المأمون و”محنة خلق القرآن”… صورة عباسية أخرى لاستغلال الديني في السياسي! 2/1
نتابع في هذا الملف حكاية الخليفة العباسي المأمون مع خلاف “خلق القرآن” العقائدي، الذي استغله سياسيا ليستعيد للبلاط سلطته، بعدما زاحمه فيها الفقهاء غداة وضع حربه ضد أخيه الأمين أوزارها.
بعد وفاة الخليفة العباسي هارون الرشيد عام 809م، تنازع ابناه الأمين والمأمون على الحكم، حتى تسببا في اندلاع حرب أهلية…
الحرب التي تعرّفها بعض المراجع بـ”الفتنة الرابعة”، انتهت بالخلافة في يد المأمون، بعد مقتل الأمين، لكن بعد ماذا؟
… بعد أن جافت بين الناس وباعدت بينهم، على نحو أغرق الدولة في فوضى عارمة.
اقرأ أيضا: الشُّعوبية: حين أشعرَ العربُ “المواليَّ” بالميز العرقي الذي نهى عنه القرآن والرسول! 2/1
والحال هذه، لم يكن أمام المأمون سوى البحث عن حل يعيد للسلطة سطوتها، ويمكنه من بسط قبضته على الرعية…
رأى المأمون حينها، بحسب بعض المراجع، أن تيارا من الفقهاء والمحدثين يتعاظم نفوذه قد صنع عقيدة عامة القوم، مستحوذا على ذلك بطريقة جعلته الممثل الشرعي للدين والسنة، في وقت يتهم فيه غيره بالباطل والكفر.
منذ فجر علم الكلام في الفكر الإسلامي، كان المعتزلة منبع مقالة خلق القرآن، التي كان “فقهاء السنة” في طليعة من يرفضونها.
هكذا، كان أول ما خطر على باله هو اختيار مذهب عقائدي رسمي يفرضه على الناس، يضع به حدا لانفراد هؤلاء بالدين، وعمليا التطاول على السلطة.
المذهب الذي اختاره المأمون كان الاعتزال!
ثم كان أن وجه معركته العقائدية هذه، ذات الصبغة السياسية، نحو ذلك التيار.
وليكشف المأمون رؤوسه، يقول المفكر الأردني فهمي جدعان[1]، وليردهم إلى عقيدة الخليفة، أو بالأحرى إلى سلطته، اختار موضوع “خلق القرآن وإحداثه”، وقد كان يومذاك، أحد أهم الخلافات العقائدية.
اقرأ أيضا: الإلحاد في تاريخ الإسلام: حين استنفدت الروح العربية قواها الدينية! (الجزء الأول)
الذي حدث… أنه منذ فجر علم الكلام في الفكر الإسلامي، كان المعتزلة منبع مقالة خلق القرآن، التي كان “فقهاء السنة” في طليعة من يرفضونها.
باختصار، قال المعتزلة بخلق القرآن، إذ اعتبروا كلام الله صفة غير ذاتية فيه، ومن ثم فإن القرآن فعل حادثة في الزمان، وهكذا فهو مخلوق ومُحْدَث. في حين رفض أهل الحديث هذا القول، إذ اعتبروا كلام الله من صفاته الذاتية القديمة، ومن ثم فالقرآن غير مخلوق.
بعض المراجع التاريخية تقول إن الجعد بن درهم كان أول من أظهر القول بخلق القرآن، فيما تفيد مراجع أخرى بأن رجلا يدعى أبان بن سمعان كان أول من فعل.
بعد سنوات طويلة من التردد والمشورة… قرر إطلاق ما يعرف في المراجع التاريخية بـ”محنة خلق القرآن”، وكان ذلك 218هـ/833م.
لنتعقب قصة هذا القول، يذكر ابن الأثير في “الكامل في التاريخ”:
“وفي سنة 240هـ، توفي القاضي أبو عبد الله أحمد بن داؤد… وكان داعية إلى القول بخلق القرآن وغيره من مذاهب المعتزلة، وأخذ ذلك عن بشر المريسي وأخذه بشر من الجهم بن صفوان وأخذه جهم من الجعد بن درهم وأخذه الجعد من أبان بنسمعان”.
ابن الأثر يتابع أن “أبان أخذه من طالوت ابن أخت لبيد الأعصم وختنه وأخذه طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر الرسول وكان لبيد يقول بخلق التوراة”.
اقرأ أيضا: من اليمن، حسين الوادعي يكتب: من يمثل الإسلام؟
القاضي ابن داؤد هذا، كان أحد كبار المعتزلة، وصار قاضي قضاة الدولة في الأخير. قبله، كان في هذا المنصب يحيى بن أكثم… ابن أكثم، بجوار رجل يدعى يزيد بن هارون، كان يرتضيه المأمون، وحدهما كانا يشكلان عقبة أمام ما يصبو إليه الخليفة؛ ذلك أنهما كانا خصمين عنيدين للمعتزلة.
ثم… بعد سنوات طويلة من التردد والمشورة، وبعد أن أخْفتَ المأمون مكانة هؤلاء رويدا رويدا، قرر إطلاق ما يعرف في المراجع التاريخية بـ”محنة خلق القرآن”، وكان ذلك 218هـ/833م.
فما الذي حدث بعد ذلك؟ ذاك ما نتابعه في الجزء الثاني.
لقراءة الجزء الثاني: “محنة خلق القرآن”… هكذا استغل المأمون خلافا عقائديا ليكبح نفوذ الفقهاء ويردهم إلى سلطته 2/2