محمد علي لعموري يكتب: “مجتمع الميم”… بين الوجود والإيجاد
عمد المثليون والمثليات، المتحولون والمتحولات، العابرون والعابرات، مزدوجو الجنس والمزدوجات، والمتحررون جنسيا والمتحررات أن يطلقوا على أنفسهم “مجتمع الميم”.
… سموه بالميم، لأنه يضم فئات متعددة الهوية والتوجه الجنسي، وإن كانوا يشترك(و)ن في كون كل مكون يبدأ اسمه بالميم
سألني أحد أصدقاء الفيسبوك سابقا، عن سبب إصراري على الكتابة في موضوع المثلية الجنسية من حين لآخر، فكان جوابي على سؤاله بسؤال استنكاري: وهل يزعجك الأمر كثيرا؟
نفى هذا الصديق؛ الذي لم ألتقه يوما؛ أن يكون منزعجا، فوعدته أنني لن أكتب عنه، وحاولت أن أشرح له، أن المثلية ليست لا ترفا فكريا نؤثث به مقالنا، ولا عيبا من عيوب الكتابة كموضوع للتفكير أو كعنوان للمناقشة والتحليل.
أعود لموضوع هذا المقال، والذي اخترت فيه الحديث عن مجتمع الميم.
فماذا نعني بهذه التسمية؟
لقد سبق لي في مقال سابق، تطرقت فيه لموضوع المثلية الجنسية، أن شرحت هذه التسمية في ذيل المقال، لكني ارتأيت اليوم، أن يكون محور مقالي هذا، هو هذا المجتمع الغريب عن العالم المكشوف، أي عالم المجتمع الذكوري المنافق الذي يحجب بوصمه وتمييزه وإقصائه كل شيء يعاكس السائد والمهيمن والموروث والمسلم به والمفكر فيه والمعاش رغم أعطابه وعيوبه.
مجتمع الميم الذي يضم هذه الفئات جميعا، يجتهد في تقديم فلسفة جديدة في فهم الهوية الجنسية والجندرية لأفراده المتعددين على مستوى الهوية والميول. يرفضون ثقافة مجتمع، يصنف أفراده وفق مفهوم متقادم ومتجاوز، يصنع من الذكر رجلا على مقاس الثقافة الذكورية التي تحدد له أدواره التي يجب عليه أن يلعبها داخل المجتمع، ويحدد للمرأة أدوارا مختلفة كما يتمثلها المجتمع الذكوري إياه.
مجتمع الميم… مجتمع الاختلاف والدعوة إلى قبول الاختلاف. مجتمع يضم فئات يصعب الإحاطة بها، دون ارتكاب شيء من التعسف والإقصاء لهذا الصنف أو ذاك، من باب الجهل بالموضوع وغياب البحث فيه.
لقد عمد المثليون والمثليات، المتحولون والمتحولات، العابرون والعابرات، مزدوجو الجنس والمزدوجات، والمتحررون جنسيا والمتحررات أن يطلقوا على أنفسهم “مجتمع الميم”. سموه بالميم لأنه يضم فئات متعددة الهوية والتوجه الجنسي، وإن كانوا يشترك(و)ن في كون كل مكون يبدأ اسمه بالميم. فدعونا نتعرف عليهم عن قرب لفهم معنى التسمية.
هناك المثليون والمثليات: وهؤلاء هم، ذكور أو إناث يميل(و)ن لنفس الجنس عاطفيا أو جنسيا أو هما معا.
وهناك مزدوج(و)ات الجنس: هؤلاء لهم ميل لكلا الجنسين، فتجد الذكر منهم والأنثى منهن، تارة يمارس الجنس مع نفس الجنس وتارة أخرى مع الجنس الآخر، وقد يجمع بينهما في الفراش دونما حرج.
وهناك المتحولون والمتحولات، ممن لا يرتاح(و)ن في جسد معين، كأن يكون أحدهم أنثى على الصعيد النفسي والذهني، يفكر كأنثى في جسد ذكر، والعكس صحيح، كأن تحس الأنثى وتعيش وتفكر وتتصرف على أنها ذكر، فتختار عن وعي وعن قناعة وعن حب، العبور إلى الجنس الذي تستطيع أن تعيش به في سلام وانسجام مع ذاتها ومع روحها.
