عبثية ألبير كامو من خلال رواية”الغريب” - Marayana - مرايانا
×
×

عبثية ألبير كامو من خلال رواية”الغريب”

تعد رواية “الغريب” لألبير كامو من أشهر الروايات العالمية. كتبها باللغة الفرنسية عام 1942، ونُقلت للعربية عام 1990 بترجمة لعايدة إدريس و محمد غطاس، ثم في عام 2014، بترجمة محمد …

عبد الحكيم درقاوي

تعد رواية “الغريب” لألبير كامو من أشهر الروايات العالمية. كتبها باللغة الفرنسية عام 1942، ونُقلت للعربية عام 1990 بترجمة لعايدة إدريس و محمد غطاس، ثم في عام 2014، بترجمة محمد آيت حنا.

تنتمي الرواية للمذهب العبثي في الأدب، وقد كتبها كامو ضمن سلسلة مؤلفات تصف شخصيته التي لا تستطيع إيجاد هدف أصيل في حياتها. كامو أو ميرسو ـ كاتب الرواية ـ هو واحد من الغرباء الذين يشعرون بالتمرد و عدم الانتماء لمجتمعهم، فيعيشون في عزلة نفسية و أخلاقية.

عند قراءة الرواية، يمكن القول إن الكاتب كان موفقا في اختيار العنوان، الذي اختزل أهم الخصال النفسية التي سنعيشها مع ميرسو، والتي يمكن حصرها فيما يلي:

الغرابة الأولى: اللامبالاة

تعتبر اللامبالاة الخصلة الأولى التي ميزت هذا الغريب، فأول ما يطالع القارئ لرواية كامو قوله: (اليوم ماتت أمي، أو لعلها ماتت أمس، لست أدري: وصلتني برقية من المأوى: “الأم توفيت. الدفن غدا. احتراماتنا”. وهذا لا يعني شيئا، ربما حدث الأمر أمس) ص7.

عند وفاة والدته ـ التي كان قد نقلها إلى مأوى المسنين ـ، لم يَبْد عليه أي تأثر. تلقى خبر وفاتها تلفونيا من مدير المأوى مثل أي خبر عبر الأثير أو على صفحات الجرائد.

اقرأ أيضا: من تونس، رحمة خميسي تكتب – ياسمينة خضرا: بين بطش السّلاح وسحر القلم، يولد الإبداع

  قضى يومه بشكل اعتيادي. وصل عند أمه. لم يذرف دمعا أو يلق نظرة الوداع أو يُقبل الجبين كما يفعل عادة الناس “الأسوياء”، بل استبدت به الرغبة في التدخين. تردد في ذلك وهو واقف على تابوت الوالدة، فبدا له الأمر غير ذي شأن، فقدم وقتئذ سيجارة للبواب، و دخنا معا. حتى بعد أن أهِيل التراب فوق تابوت أمه، لم يفكر سوى في الانصراف والاستلقاء في الفراش والنوم أثني عشرة ساعة.

الغرابة الثانية: الحاجات المادية/الجسمية مُقدَّمة على المشاعر والأحاسيس.

ألبير كامو

ربما لهذا السبب لم يبك كامو أمه، لأن السفر أرهقه. لذات السبب، رفض التعبير عن مشاعره تجاه عشيقته (ماري كاردونا) التي لا يرى فيها سوى ذاك الجسد الذي يقضي فيه مكبوحاته الجنسية، يقول كامو: (كانت ترتدي إحدى مناماتي بعدما شمرت كميها… رغبت فيها مجددا. وبعد برهة، سألتني هل أحبها. أجبتها أن لا معنى لهذا الأمر… فاكتست هيئتها سيماء الحزن) ص45.

الغرابة الثالثة: الاستهتار بالحياة.

يختصر كامو مغزى هذه الرواية بهذه الجملة التي جاءت على لسانه: (في مجتمعنا، كل رجل يرفض أن يبكي على والدته يعدم! لماذا نبكي؟ سنموت جميعا عاجلا أم آجلا).

اقرأ أيضا: ليلى أبو زيد وزينب فهمي: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب 3/3

لقد طرح الموت في رواية “الغريب” بوصفه عائقا أمام الإحساس بزخم الحياة، ما جعل ميرسو/كامو  يعتبر الموت والحياة سواء، وبالتالي عدم الإحساس بقيمة هذه الحياة. يظهر هذا في قتله للعربي ـ خصم صديقه رايمون ـ لأن الشمس أزعجته. بكل برودة أعصاب، لامست سبابته الزناد فأطلق خمس طلقات عبر عنها بقوله: (كان الأمر أشبه بطَرَقات خفيفة أطرقها على باب الشقاء) ص72. في غمرة صوت المسدس، نفض العرق عن جبينه، و أيقن أنه دمر توازن النهار.

حين قدم أمام أنظار المحكمة، قام بسرد أحداث “الجريمة” بدقة عالية، دون مراوغة في الحقائق لتبرئة ساحته أو بحث عن تبريرات لجرمه. فالتيمة الأساسية التي تقبع خلف هذه الأحداث والتي يريد كامو الكشف عنها بأسلوب إيحائي هي عبثية الوجود الإنساني، فميرسو يجسد الشخص الذي لا ينسجم مع النمطية الحياتية السائدة. شخص غريب غير قابل للاستيعاب أو التعقيل.

في خاتمة رواية “الغريب”، نقل لنا بطل الرواية أمنية أخيرة قبل إعدامه وهي :(أن يحضر إعدامه جمعٌ غفيرٌ، وأن يستقبلوه بصرخات حقدٍ).

إن الرواية في لغتها الأصلية بالفرنسية “L’étranger” كتبت بلغة سلسة سهلة، لغة خالية من الميتافورية والشعريات (Poétismes)؛ بالتالي، فهي تركز على ما سماه (ياكبسون) “الوظيفة الإفهامية”، وهي وظيفة خاصة بمستهلك النص لا بمنتجه. ولعل هذا ما جعل ترجمتها أسهل، فكان لها القبول و كثر قراؤها من العالم العربي.

اقرأ أيضا: مليكة الفاسي وثريا السقاط: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب 3/2

 رواية ألبير كامو رواية مهمة في بابها لأسباب عدة، فهي من الروايات التي تمتاز بالقِصَر، لكنها تمتد و تطول على مستوى الزمان و الأحداث.

وهي مهمة لموضوع روائي كاشف لإشكالية فئة عريضة داخل المجتمعات، مأزومة بالعبث الذي قد يُخرِج الإنسان من آدميته إلى إسقاطه في مَضَّان البهيمية اللامبالية لسلوكاتها وتصرفاتها تجاه الخلائق والوجود برمته، فكوجيطو هذه الشخصيات (أنا عبثي، إذن أنا موجود).

في اجتهادي، فكل ما أراده الكاتب هو رصد خيط من خيوط انفصامه الذاتية مع أَنَاهِ المتصارعة مع الأخر. وهذا سبب في تكامل الغريب كرواية دون اكتمالها كأحداث، بحيث وقف كاتبها عند وصف أغوار المحاكمة و ظهور بعض مؤشرات الحكم بالإعدام.

اقرأ أيضا: خناثة بنونة وآمنة اللوه: هؤلاء 6 نساء بصمن تاريخ الكتابة الأدبية في المغرب 1\3

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *