الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… انتصار الإيديولوجيا! 5/5

بعدما تطرقنا في الأجزاء الأول، الثاني، الثالث والرابع لبعض تفاصيل شخصية صلاح الدين الأيوبي من خلال عدد من المصادر التاريخية (السنية أساسا)، نواصل في هذا الجزء، الخامس والأخير، استكشاف بعض هذه التفاصيل… ونتابع هنا من حيث أنهينا الجزء الرابع: من حكاية تخلف صلاح الدين عن دعم الملك نور الدين زنكي في محاربة الصليبيين.

يقول ابن الأثير في حوادث 569هـ: “وكان [نور الدين محمود بن زنكي] قد شرع يتجهّز للدخول إلى مصر لأخذها من صلاح الدين يوسف بن أيوب، فإنه رأى منه فتوراً في غزو الفرنج من ناحيته، وكان يعلم أنه إنما يمنع صلاح الدين من الغزو الخوف منه ومن الاجتماع به، فإنه يؤثر كون الفرنج في الطريق ليمتنع بهم على نور الدين، فأرسل إلى الموصل وديار الجزيرة وديار بكر يطلب العساكر للغزاة، وكان عزمه أن يتركها مع ابن أخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل بالشام، ويسير هو بعساكره إلى مصر، فبينما هو يتجهّز لذلك أتاه أمر الله الذي لا مردَّ له”[1].

طغت هذه الصورة على باقي الصور، وجعلت صلاح الدين يرتقي في مخيال شعبي تكون على ضوء الصراع المذهبي، همش نورالدين زنكي الذي واجه الصليبيين، وهمش المماليك الذين أعادوا القدس بشكل نهائي للرقعة “الإسلامية”

يضعنا هذا النص أمام صورة أخرى لصلاح الدين، فما معنى أن يترك نورالدين زنكي قتال الصليبيين ويعزم على طرد صلاح الدين من مصر؟ إننا هنا أمام صورة مغايرة لما درجت الكتابات المعاصرة على تصويره عن صلاح الدين.

إقرأ أيضا: تاريخ الحج قبل الإسلام: بين القطيعة والاستمرارية 1\3

إذا كان صلاح الدين قد تمكن من تحقيق انتصار نسبي في معركة حطين، حيث دخل للقدس، فإنه سرعان ما سينهزم في معركة أرسوف سنة 1191، ليبادر إلى عقد صلح الرملة مع الصليبيين سنة 1192 تخلى بموجبها عن ساحل الشام كاملا؛ ما جعل الملك فليب أغسطس يعتبر أن الطريق إلى القدس قد بات مفتوحا مجددا، وهو فعلا ما حدث بعد حوالي عقدين من الزمن عندما استرجع الصليبيون القدس من يد العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي. أما ريتشارد قلب الأسد فقد أصبح صديقا لصلاح الدين بعد ما كان بينهما من صولات وجولات وإزهاق للأرواح.

صورة مؤدلجة غطت على الصورة الواقعية؟

يقودنا استعراض ما سبق إلى التساؤل حول سبب الهالة التي أحاطت بصلاح الدين الأيوبي، وكيف تحول إلى نجم غطى على الآخرين، رغم أن استقراء المصادر التاريخية السنية والتي كانت موالية له، يجعلنا نشكل صورة مختلفة.

سينهزم صلاح الدين في معركة أرسوف سنة 1191، ليبادر إلى عقد صلح الرملة مع الصليبيين سنة 1192 تخلى بموجبها عن ساحل الشام كاملا؛ ما جعل الملك فليب أغسطس يعتبر أن الطريق إلى القدس قد بات مفتوحا مجددا، وهو فعلا ما حدث بعد حوالي عقدين من الزمن

الجواب يكمن ببساطة في كون صلاح الدين الأيوبي قضى على الفاطميين الشيعة، لقد طغت هذه الصورة على باقي الصور، وجعلته يرتقي في مخيال شعبي تكون على ضوء الصراع المذهبي، همش نورالدين زنكي الذي واجه الصليبيين، وهمش المماليك الذين أعادوا القدس بشكل نهائي للرقعة “الإسلامية”، في حين أعلي من شان صلاح الدين الذي قضى على الفاطميين. طغى الإيديولوجي على التاريخي، وتم تغييب وعي هذه الشعوب التي ظلت تصدح باسم محرر لم يحرر شيئا، ما يكشف الحاجة إلى قراءة تاريخنا قراءة نقدية بعيدة كل البعد عن التزييف الأيديولوجي المغيب لوعي لازال يعاني من هيمنة ماض لم يتحقق إلا على صعيد الوجدان.

إقرأ أيضا: في مكة والجاهلية والحج: قصي بن كلاب يؤسس المدنس على المقدس

تنويه: تعتبر حركات الإسلام السياسي والجهادي أكثر الحركات استعمالا لرمزية صلاح الدين، وتوظفه في ترويج خطاب عدائي لليهود بشكل خاص، يمزج بين الصهيونية واليهودية، لكن ما تتجاوزه هذه التيارات هو أن صلاح الدين هو من سمح لليهود بالعودة للسكن في القدس بعد أن كان قد منعهم عنها عمر بن الخطاب، صورة أخرى تفضح التوظيف الأيديولوجي لشخصية صلاح الدين الأيوبي.

ملحوظة: فضلنا ادراج النصوص الأصلية كما ساقها أصحابها تلافيا لأي اتهام كيفما كان.

[1] – ابن الأثير، مرجع سابق، ص 56.

لقراءة الجزء الأول: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… كما رسمته المصادر الإسلامية السنية 1/5

لقراءة الجزء الثاني: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… سر الخلاف مع الملك نور الدين 2/5

لقراءة الجزء الثالث: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… الانقلاب على نور الدين وخلع العاضد3/5

لقراءة الجزء الرابع: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… مُلك مصر أهم من حرب الصليبيين! 4/5