#ألف_حكاية_وحكاية: سكر علني - Marayana - مرايانا
×
×

#ألف_حكاية_وحكاية: سكر علني

في الجناح القديم بالحي الجامعي أغدال بالرباط، كانت تسكن الغالية وصديقتاها حبيبة وسارة. كن طالبات في كلية الآداب بالرباط شعبة الفلسفة تخصص علم نفس. كانت الغالية أجرؤهن. هي التي تناقش …

في الجناح القديم بالحي الجامعي أغدال بالرباط، كانت تسكن الغالية وصديقتاها حبيبة وسارة.

كن طالبات في كلية الآداب بالرباط شعبة الفلسفة تخصص علم نفس. كانت الغالية أجرؤهن. هي التي تناقش الطلبة المتسيسين وتحضر حلقيات النقاش.

لم تكن تنتمي إلى تيار معين لأنها لا تثق بأحد. الأحزاب بالنسبة لها تورطت كثيرا في لعبة المخزن تحت ذرائع السلم الإجتماعي والوحدة الوطنية. أما بقايا اليسار، فهي لا تعدو حماسة شباب وبقايا يوتوبيا المجتمع اللاطبقي. ثم إن مناضليه بمجرد مايتخرجون ويعملون، يلتحقون بالأحزاب التي كانوا يعادونها.

ماذا سيحدث إن شربن في العلانية؟ سيهتز عرش الرحمان؟ هل يترك الرحمان شؤون الخلق والكواكب والمجرات ليراقب ثلاث فتيات في حي أغدال يشربن قارورة نبيذ لكي يسترخين قليلا من ضغط الدراسة والحياة؟

كانت الغالية تشرح الأمور السياسية لصديقتيها اللتين لا تهتمان إلا بفرويد وباللاوعي.

كانت حبيبة تقول إن لاوعي المغاربة مملوء بالفوارق وبالطبقية ولن يتغيروا إلا بعد تحليل نفساني جماعي مكثف.

أما سارة، فقد كانت تعلن مساندتها لمجتمع الفوارق وتتمنى أن تنهي دراستها على خير وتفتح عيادة للعلاج النفسي تدر عليها ربحا معقولا. كانت تقول إن أمراض المغاربة لا يقدر عليها طبيب وأن المطلوب هو إعادة برمجة المغاربة من الأساس لكي يتناسبوا وتطورات العصر في العالم.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: موكب من نوع خاص جدا

كن دائما مختلفات في الرأي طيلة الأسبوع. يتحدن يوم السبت وبالضبط مساء، موعد السكرة الأسبوعية. كن يشربن كل ليلة سبت.

انتباذ النساء في المغرب ليس عملية سهلة، فهي تتطلب لوجيستيك معقدة. أولا، فهن يحتجن رجلا ليشتري الخمر من “البيسري”. لا تريد الصديقات الثلاث أن تعرضن أنفسهن لوقاحة الزبناء. يشتري لهن صديق زجاجتي نبيذ، وبعدها يعهدن إلى الغالية بمهمة إخفاء مفتاح الغرفة.

يلزمهن إخفاء المفتاح لكي لا يخرجن وهن سكرانات. إخفاء المفتاح كان هو الحل لكي لا يتعرضن لمحضر سكر علني وطرد مؤكد من الحي الجامعي الذي نلنه بعد سنتين من السكن في الحي الجامعي مولاي إسماعيل. لم تكنّ مستعدات لخسران مكانهن في الحي الأنيق أغدال.

هناك سوء تفاهم وجودي بين النساء والرجال. النساء يسعين إلى الحب الأثيري، إلى صدق المشاعر، فيما الرجال تقودهم الحواس وعضوهم التناسلي

تبدأ السهرة في الغرفة 254 بوصلة غناء الشيخ إمام، حسب رغبة الغالية التي تقول إن الشيخ يبعث بداخلها رغبة في الحرية، في الإنطلاق وفي رجم المجتمع الطبقي، الذكوري العبودي. تشرب لكي تلعن قيود ذلك المجتمع. المجتمع الذي يفرض على بنات أن ينتبذن في السر. ماذا سيحدث إن شربن في العلانية؟ سيهتز عرش الرحمان؟ هل يترك الرحمان شؤون الخلق والكواكب والمجرات ليراقب ثلاث فتيات في حي أغدال يشربن قارورة نبيذ لكي يسترخين قليلا من ضغط الدراسة والحياة؟

لم تكن الصديقات من نوع البنات اللواتي يخرجن ويركبن السيارات التي تصطف أمام الحي. كن يعتبرن تلك الأفعال دعارة صريحة.  لم يكنّ من النوع الذي يريد السهرات في أماكن الرقص في أغدال وغيره. متعتهن هي أن يشربن كأسا ويتناقشن في أمور السياسة واللاوعي الفردي والجماعي.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الشيخ “لـ” والحريم: دعارة حلال؟

كانت سارة ترى أن الرجال يعرفون الحب والنساء كذلك، لكن المجتمع يكبلهم بضرورة تشكيل أسرة والإنجاب. هكذا، يطير الحب ويستقر الواقع السمج. طبيعة المجتمع هي التي تفسد الحب وليس هوية الرجل أو المرأة.

بعد الشيخ إمام، تتواصل الوصلة الطربية بأم كلثوم. كانت حبيبة تهيم حبا بأم كلثوم وخاصة بأغنية “حب إيه” التي تمثل الرجال العرب البعيدين عن الحب والذي لا يطالونه حتى في الخيال. كانت تعتبر أن لا رجلا يستحق الحب.

هناك سوء تفاهم وجودي بين النساء والرجال. النساء يسعين إلى الحب الأثيري، إلى صدق المشاعر، فيما الرجال تقودهم الحواس وعضوهم التناسلي. لهذا، فالنساء والرجال لا يلتقيان. وحين يلتقيان، يعيشان الإشتعال وبعده التعاسة.

كانت سارة تختلف مع حبيبة وترى أن الرجال يعرفون الحب والنساء كذلك، لكن المجتمع يكبلهم بضرورة تشكيل أسرة والإنجاب. هكذا، يطير الحب ويستقر الواقع السمج. طبيعة المجتمع هي التي تفسد الحب وليس هوية الرجل أو المرأة.

تتواصل السهرة بعبد الحليم، الملاك بالنسبة لسارة والذي مثل المراهقين والمراهقات في جموحهم وميلهم إلى التوباوية  والأحلام الكبيرة.

اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: علي أكوباش، امرأة بجسد رجل…

كانت السهرة  تتواصل على إيقاع الغناء والنقاش، وبعدها تنام البنات. في إحدى الليالي، سهرن حتى الصباح وكن سكرانات بعد أن شربن أكثر من العادة. طلبت حليمة من الغالية أن تفتح لها الباب لتذهب إلى المرحاض، لكن هاته الأخيرة نسيت أين وضعت المفتاح. فتشت في كل مكان في الغرفة، تحت الوسائد وفي الدولاب بدون فائدة.

بقيت البنات حبيسات الغرفة ليوم كامل… بعدها، تخلين عن السكر السري وصرن يذهبن لحانات أغدال حيث يقابلن رجالا ويركبن سيارات فاخرة دون أن يعتبرن ذلك دعارة صريحة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *