من موريتانيا، ابراهيم الحيمر يكتب: هل نجحت موريتانيا فعلا في خطواتها الأولى نحو الديمقراطية ؟
بدأ المشهد السياسي يتشكل منذ أن تأكد الجميع أن الرئيس المنتهية ولايته، محمد ولد عبد العزيز، لا ينوي خرق الدستور؛ بل أن احترامه والتقيد به هو السبيل الوحيد للدفع بديمقراطية …
بدأ المشهد السياسي يتشكل منذ أن تأكد الجميع أن الرئيس المنتهية ولايته، محمد ولد عبد العزيز، لا ينوي خرق الدستور؛ بل أن احترامه والتقيد به هو السبيل الوحيد للدفع بديمقراطية مازالت في مراحلها الأولى.
ربما السؤال الأكبر الذي يطرح تزامنا مع إعلان الرئيس عدم ترشحه بقوة القانون، هو من سينال ثقة ولد عبد العزيز لترشيحه بدلا منه؛ وعلى الأرجح ستكون له حظوظ وافرة لخلافته على كرسي الرئاسة.
لم تهدأ التكهنات حينها ولم يلبث الجميع فترة طويلة بعد البيان الرئاسي الذي أوقف المبادرات المطالبة بمأمورية ثالثة، حتى أعلن عن الإسم الذي يرشحه النظام لخوض غمار رئاسيات 22 يونيو 2019، وهو اسم كان مطروحا، بقوة بل كانت التوقعات تميل إليه كثيرا.
لكن اسم محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، وزير الدفاع وقائد الأركان العامة للجيوش السابق، أربك المعارضة وأحدث هزة في مشهد سياسي أعاد تشكيل نفسه جزئيا، مع تحول جزئي هو الآخر. فكيف يمكن تفسير المعطيين السابقين تفسيرا سياسيا دقيقا؟
اقرأ لنفس الكاتب: الانتخابات الموريتانية، تصالح مع التنمية والديمقراطية أم ترسيخ لما سبق؟
لم تتعود موريتانيا منذ إستقلالها 1960 على وجود مؤسسات قوية قادرة على تقوية وحماية المكاسب الديمقراطية التي تدرجت الدولة الموريتانية على إكتسابها على مر تاريخها؛ بالرغم من.تراكم التجارب والإخفاقات التي مرت على موريتانيا من الجانبين السياسي والمجتمعي، مازال الجسم السياسي الموريتاني الهش قادرا على استيعاب عثرة وهزة جديدة مالم تنتفي شروط تلك الهزة ومقوماتها.
لقد شهدت الساحة السياسية الموريتانية في الأشهر الأخيرة الكثير من التناقضات، حيث انبرت ثلة من الشخصيات المعارضة لأن تضع تاريخا يمتد لعقدين وأكثر خلف الأكتاف، وتسخر سخرية مرة من جمهورها الذي كان يعتقد واهما أن هذه الشخصيات رموز لا يمكن أن تنبطح في يوم من الأيام.
لم تتعود موريتانيا منذ إستقلالها 1960 على وجود مؤسسات قوية قادرة على تقوية وحماية المكاسب الديمقراطية التي تدرجت الدولة الموريتانية على إكتسابها على مر تاريخها
السبب في كل هذا التقلب هو ترشيح الفريق الأول السابق محمد ولد الغزواني.
في البداية كانت الصدمة التي تلقتها المعارضة الموريتانية قوية جدا واستمر صمت المعارضة فترة وهي تحاول لملمة شتات نفسها، لعلها تستوعب هول الصدمة وكيفية الخروج منها.
اقرأ أيضا: الإلحاد الجديد وعلاقته بالتطرف الديني: موريتانيا نموذجا
نجحت الأحزاب المعارضة نسبيا في تجاوز تلك الأزمة وعقد إتفاق على أن هنالك مرشحا موحدا سيتفق عليه، ليكون مرشح كل المعارضة. انتظر الجمهور المعارض إسم المترشح بشغف، لينتهي الأمر بفض ذلك الاتفاق ويدعم أكبر حزب معارض، حزب تواصل، المحسوب على الإخوان المسلمين، لشخصية من خارج المعارضة. هذه الشخصية كانت بالأمس القريب من ركائز نظام ولد عبد العزيز، الرئيس المنتهية ولايته، والذي كان العدو السياسي لكل أحزاب المعارضة.
الدول الحديثة قدر لمجتمعاتها أن تبذل الكثير من أجل رسم خريطة توضح الطريق نحو بناء دولة قوية. فهل مجتمعنا الموريتاني قادر على رسم تلك الخريطة من خلال هذه الإنتخابات؟
لكن الحزب الإسلامي حزب واقعي كما يصف نفسه، فدعمه للمترشح سيدي محمد ولد بوبكر، تؤكد بعض وجهات النظر أنه جاء بإشارة من رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو، الذي يقيم خارج موريتانيا، والمعروف بمعارضته للرئيس ونظامه. لكن ياترى، هل يتماشى طموح ولد بوعماتو مع مبادىء حزب تواصل؟؟
ظهر في السنوات الأخيرة فعل سياسي له طابع حقوقي ينتهج نهج إعادة الحقوق لأصحابها، حسب مايقول أصحابه. برز مع هذا الفعل شخصيات اكتسبت نوعا من الرمزية.
من أهم هذه الشخصيات، شخصية بيرام الداه أعبيد الذي تحالف مع حزب الصواب، الحزب القومي العروبي، دون التخلي عن خطابه الداعي لإنصاف شريحته الإجتماعية.
بعدما تشكل المشهد الإنتخابي ببروز ثلاثة مرشحين أقوياء: محمد ولد الغزواني وسيدي محمد ولد بوبكر وبيرام الداه أعبيد، لم تتخلّ المعارضة التاريخية عن فرصها في جذب الموريتانيين من خلال التعويل على التاريخ النضالي، فترشح محمد ولد مولود، المناضل ذو القناعات اليسارية عن حزبه إتحاد قوى التقدم، مدعوما من حزب تكتل العريق وبعض الحركات السياسية الشبابية، في حين إختار جزء آخر من المعارضة التحالف وترشيح كان حاميدو بابا، لينال ثقة خزانه الإنتخابي، وهم الزنوج الموريتانيين الذين هم من أكبر مكونات المجتمع الموريتاني؛ مع عدم إهمال مكونات المجتمع الأخرى.
بينما يكاد المشهد السياسي يكتمل، يظهر مترشح شاب: محمد الأمين المرتجي الوافي. مرشح ليس له ماض سياسي، بل اختار أن يطمح للرئاسة (والطموح مشروع)، حاملا خطابا شبابيا يسعى من خلاله أن ينال مكاسب سياسية هامة.
الدول الحديثة قدر لمجتمعاتها أن تبذل الكثير من أجل رسم خريطة توضح الطريق نحو بناء دولة قوية. فهل مجتمعنا الموريتاني قادر على رسم تلك الخريطة من خلال هذه الإنتخابات؟