كريمة أحداد: “بنات الصبار” محاكمة للعقلية الذكورية - Marayana - مرايانا
×
×

كريمة أحداد: “بنات الصبار” محاكمة للعقلية الذكورية

“بنات الصبار” رواية تنقلك إلى عوالم إنسانية متشابكة ومعقدة، تعيش عبرها مع مختلف الشخصيات تعقد مشاعرهم، تشابك علاقاتهم، أحلامهم، إحباطاتهم، ومخاوفهم. تتطرق الرواية لمواضيع الحب والعلاقات الإنسانية، لكن أيضا لتيمات …

“بنات الصبار” رواية تنقلك إلى عوالم إنسانية متشابكة ومعقدة، تعيش عبرها مع مختلف الشخصيات تعقد مشاعرهم، تشابك علاقاتهم، أحلامهم، إحباطاتهم، ومخاوفهم.

تتطرق الرواية لمواضيع الحب والعلاقات الإنسانية، لكن أيضا لتيمات آنية من قبيل نقاش الحريات الفردية، المساواة في الإرث وتحديدا موضوع التعصيب، الحراك الذي عرفته مدينة الحسيمة، سؤال الهوية والعلاقة بالوطن واللغة، إلى غيرها من المواضيع المجتمعية التي تطرقت لها الروائية بأسلوب روائي ممتع، بعيد عن الخطابة النضالية.

مرايانا أنجزت هذا الحوار مع كاتبتها، كريمة أحداد، وهي روائية شابة من مواليد سنة 1993 بمدينة الحسيمة (شمال شرق المغرب). تشتغل كريمة أحداد في الصحافة، وقد حصلت مجموعتها القصصية “نزيف آخر الحلم” على جائزة اتحاد كتاب المغرب سنة 2015.

1- تتطرق الرواية لتطورات ونقاشات مجتمعية مهمة مثل المساواة في الإرث، الأمهات العازبات، الحريات الجنسية… لكن في قالب أدبي ممتع ومشوق. هل تعتقدين أن الأدب يمكن أن يساهم في التوعية بمجموعة من القضايا وبالتالي المساهمة في تغيير العقليات؟

كريمة أحداد

أظنّ أن الأدب كان دائماً مرآةً للمجتمعات. الكاتب الروسي نيكولاي غوغول مثلاً كتب روايته “المعطف” للحديث عن مأساة الإنسان الروسي الفقير ومعاناته من البرد من خلال تفصيلٍ صغير جدا هو قصّةُ رجلٍ اسمه أكاكي أكاكيفيتش مع معطفه القديم ومحاولته شراء واحدٍ جديد، وذلك في قالبٍ أدبي ساخر.

كما كان أدبُ نجيب محفوظ أيضاً مرآة للمجتمع المصري خلال القرن العشرين، متناولاً مشاكل هذا المجتمع وقضاياه السياسية والاجتماعية والثقافية ووضعية النساء، من خلال قصص ممتعة ومشوقة لشخصياتٍ قد تكون موجودةً في الواقع.

الحسيمة مدينة مهمّشة ومنسية، تكاد تكون شبه غائبةٍ حتى في الأدب المغربي، واختيارُها كفضاءٍ للرّواية قد يكون، حتى ولو بدون قصد، نضالاً لإخراج الأدب من فضاءات المدن الكبرى

دور الأدب، بالنسبة لي، لا يمكن اختزاله في النّضال من أجل التغيير، فهو، بالدرجة الأولى، جماليةٌ أدبية تحقّق للقارئ نوعاً من المتعة والمعرفة وتخلق لديه مشاعرَ جديدة لم يختبرها من قبل.

صحيح أنني لا أقارب الرواية كنوع أدبي يسعى لتمرير أفكارٍ ما، لكنّنا في الرّواية نحكي قصصاً، وفي الرّواية الواقعية نحكي قصص شخصياتٍ قد تتقاطع مع أشخاص حقيقيين، بتفاصيلهم وهمومهم وأفراحهم الصغيرة.

لذلك، أعتقد أنّ الأدب له قدرةٌ تغييرية مذهلة؛ فالكتاب يلعبون دوراً كبيراً في خلق الوعي لدى القراء بقضايا عصرهم، وفي الارتقاء بالمشاعر الإنسانية وشفاء الجروح وتحفيز الخيال. كلّ هذا بفضل تلك المساحة الشاسعة التي يتيحها الأدب لخلق القدرة على التعاطف مع الآخرين.

