفيف منابع الإرهاب يبدأ بسؤال الفلسفة المحجور عليه، والمفتى بكفره منذ أيام الغزالي الذي انتصرت أطروحته في العالم الإسلامي على حساب فلسفة العقل التي انتصر فيها ابن رشد للفكر الفلسفي ورد فيه على تهافت الغزالي، حتى أحرقت كتبه. وبقي هاجس الرقابة الدينية والسياسية مهيمنا على العقل الإسلامي إلى اليوم.
إقرأ ايضا: إيريك رودولف: إرهابي… باسم الرب
بالمغرب ساهم العقل الديني المعتدل؛ رغم اختراق الفكر الوهابي له والفكر الإخواني كذلك؛ في الحفاظ على عقيدة متسامحة مع أهل الكتاب ومع بقية الأمم الأجنبية، وتعايش اليهود المغاربة مع المسلمين ومع الأمازيغ في تناغم وسلام ووئام، وحين استجد مشكل الإرهاب كونيا، كانت للمغرب مقاربة أمنية ودينية متكاملة لكنها ظلت غير كافية لتحد من اختراقه لعقول شبيبتنا من الجيل الجديد التي تعيش بؤسا سوسيو-اقتصاديا، وفقرا معرفيا قائما على الجهل والتعمية الإيديولوجية، والاستثمار في العنف سبيلا للارتقاء نفسيا.
نحتاج لفتح ملف الفكر النقدي للنقاش في قضايا تهم سبل تحصين الذات من ويلات الفكر الظلامي الذي يجعلنا أضحوكة الأمم والشعوب الإنسانية.
الفلسفة لا تبني وطنا و لا تخمد جوعا.