اقرأ أيضا: أول عملية تغيير جنس في الدار البيضاء: كيف حول الدكتور بيرو مهندس صوت إلى امرأة جميلة (الجزء الثاني)
وهناك المتحررون والمتحررات، ممن لا يضع (و)ن أنفسهم في أي خانة من الخانات مما سبق ذكره، ويرفض(و)ن كل تصنيف يحصر هويتهم في خانة تحتم عليهم الانصياع لها ولطقوسها. ويفضل(و)ن العيش في حرية مع جسدهم/هن باعتبارهم/هن المعنيي(ات)ن به.
مجتمع الميم الذي يضم هذه الفئات جميعا، يجتهد في تقديم فلسفة جديدة في فهم الهوية الجنسية والجندرية لأفراده المتعددين على مستوى الهوية والميول.
يرفضون ثقافة مجتمع، يصنف أفراده وفق مفهوم متقادم ومتجاوز، يصنع من الذكر رجلا على مقاس الثقافة الذكورية التي تحدد له أدواره التي يجب عليه أن يلعبها داخل المجتمع، ويحدد للمرأة أدوارا مختلفة كما يتمثلها المجتمع الذكوري إياه.
هكذا… وحين يخرج الذكر عن هذه القولبة، التي تعاكس هويته باعتباره ذا ميول جنسي مثلي، أو حين يلعب أدوارا، تعد حسب ثقافة المجتمع حكرا على الإناث من طبخ وكنس وخبز…إلخ، يتم الهجوم عليه، وتجريده من إنسانيته… ووصمه بنعوت حاطة بكرامته !
كذلك الشأن بالنسبة للمرأة… فقبل أن تصبح الأنثى امرأة، لا أحد يتصور أو يتخيل أن هذه الأنثى، التي يربيها المجتمع لتكون امرأة أو سيدة بيت أو زوجة لرجل أو أما لأولاد… هي ذات هوية جندرية ذكورية، تحب العمل المتعب، تفضل مخالطة الرجال والتنافس معهم في المهام، وتتمثل نفسها رجلا وقد تحلم أن تتصرف كرجل في علاقتها مع النساء.
“مجتمع الميم”، وإن وجد داخل مجتمع يرفضه، فهو ينتفض على تقاليد وقوالب المجتمع القيمية والمعيارية، التي تخنق حريته في البحث عن انتماء داخل الجسد الذي يرتاح فيه أو داخل المجتمع الذي ينتمي إليه.
إن المثلية الجنسية أكبر من أن نحصرها فقط في ميول جنسي، فهي قبل كل شيء نمط عيش (Mode de vie)، وميول عاطفي قبل أن يصل إلى الجنس وقد لا يصل إليه.
فداخل مجتمع الميم هناك ميولات متنوعة… فنجد المثلي “نصف جنسي” لا يمارس الجنس، إلا إذا توفر شرط الحب والعاطفة والتهييج العاطفي ليصل مع شريكه إلى الممارسة الجنسية.
كما نجد من بينهم… من له ميول مثلي عاطفي فقط، ولا يصل مع صديقه الحميم إلى الجنس، لاكتفائه عاطفيا وامتلاء رغبته مع نفس الجنس على الصعيد الروحي، دونما حاجة إلى الاتصال الجنسي.
كما أن هناك من بينهم… من يبحث عن الإشباع الجنسي، ولا تهمه العاطفة ولا يكترث للحب، فهو إلى المثيل له في الجنس، شبقي ويلهث لإشباع غريزته الجنسية مع نفس الجنس وحسب.
اقرأ لنفس الكاتب: بأي ذنب قتلت؟: أسئلة حول رسالة الإرهاب إلى المغرب
إن الوضع أعقد من أن نحصره في اتجاه تحديد هوية الشخص، حسب الجنس البيولوجي الذي خلق به، فنحكم على هذا رجل وهذه امرأة، بناء على المميزات البيولوجية، من توفر قضيب أو مهبل وأثداء، أو بناء على الأدوار الاجتماعية المعطاة لكل واحد ضمن توزيع الأدوار جزافا، ووفق منطق ذكوري صارم !
… ذلك أن الهوية الجندرية للشخص، تحددها ميولات الشخص وتمثله لذاته، هل هو مرتاح في هذا التصنيف، أم أنه يبحث له عن هوية يرتاح فيها، بعيدا عن التصنيف المجتمعي المتعسف منذ الطفولة، ومن خلال نظام التربية المتلقاة داخل البيت وفي المدرسة وداخل المجتمع.
ولهذا… فـ”مجتمع الميم”، وإن وجد داخل مجتمع يرفضه، فهو ينتفض على تقاليد وقوالب المجتمع القيمية والمعيارية، التي تخنق حريته في البحث عن انتماء داخل الجسد الذي يرتاح فيه أو داخل المجتمع الذي ينتمي إليه.