اقرأ أيضا: ميمون أم العيد: صناعة الوعي ليست مهمة الأدب

وبما أنّ فضاء روايتي هو المجتمع المغربي بصفةٍ عامّة، والشخصيات الرئيسية داخلها نساءٌ مغربيات داخل مجتمع ذكوري، فلا يمكن مثلا، أن لا أتناول قضايا كالتحرّش والحرمان من الحقّ في التعليم والحرّيات الجنسية، لأنها تشكّل جزءاً كبيراً من حيوات هؤلاء النساء.

2- معظم الشخصيات النسائية في الرواية قوية تتحكم في مصيرها واختياراتها. حتى تلك التي تكون خنوعةً أو سلبية في البداية، تأخذ زمام الأمور في النهاية لتتحكم في أقدارها؛ بينما الشخصيات الذكورية سلبية، تتهرّبُ من اتخاذ القرارات الحاسمة. هل هو انتقامٌ من العقلية الذكورية السائدة وتحكم الرجال في مصائر النساء؟

في رأيي، “بنات الصبّار” محاولةٌ لتصحيح تلك الصورة النمطية التي تعتبر النّساء المغربيات ضعيفات وخانعات وتابعاتٌ للرجال، مقابل اعتبارها للرجال “ملائكة” لا يُلامون على تصرّفاتهم كيفما كانت.

خلال حياتي، رأيتُ نساءً قويات كثيرات، متفوقات، يتحمّلن المسؤولية، يشتغلن بتفانٍ، ورأيتُ رجالاً ينتظرون أن تأتيهم زوجاتهم أو أخواتهم بلقمة العيش، ومع ذلك يتحكمون بمصائرهنّ وحياتهن.

العقلية الذكورية تجعلهم مثاليين لمجرّد كونهم ذكوراً، بينما تحاسب النساء لمجرّد كونهنّ إناثاً.

اقرأ أيضا: دروس روزاليندا لمصطفى فهمي، رحلة تأمل الذات والآخر

الرّوايةُ محاكمةٌ لهذا الواقع ولهذه الصورة النمطية وللعقلية الذكورية التي تضعُ النساء في خانةٍ أقلّ من الرجال، بالرغم من أنهنّ أحيانا، يقمن بمجهودٍ مضاعف من أجل امتلاك القدرة على التحكم في مصائرهنّ، والحرّية في التصرّف بحيواتهنّ كما شئن، لأنّهن دائماً موضعُ اتهام وأحكامٍ مسبقة.

3- كيف جاء اختيار فضاء الحسيمة؟ هل كان ذلك متعمّداً للحديث عن الحراك الذي دار هناك، أم أنّه نضالٌ من نوعٍ آخر كي نخرج من فضاءات المدن الكبرى؟

الحسيمة مدينة مهمّشة ومنسية، تكاد تكون شبه غائبةٍ حتى في الأدب المغربي، واختيارُها كفضاءٍ للرّواية قد يكون، حتى ولو بدون قصد، نضالاً لإخراج الأدب من فضاءات المدن الكبرى.

اختياري لمدينة الحسيمة جاء، أولاً، لأنها المدينة التي أنتمي إليها، إذ وُلدت ونشأتُ فيها وقضيتُ فيها أكثر مما قضيتُ في الرّباط والدار البيضاء وطنجة… ما يعني أنّني على معرفةٍ جيدةٍ بفضائها وناسها والتحولات التي طالتها من ناحية العقليات والنظرة إلى النساء والموقف من العالم…

دور الأدب  لا يمكن اختزاله في النّضال من أجل التغيير، فهو، بالدرجة الأولى، جماليةٌ أدبية تحقّق للقارئ نوعاً من المتعة والمعرفة وتخلق لديه مشاعرَ جديدة لم يختبرها من قبل

ثانيا، لأنّ هذه المدينة كانت شبه مجهولة بالنسبة للكثيرين قبل أن يأتي حراك الريف، الذي جعل منها موضوع حديث وسائل الإعلام العالمية. هذا الحدثُ، بالنسبة لي، مرآةٌ لتحولاتٍ كثيرة طرأت على المجتمع الريفي المحافظ، ولوعيه الجديد ونظرته للنساء. إذ رأينا كيف خرجت نساءٌ كثيرات إلى جانب الرجال من أجل الثورة على الفساد والمطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية.

الحراكُ الاجتماعي بالريف، بالنسبة لي، مظهرٌ من مظاهر الوعي والصّراخ في وجه الظلم والتهميش واللاعدالة، وهي الفكرةُ الأساسية التي تتناولها قصص “بنات الصبّار”، هؤلاء النساء اللواتي يقلن “لا” للظلم واللامساواة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *