اللغة العربية تتراجع… لتخلف العرب
من علامات الضعف والتبعية والانسلاخ عن الهوية، التفنن في تقمص لغة الآخر نطقا وكتابة وتداولا بشكل يومي، وهجر اللغة الأم والتنكر لقيمتها كوعاء لحمل الفكر والعلم والثقافة والأدب والفن…
هناك تيار صاعد يشكل قوة ضاغطة عند مراكز القرار السياسي، يطمح لطمس وجود اللغة العربية في المنظومة التعليمية والأخبار الصحفية وحتى داخل قاعات المحاضرات والندوات الفكرية والأدبية…
بصرف النظر عن خلفية هذه “النخبة” المحسوبة على النظام الفرنكفوني الذي مازال يجتاح قلاعنا السوسيو- ثقافية ومراكز البحوث وداخل بنايات المؤسسات المالية والمقاولات ذات الرأسمال الأجنبي، فإن مبرر أولئك المعادين للغة العربية، أن هذه الأخيرة تبقى لغة مكتوبة وليست لغة الشارع المنطوقة عند عامة الناس. وقد اقترح هذا التيار الفرنكوفوني اللهجة الدارجة محلها تدرس في مقررات التعليم الأساسي، في حين اقترح أن تدرس المواد العلمية في المستويات الثانوية باللغة الفرنسية !!
اليوم نحتاج لنقاش علمي، وتدخل أهل الاختصاص بعيدا عن طروحات أصحاب الانتصار لتيار الاغتراب أمثال عيوش وغيره
طبعا لا أحد ينتمي لهذا العالم المعاصر الذي تسافر فيه الأفكار والأخبار بكل حرية، وتتداول فيه المعلومة على نطاق واسع، بمستطاعه الهروب من ضرورة الانفتاح وتعلم اللغات الأجنبية، لكن بالمقابل لا أحد له انتماء لثقافة وتاريخ وتراث… يستطيع الانسلاخ عن لغته والذهاب بها رويدا نحو حتفها، وإن يفعل يكون خائنا لكل انتماء.. وجاحدا لبيئته السيوسيو- ثقافية.
من علامات الضعف والتبعية والانسلاخ عن الهوية، التفنن في تقمص لغة الآخر نطقا وكتابة وتداولا بشكل يومي، وهجر اللغة الأم والتنكر لقيمتها كوعاء لحمل الفكر والعلم والثقافة والأدب والفن…
إقرأ أيضا: أحمد الخمسي: حجر “الدارجة”… في مستنقع
ولئن كنا في مؤخرة الأمم التي تمضي في تقدمها العلمي والتكنولوجي وتجتاح بلغتها العالم، فإن تشخيص الواقع ونقده في محاولة منا للنهوض بأحوالنا على شتى الصعد، يقتضي الوعي والانتباه إلى أمر مصيري لا يستقيم النهوض إلا به… وهو الحفاظ على اللغة الأم ومحاولة تطويرها لتعود مواكبة لروح العصر ومتتبعة لنتاجات الآخر، وتشجيع الطاقات المحلية على فعل الإبداع وفعل الترجمة وفعل التحقيق (تحقيق النصوص القديمة) وفعل التبسيط وتسهيل القراءة باللغة الأم… دون مركب نقص ينخر نفسية و”لاوعي” الكثير ممن كبرت عندهم عقدة الآخر.
ثقل التبعية وحجم الوهن الذي ينخر جسد التعليم، والعقم الذي يسكن مسالك البحث العلمي، يفسر كيف أن النهل من معين علوم العصر يقتضي، بذل الجهد لاكتساب لغات أخرى أكثر حضورا في مجالات التطور كالإنجليزية، دون أن يعني ذلك أن اللغة العربية قد فقدت مكانتها، بل هي صورة لمدى تقدم أو تخلف أمة من الأمم.
لهذا… فحين تطلع علينا صيحات اعتماد الدارجة في التعليم الأولي، نكون أمام نقاش إيديولوجي غير علمي، وحين التقى المفكر والمؤرخ عبد الله العروي بالجمعوي نور الدين عيوش، أنصتنا جيدا لطروحات كليهما، فكان المفكر ينزع منزع الواقعية اللغوية التي لا ترى في اللغة العربية مشكلة في تطوير أحوال المجتمع، وأن مكانها يبقى ثابتا، لأن التدوين وحفظ التراث وكتابة التاريخ وإبداع الفن والأدب لا يستقيم إلا بها، في حين كان حجاج صاحب دعوى اعتماد الدارجة، ينزع باتجاه إقحام الدارجة (دون ذكر كيف يمكن حل معضلة اللهجات المتعددة داخل المجتمع الواحد) وتشجيع تدريس العلوم باللغة الفرنسية… وهذا الطرح مردود ومرفوض، لأن تدريس كافة فروع المعرفة يمكن أن يكون محمولا على اللغة التي يتمكن منها الباحث والطالب، دون أن يعني ذلك أن لغتنا الأم لا تستطيع حمل مضامين العلم أو الفلسفة أو الأدب…
من علامات الضعف والتبعية والانسلاخ عن الهوية، التفنن في تقمص لغة الآخر نطقا وكتابة وتداولا بشكل يومي، وهجر اللغة الأم والتنكر لقيمتها كوعاء لحمل الفكر والعلم والثقافة والأدب والفن…
كل ما هنالك، أن ثقل التبعية وحجم الوهن الذي ينخر جسد التعليم، والعقم الذي يسكن مسالك البحث العلمي، يفسر كيف أن النهل من معين علوم العصر يقتضي، بذل الجهد لاكتساب لغات أخرى أكثر حضورا في مجالات التطور كالإنجليزية، دون أن يعني ذلك أن اللغة العربية قد فقدت مكانتها، بل هي صورة لمدى تقدم أو تخلف أمة من الأمم.
اليوم نحتاج لنقاش علمي، وتدخل أهل الاختصاص بعيدا عن طروحات أصحاب الانتصار لتيار الاغتراب أمثال عيوش وغيره.
لهذا…
إقرأ أيضا: بعض من كلام: أمبرطو إيكو، عيوش، الكلاب والحمار… بالدارجة الفصحى!!
حين ندافع عن العربية فإننا ندافع عن أصالتنا وهويتنا وثقافتنا وحضارتنا التي… وإن عرفت نكوصا فليس معناه إلغاء تاريخنا وإنكار اللغة الأم وتعويضها بلهجة محلية وتشجيع لغة الآخر، لغة المنتصر الذي يمول ويرعى بالمال والخبرة أصحاب تيار إقصاء اللغة العربية.