تاريخ الدواء: حين ألهمت الحيواناتُ الإنسانَ الطريقَ إلى معالجة أمراضه! 3/1 - Marayana - مرايانا
×
×

تاريخ الدواء: حين ألهمت الحيواناتُ الإنسانَ الطريقَ إلى معالجة أمراضه! 3/1هذه حكاية محاولات الإنسان القديم صناعة أدوية يعالج بها الأمراض التي تلم به...

أولى المحاولات لتدوين طرق العلاج وأنواع الأدوية، كانت في الصين قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف سنة، في دستور للأدوية تألف من 52 مجلدا تضمنت كل الأدوية المستعملة حينذاك.

يمرض الواحد منا هذه الأيام، فيشعر بالوهن ويفتقد نشاطه وإقدامه على الحياة، ثم بقرص دواء أو حقنة أو… يستعيد عافيته!

يبدو الأمر لوهلة كحركة سحرية. لكنه درب طويل ذاك الذي خاضه الإنسان، تقوده غريزة البقاء مستعينا بأدواته العلمية ليصل إلى ذلك…

… وللحكاية بقية، لا تزال المختبرات الطبية تكتبها.

في هذا الملف، نجول في كتاب الباحث الفلسطيني رياض رمضان العلمي؛ “الدواء… من فجر التاريخ إلى اليوم”، ومنه في تاريخ الدواء، لنتعرف على الدرب الذي ساره الإنسان لإيجاد طرق يعالج بها أمراضه…

منذ كان الإنسان على الأرض، حاول أن يعالج نفسه مما يؤلمه من أمراض بتناول أشياء قد تبدو لنا اليوم غريبة.

يندر أن نجد شيئا في الطبيعة لم يستخدمه الإنسان قديما لمعالجة أمراضه. هذه الأشياء الغريبة، قد تكون مسحوق قرن غزال، أو مخلب حيوان، أو فضلات له… وغير ذلك من أشياء لا تحصى.

اقرأ أيضا: صالون التجميل عند الشعوب الأولى.. هكذا بدأ الإنسان يهتم بجماله! 3/1

جولة في بعض المجتمعات البدائية اليوم، في أعماق إفريقيا أو أمريكا الجنوبية، تطالعنا بأدوية وعقاقير خاصة، تتوارثها بالتجربة والخبرة هذه المجتمعات جيلا بعد جيل.

تمتع السحرة والكهنة بنفوذ هائل استغلوا به بساطة الإنسان ليجربوا عليه مختلف الأدوية، المرة، والكريهة، والسموم القاتلة… كان مصير الإنسان، يومها، في كف القدر.

ولا غرابة أننا إذا عدنا، مثلا، إلى بردية إيبريس[1]، سنعثر فيها على أكثر من 700 دواء يعود إلى أزيد من 3500 عام، لا يزال بعضها مستعملا إلى اليوم.

بوسائله البسيطة وغريزته الفطرية، اكتشف الإنسان البدائي عددا من المواد الطبيعية التي يمكن استخلاص عناصر علاجية منها… كانت تلك غريزة الحياة!

على أن البدائي اعتقد أن الأمراض كانت تصيبه بسبب أرواح شريرة، ما جعله يلجأ إلى الشعوذة أو الاستعانة بتعاويذ وتمائم يطرد بها هذه الأرواح التي تسكن المريض.

نتيجة لذلك، ظهر السحرة والكهنة، الذين تمتعوا بنفوذ هائل استغلوا به بساطة الإنسان ليجربوا عليه مختلف الأدوية، المرة، والكريهة، والسموم القاتلة… كان مصير الإنسان، يومها، في كف القدر.

اقرأ أيضا: الطوطمية: هكذا قدّس الإنسان المغاربي القديم بعض الحيوانات… 2/1

سيطرت على أذهان الناس حينها الكثير من الأوهام والأساطير المتعلقة بفوائد النباتات والحشائش في معالجة بعض الأمراض…

اعتقدوا مثلا، أن نباتا تشبه جذوره شكل الإنسان، لا بد وأن يشفي جميع الأمراض. وهكذا، فإن ورقة نباتية تشبه الكبد، ستشفي الكبد؛ ثمرة نبات تشبه القلب، ستشفي القلب؛ نبات ينمو على الصخر، لا شك وأنه يفتت حصى الكلي… إلخ.

في ما بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين، العراق حاليا)، كان الطب لديهم بيد الكهنة مبنيا على السحر، حتى إنهم قدسوا الثعبان، الذي يرمز اليوم إلى الطب والصيدلة.

لكن الحكاية الحقيقية لمعالجة الأمراض، بدأت فعليا مع الحيوانات!

كانت الكلاب إذا شعرت بشيء يهم صحتها، تأكل أعشابا بعينها لتهدئة ما يؤلمها؛ القطط إذ تشعر بالتخمة، كانت تبحث عن النعناع وتأكله بنهم حتى تطرد الغازات من معدتها؛ وهكذا…

للحيوانات غريزة قوية، لاحظها الإنسان منذ بداياته، فاستدل منها على النباتات الصالحة والمفيدة لمعالجته.

منذ كان الداء والإنسان يبحث عن الدواء…

أولى المحاولات لتدوين طرق العلاج وأنواع الأدوية، كانت في الصين قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف سنة، في دستور للأدوية تألف من 52 مجلدا تضمنت كل الأدوية المستعملة حينذاك.

الصينيون عزوا الأمراض إلى الحر والبرد والجفاف والرطوبة… أمراض الصدر تحدث في الشتاء، والحميات في الخريف، والأمراض العصبية في الربيع، والأمراض الجلدية في الصيف.

هؤلاء تفردوا عن غيرهم، بتجربة الأعشاب على أنفسهم دون تجربتها على الحيوان أولا.

أشهر من مارس الطب لدى الفراعنة، كان أمحوتب، عام 2900 ق.م، والذي اعتبروه إلها فأقاموا له المعابد والتماثيل وقدموا له القرابين… أمحوتب، بالمناسبة، يصفه البعض بمؤسس علم الطب وبأول طبيب في العالم.

أما في ما بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين، العراق حاليا)، فالطب لديهم كان بيد الكهنة مبنيا على السحر، حتى إنهم قدسوا الثعبان، الذي يرمز اليوم إلى الطب والصيدلة.

مع ذلك، شجع الحاكم البابلي حمورابي على التعامل بالأدوية، وأصدر قانونا يحدد أجر الطبيب ومسؤوليته في حال وقوع أي خطأ.

ورد في ألواح البابليين ما يناهز 350 دواء، نظموها في طريقة مبتكرة لدراسة الأعشاب؛ فخصصوا إذ دونوها عمودا لاسم العشب، وآخر لاسم المرض، والثالث لطريقة تحضير الدواء، ثم احتوى رابع… على الإرشادات وكيفية استعمال الدواء.

أما لدى قدماء المصريين، الحضارة التي تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عاما قبل الميلاد، فنجد الطب في البداية خليطا من السحر والشعوذة والطلاسم…

اقرأ أيضا: زكية حادوش: الصيدلي إسكوبار… في الصحةِ والصيدلةِ وقوانينِ عام الفيل!

لكن أشهر من مارس الطب عندهم، كان أمحوتب، عام 2900 ق.م، والذي اعتبروه إلها فأقاموا له المعابد والتماثيل وقدموا له القرابين… أمحوتب، بالمناسبة، يصفه البعض بمؤسس علم الطب وبأول طبيب في العالم.

الاكتشافات الهيروغليفية تدل على ازدهار علوم الطب والصيدلة لدى المصريين القدماء، كما أنه عثر على سجلات تخصهم تحتوي على العديد من الأدوية الشافية وطرق تحضيرها وكيفية استعمالها، وقد أظهرت الحفريات أيضا وجود آلات جراحية تدل على تقدم فن الجراحة عندهم.

كان من أهم إنجازات أبقراط فصل الطب عن الدين؛ إذ يعود له الفضل في نقل طرق الشفاء من عهد السحر والشعوذة إلى عهد الملاحظة والتجربة، واعتبار الأمراض مجرد ظواهر طبيعية.

ببساطة، ما من دليل على باع هذه الحضارة في علمي التشريح والكيمياء، أكثر من براعة الفراعنة في التحنيط.

اشتهر الفراعنة أيضا بإقامة مدارس خاصة لتعليم الطب، استقطبت العديد من “علماء” العصر…

الأطباء حينها كانوا يتقاضون رسوما باهظة من المرضى، وكان على المريض إذا شافاه الطبيب -وفق ما يحكى- أن يحلق شعر رأسه، ويزن مقابل وزنه ذهبا أو فضة للطبيب الذي عالجه.

من جانبهم، اشتهر الإغريق أيضا بباع طويل في حقلي الطب والصيدلة.

اقرأ أيضا: اليوثانية أو “القتل الرحيم”: حين يصبح الطبيب أخطر رجل في الدولة 2/1

يكفي أن نذكر لديهم أبو الطب “أبقراط”، الذي كان من أهم إنجازاته فصل الطب عن الدين؛ إذ يعود له الفضل في نقل طرق الشفاء من عهد السحر والشعوذة إلى عهد الملاحظة والتجربة، واعتبار الأمراض مجرد ظواهر طبيعية.

أبقراط ألف أزيد من 60 كتابا في الطب، وابتكر الكثير من الآلات الجراحية، ولم يحبذ استعمال الدواء إلا في الحالات القصوى، مع أنه ذكر أكثر من 235 دواء وعشبا، كان يحضرها بنفسه.

اشتهر أبقراط بعدم اهتمامه بالربح المادي، وبأخلاقه السامية والمعاملة الحسنة، وهو واضع قسم أبقراط الشهير، الذي يلتزم به الأطباء حتى أيامنا هذه.

أما العرب، المسلمين بشكل خاص منهم بعد ذلك، فكان لهم اهتمام كبير بالطب والصيدلة وأثر بالغ في تطويره، يمكنكم العودة إلى حكاية ذلك بشكل مفصل في ملف البيمارستان على مرايانا.

في الجزء الثاني نرى كيف تحولت الصيدلة من أدوية يحضرها الطبيب لمريضه إلى صناعة تدر الملايير.

لقراءة الجزء الثاني: تاريخ الدواء: الصيدلة… من أدوية يحضرها الطبيب لمريضه إلى صناعة تدر الملايير 3/2

لقراءة الجزء الثالث: تاريخ الدواء: الأبحاث الدوائية… لماذا تظل الأمراض غير القابلة للشفاء… غيرَ قابلة للشفاء؟ 3/3


[1]  إحدى البرديات الطبية المصرية التي تتحدث عن الأعشاب. يعود تاريخها إلى  عام 1550 ق.م. هذه البردية سميت باسم رجل اشتراها في القرن الـ19م يدعى جورج إيبريس، وتوجد اليوم في مكتبة جامعة لايبتزيغ بألمانيا.
تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *