”غني مثل الملك”… رواية الحب المستحيل في ”كازا” المثقلة بتناقضاتها - Marayana - مرايانا
×
×

”غني مثل الملك”… رواية الحب المستحيل في ”كازا” المثقلة بتناقضاتها

من الحيف الربط دائما بين تصوير اختلالات المغرب والفوارق الاجتماعية الصارخة فيه بالرغبة في التودد للغرب ونقل الصورة القاتمة التي يحبها عنا. في خروج إعلامي لها، أقرت أبيغايل أسور أن المغرب حقق تقدما ملموسا، لكن لا يمكنها أن تسكت عن المشاكل التي تمنعه من أن ينهض ويخرج من محافظته.

الرواية الأولى للمغربية أبيغايل أسور، صدرت يناير الماضي عن دار النشر الفرنسية غاليمار، ومرشحة ضمن اللائحة النهائية لجائزة الغونكور.

“سارة”، بطلة الرواية، فرنسية سيرميها القدر رفقة أمها من كان، جنوب فرنسا، إلى الحي المحمدي، قرب كريان سنطرال، بعد احتيال ديديه (Didier) عليهما وتبخر وعد الاستثمار والعيش الرغيد في المغرب. وحدها جنسيتها من ستحفظ لها كرامة الدراسة في المدرسة الثانوية الفرنسية بجانب الأثرياء.

بينما كانت مُعدمةً وابنة لأم ترافق الرجال أكثر من شيء آخر، كان ملاذ سارة الأخير هو إغواء ”إدريس”، الغني الانطوائي القبيح الذي كان يملك كل شيء، لقد كان غنيا مثل الملك.

أنفا، عين الذياب، درب غلف، كريان سنطرال، الحي المحمدي، المعاريف… جغرافية السرد لا يمكن سوى أن تشعل كل العواطف والذكريات في ذهن كل بيضاوي أو من وسمت الدارالبيضاء حياته بعناد.

تدور أحداث الرواية  خلال التسعينات حيث المدينة حافلة بتناقضاتها.

لقد جسدت شخصيات بدر، شيرين، ألان، إدريس، كاميل، هذه البرجوازية البيضاوية الغارقة في خمولها واستهلاك المخدرات واستغلال المسحوقين.

سارة وإدريس… غرام بين بؤس الحي المحمدي ونعيم أنفا

لم تجسر سارة على الاعتراف بوضعيتها الاجتماعية، لكي لا تمشي ساعتين من منزلها إلى الثانوية الفرنسية ولا تفقد صداقتها مع أثرياء المدينة.  لم يكن ادريس في عيونها سِوى مصعدا اجتماعيا مؤنسنا، لو صعدته كاملا لامتلكت الفيلا، وطردت الخادمات متى شاءت، وتركت يحيى يدخن “جواناته” وحيدا وعبد الله يصفع ببذائته الريح.

”لا يمكن أن نحب دون ريح، دون موسيقى، دون خطر، دون بطل… دون أن نكون في الضفة الأخرى من المحيط”، عندما أوقعت سارة إدريس في شباكها، صارت تحلم حتى بأن تذهب إلى أمريكا حيث تصل حاويات مصنع عائلة إدريس في سيدي مومن إلى ميناء نيويورك.

كازا التسعينات… الغني يحكم الفقير والكل يحكمه الملك

أوحت لنا الثلاثية  السينمائية لنور الدين لخماري أن كازا قد لا تنام أبدا، لا تغفو سوى لتتكئ على ركام بؤسها وتناقضاتها وأحلامها وأهاتها القادمة من ”الماكانا” و”فريميجة”، لا يريد أحد أن يعرف أثر الفينيقيين هنا قبل  200 ألف سنة  أو معنى كلمة ”أنفا” أو مشروع المدينة الذكية؛ هذه الدار البيضاء  المتأنقة الطموحة… يحلم بها الإعلام المهادن فقط.

”إدريس، ذلك العملاق الذي قبلته للتو، بماله، لا أمن، ولا قوانين بعد هذا اليوم، القانون هما من سيصنعانه، هكذا فكرت سارة”. في الرواية، يشتري الأغنياء كل شيء. الشرطي يصمت عن قبلة عابرة لإدريس وسارة، عائلة بن شقرون تشتري صمت عائلة يحيى بعد دهس أخيه، والفيلا تصبغ بلون عمران مراكش… حتى في مدينة تدعى ”البيضاء”.

”في هذا البلد، هناك دائما من يسيطر عليك. السيطرة هي لغة رسمية. أقسم لك”. أشارت الكاتبة بشكل خاطف وبالكثير من الثورية للجو السياسي المخنوق الذي ساد في سنوات الرصاص، حيث أشارت للتعذيب في درب مولاي علي الشريف والهالة التي كانت تلازم صورة الملك كرمز للثراء والسلطة.

بين اتهامات ”الفلكلرة” وحلم جائزة الغونكور المرموقة

الطاهر بن جلون، ليلى سليماني وغيرهم، ما أكثر الأدباء المغاربة الذين لازمهم عتاب ”الفلكرة” (الكتابة عن مغرب ”فلكلوري”؛ ذلك العالم الغرائبي البعيد،  الغارق في تخلفه ومحافظته وتقاليده،  لإرضاء الناشرين الفرنسيين).

”سأذهب إلى فرنسا، يبدو أن كل الناس سواسية هنالك”، رغم رمزية وقوة هذه العبارة مثلا في الرواية، إلا أنه من الحيف الربط دائما بين تصوير اختلالات المغرب والفوارق الاجتماعية الصارخة فيه بالرغبة في التودد للغرب ونقل الصورة القاتمة التي يحبها عنا. في خروج إعلامي لها، أقرت أبيغايل أسور أن المغرب حقق تقدما ملموسا، لكن لا يمكنها أن تسكت عن المشاكل التي تمنعه من أن ينهض ويخرج من محافظته.

ترشيح أسور للغونكور يأتي بعد أيام من ترشيح المغربي عبد المجيد سباطة أيضا للائحة النهائية لجائزة البوكر. لنرجو للكاتبين المغربيين حظا موفقا، باستعارة شعار جمهور كرة القدم في المغرب: جيبوها، جيبوها تفرح المغاربة، خصوصا القراء… المتعلمين بتوع المدارس.

مقالات قد تهمك:

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *