إبراهيم… بين الميثولوجيا الدينية وعلم التاريخ 3/2
بينما تسير الميثولوجيا الإبراهيمية في منحى، يمضي التاريخ كعلم في منحى آخر تماما؛ ذلك أنه لا يعلم من وثائقه الأركيولوجية شيئا عن شخصية تدعى إبراهيم…
بعدما تابعنا في الجزء الأول، أهمية إبراهيم في الديانات السماوية، وكيف يوحد بينها، على الرغم من اختلاف الروايات التي يرد بها في النصوص المقدسة للديانات تلك، في هذا الجزء الثاني، نتابع لمحة عن الشك والتزيد اللذين يكتنفان حكاية إبراهيم.
نبي أم “أسطورة”؟
بينما تسير الميثولوجيا الإبراهيمية في منحى، يمضي التاريخ كعلم في منحى آخر تماما؛ ذلك أنه لا يعلم من وثائقه الأركيولوجية شيئا عن شخصية تدعى إبراهيم… هذا ما يؤكده المفكر المصري سيد قمني في كتابه “النبي إبراهيم والتاريخ المجهول”.
اقرأ أيضا: الحنيفية: عن دين إبراهيم في “الجاهلية”! 3/1
فمع أن القصة التوراتية تتفق مع قصص الإخباريين المسلمين حول موطن إبراهيم الأصلي، لم يعثر إلى حد الآن على أي دليل آثاري، يمكن أن يشير إلى أن هذه الشخصية كانت موجودة يوما ما، وذلك على كثرة ما اكتشف من آثار في وادي النيل ووادي الرافدين.
هذا ما أدى ببعض الباحثين إلى اعتبار إبراهيم… شخصية أسطورية!
يصر البعض على أن إبراهيم ليس سوى الأسطورة “براهما”، التي كانت واسعة الانتشار في إيران والهند وما حولهما قبل ظهور العبريين.
هؤلاء يرون أن قصص الآباء القدامى مجرد قصص خرافية، وأن أسماء الآباء هؤلاء كانت أسماء لشخصيات إلهية في عبادات قديمة…
قمني يوضح هذا الرأي فيقول إن هذه الأساطير كانت متداولة قبل التوراة، في القصص الأسطورية لبلاد كنعان. ثم، لما جاء العبريون هذه الأرض، ورثوا تراثها، فوجد هذا الأخير طريقه إلى التدوين في التوراة كقصص لأنبياء بني إسرائيل.
اقرأ أيضا: “الأصولية” في اليهودية: بين لعنة المنفى وغواية الأرض (الجزء الثالث)
غير أنه، بالمقابل، يشدد المفكر المصري محمود عباس العقاد في كتابه “إبراهيم أبو الأنبياء”، على أن كل هذا تغير في معيار البحث الحديث، لأنه مناقض للعلم نفسه، إذ ثبت أن الأخبار الدينية سبقت المباحث الحفرية والمقارنات العلمية إلى تقرير أحكام التاريخ.
ولنُرِدْ مثالا هاهُنا. يصر البعض على أن إبراهيم ليس سوى الأسطورة “براهما”، التي كانت واسعة الانتشار في إيران والهند وما حولهما قبل ظهور العبريين.
إضافات كثيرة تلك التي جاءت بها كتب التراث الإسلامي عن إبراهيم؛ بعضها ترديد للقصص القرآني، وبعضها يصفه قمني بكونه من قبيل الشغف بالمبالغات…
يقولون إنها أصل عقيدة “براهما” الهندية، وإن العبريين تبنوا هذه الأسطورة بتحويلها إلى شخصية إنسانية، ثم اعتبروا “براهما” جدهم البعيد، تأسيسا على منهج التدين القديم الذي قام على تقديس الأسلاف.
لهؤلاء بالتأكيد ما يستندون إليه… مثلا، أن إبراهيم وبراهما، كلاهما، جاءا بعبادة خالق واحد، ووَلدا في سن متأخرة، ولهما زوجتان لهن أسماء متشابهة تقريبا، وكلاهما له ابنان. كما ويذهبون إلى أن صحف إبراهيم هي ذاتها كتب الفيدا المقدسة في التراث الديني الهندي.
مبالغات؟
لجأ كثير من الإخباريين المسلمين إلى التوراة واستقوا منهما تفاصيل، يقول العقاد، هائلة كما وكيفا، حتى إنها أصبحت مرجعا إسلاميا للمسلمين، فقط، لأنها وردت في أمهات الكتب الإسلامية.
هذا ما يسمى بـالإسرائيليات!
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: من يمثل الإسلام؟
كان إذا دخل “عالم” يهودي في الإسلام، ونفى من روايات دينيه ما ينافي القرآن، لم يتحرج المسلم من الاستماع إليه، فينقل عنه ويعتبر علمه مما سبق إليه أهل الكتاب.
غير أن المسلمين، بحسب العقاد، بالغوا في الطمأنينة إلى أولئك الرواة، بل وفاتَهم أنهم إن سلموا من سوء النية، لن يسلموا من الجهل وضعف السند، وقلة التثبت والتمحيص، وقد فصلنا ذلك في ملف سابق عن الموضوع.
العقاد: ثبت أن الأخبار الدينية سبقت المباحث الحفرية والمقارنات العلمية إلى تقرير أحكام التاريخ.
ومع حساسية ذلك، اعتمد ابن كثير مثلا في “البداية والنهاية”، وهو من كبار الإخباريين المسلمين، كثيرا من الأخبار التوراتية، بل ويقدم كتابه بمبررات الاعتماد على الإسرائيليات.
إذا عدنا لحكاية إبراهيم، فثمة إضافات كثيرة جاءت بها كتب التراث الإسلامي، بعضها ترديد للقصص القرآني، وبعضها يصفه قمني بكونه من قبيل الشغف بالمبالغات…
ذلك أن أكثره لم يرد له ذكر في التوراة حتى؛ بينما بعضه إسرائيليات أخذها الإخباريون المسلمون من دون تحقيق أو تدقيق.
اقرأ أيضا: بين الأسطورة والعلم: الحواس خادعة… كيف غير العلم من إدراك الإنسان للواقع؟ 4/1
من بين ما تقول هذه الروايات، مثلا، أن البذرة الإبراهيمية، ما إن استقرت في بطن أم إبراهيم حتى لاحظ القوم أن الأصنام قد نكست رؤوسها، وظهر وقتها نجم في السماء له طرفان.
من درس الأساطير وتاريخ الأديان، يمكنه أن يلحظ أن مثل هذه الرواية مبالغة؛ من النوع الذي يلحق بقصص الأبطال الأسطوريين لدى الشعوب. أي أنه كان لا بد من أن تسبق ميلاد البطل إشارات ونبوءات من الخوارق الطبيعية، كنوع من الإعلام بمقدمه.
البطل عادة في القصص القديمة، يتعرض لمحنة القتل والموت… وحتى يكون بطلا، لا بد أن يتجاوز المحنة ويقضي على الطاغية.
كذلك عندما ولد إبراهيم، كان يحكم بلاد الرافدين (العراق القديم) طاغية يدعي الألوهية، اسمه نمرود (بالذال أحيانا أخرى)… هذا ما ترويه كتب التراث الإسلامي.
قمني إذ بحث عن هذا الاسم في قوائم ملوك العراق القديم، لم يظفر بنتيجة. غير أنه لاحظ وجود منطقة آثارية يطلق عليها اسم نمرود. من الواضح، بحسبه، أن هذا الاسم قد أطلق في بداية العصور الإسلامية تأثرا بهذه الروايات.
اقرأ أيضا: “الأصولية” في الديانات الثلاث: ما بين المنطق الروحي والمنطق العقلاني… (الجزء الثاني)
ثم إنه لم تثبت البحوث التاريخية عن العراق القديم أن الملوك هناك لجؤوا إلى تأليه أنفسهم، إلا في حالات نادرة، بالتأكيد ليس من بينهم ملك يدعى نمرود.
الروايات تزعم أيضا… أن نمرود قد غالى في طغيانه وأخذ يجبر الناس على عبادته، ثم حدث ذات يوم أن ذهب إليه كبير كهانه وعرافيه، فأعلمه بأن ميلاد شخص جليل قد آن، وأن نهاية شأنه ستكون على يدي هذا الشخص.
نمرود والحال هذه، لم يكن له سوى أن أمر بتقتيل جميع الذكور الذين ولدوا في ذلك العام.
لم يعثر إلى حد الآن على أي دليل آثاري، يمكن أن يشير إلى أن هذه الشخصية كانت موجودة يوما ما، وذلك على كثرة ما اكتشف من آثار في وادي النيل ووادي الرافدين.
لنلاحظ ثانية، يقول سيد قمني، أن البطل عادة في القصص القديمة، يتعرض لمحنة القتل والموت… وحتى يكون بطلا، لا بد أن يتجاوز المحنة ويقضي على الطاغية.
الطاغية هنا يمثل دور الشر في الأسطورة. هذا دون أن نغفل العنصر الدرامي الثالث فيها، وهو النبوءة، التي يملكها في العادة كاهن شرير، لديه قدرات خرافية على رأسها معرفة الغيب…
وفي الأخير، كما تقتضي ذلك عادة الأسطورة… ينتصر الخير على الشر!
في الجزء الثالث: من الذبيح من ابني إبراهيم، إسماعيل أم إسحاق؟ أكثر من مجرد اختلاف!
لقراءة الجزء الأول: إبراهيم… حكاية “نبيّ” يوحد الديانات الثلاث 3/1
لقراءة الجزء الثالث: إبراهيم… مَن الذبيح مِن ابنيه، إسماعيل أم إسحاق؟ أكثر من مجرد اختلاف! 3/3
سطحيون أنتم في كل ما تنشرون، عناوين براقة بمضامين فارغة.
لماذا لم تتطرقوا الى ذكر قصة نبي الله ابراهيم عليه السلام كما وردت في القران الكريم.
هي الدليل القاطع على وجوده الفعلي.
اتقوا الله
علم الجينات الحديث اثبت بما لا يقبل الشك ان العرب واليهود من اب واحد وهو ابراهيم وحتى الزمن الذي كان فيه محدد بشكل دقيق فلهذا اذا كان علم التاريخ الغير مكتوب لا يثبت شيا فلدينا الدليل الملموس والعلمي والحقيقي على وحوده ومطابقته لكل ما ورد في الفران الكريم