الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… سر الخلاف مع الملك نور الدين 2/5
قد يحاول البعض نفي الرغبة في الحفاظ على الملك عن صلاح الدين، إلا أن النص الثاني الذي أورده ابن الأثير يكشف عن هذا الأمر
في الجزء الأول من هذا الملف، توقفنا عند علاقة صلاح الدين الأيوبي بكل من الخليفة الفاطمي العاضد، والملك نور الدين زنكي، بحسب ما أوردته الكثير من المصادر.
في الجزء الثاني، نواصل اقتفاء أثر الحكاية، واستكشاف شخصية صلاح الدين الأيوبي وعلاقته بنور الدين زنكي من خلال نصين أساسين.
النص الأول مقتبس من كتاب الروضتين، وهو مؤرخ موالي لصلاح الدين، ومع ذلك نجد فيه نصا هاما عن محادثة دارت بين صلاح الدين ووالده، عقب ورود الخبر بعزم نور الدين زنكي القدوم لمصر وعزل الناصر للملك العاضد يوسف بن أيوب المعروف بصلاح الدين الأيوبي، لتقاعسه عن قتال الصليبيين.
يقول صاحب الروضتين: “فبلغ الخبر صلاح الدين فجمع أهله وفيهم والده نجم الدين وخاله شهاب الدين الحارمي، ومعهم سائر الأمراء، وأعلمهم ما بلغه من عزم نور الدين على قصده وأخذ مصر منه، واستشارهم فلم يجبه أحد منهم بشيء. فقام ابن أخيه تقي الدين عمر وقال: إذا جاءنا قاتلناه وصددناه عن البلاد، ووافقه غيره من أهله. فشتمهم نجم الدين أيوب وأنكر ذلك واستعظمه، وكان ذا رأي ومكر، وكيد وعقل، وقال لتقي الدين: اقعد، وسبه، وقال لصلاح الدين: أنا أبوك وهذا شهاب الدين خالك، أتظن في هؤلاء كلهم من يحبك ويريد لك الخير مثلنا؟ فقال: لا، فقال: والله لو رأيت أنا وهذا خالك نور الدين لم يمكنا إلا ان نترجل اليه ونقبل الأرض بين يديه، ولو أمرنا بضرب عنقك بالسيف لفعلنا، فإذا كنا نحن هكذا كيف يكون غيرنا، وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه، لا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه، وهذه البلاد له، وقد أقامك فيها، فإن أراد عزلك فأي حاجة به الى المجيء؟”.
يقول صاحب الروضتين: (…) وكل من تراه من الأمراء والعساكر لو رأى نور الدين وحده لم يتجاسر على الثبات على سرجه، لا وسعه إلا النزول وتقبيل الأرض بين يديه، وهذه البلاد له، وقد أقامك فيها، فإن أراد عزلك فأي حاجة به الى المجيء؟
(…..) ولما خلا نجم الدين أيوب بابنه صلاح الدين قال: أنت جاهل قليل المعرفة، تجمع هذا الجمع الكبير وتطلعهم على ما في نفسك، فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه من البلاد جعلك أهم الأمور إليه وأولاها بالقصد، ولو قصدك لم تر معك من هذا العسكر أحدا، وكانوا أسلموك إليه، وأما الآن بعد هذا المجلس، فسيكتبون إليه ويعرفونه قولي، وتكتب أنت إليه وترسل في هذا المعنى وتقول: أي حاجة إلى قصدي؟ يجيء نجاب يأخذني بحبل يضعه في عنقي، فهو إذا سمع هذا عدل عن قصدك واشتغل بما هو أهم عنده، والأيام تندرج، والله في وقت في شأن”[1]
إقرأ أيضا: هل تعرف أن إيران ليست بمهد للتشيع وأنها كانت تعتنق يوما ما المذهب السني؟ 2/1
نستشف من هذا النص حقيقة نوايا صلاح الدين ووالده، اللذين كانت لهما حسابات أخرى تجاه نور الدين زنكي الذي وثق بهما، خاصة أنه اشترط على والد صلاح الدين الولاء والسمع والطاعة والاتفاق على مقاتلة الصليبيين… لكن، بمجرد أن استثب لهم الأمر في مصر، أداروا ظهورهم له.
ولما خلا نجم الدين أيوب بابنه صلاح الدين قال: أنت جاهل قليل المعرفة، تجمع هذا الجمع الكبير وتطلعهم على ما في نفسك، فإذا سمع نور الدين أنك عازم على منعه من البلاد جعلك أهم الأمور إليه وأولاها بالقصد
مهما حاول الإنسان أن يلتمس من أعذار لصلاح الدين، فإنه لن يجد، إذ أن نور الدين زنكي، وبحسب العديد من المصادر، لم يكن ملكا متواطئا مع الصليبيين، أو مشغولا بأطماعه الخاصة، أو مخالفا في العقيدة لصلاح الدين، بل عرف عنه تفرغه لمواجهة الغزو الصليبي وتحرير الثغور، حتى أن ابن الأثير، وهو الفقيه والمؤرخ السني المعاصر والموالي لصلاح الدين، وصفه بأنه أعدل الحكام بعد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.
قد يحاول البعض نفي الرغبة في الحفاظ على الملك عن صلاح الدين، إلا أن النص الثاني الذي أورده ابن الأثير يكشف عن هذا الأمر. وهذا ما سنطالعه في الجزء الثالث من هذا الملف.
إقرأ أيضا: العكاكزة: قصة طائفة مغربية جعلت من الجنس الجماعي وزواج الكبيرة بالصغير طقوسا تعبدية 1\3
ملحوظة: فضلنا إدراج النصوص الأصلية كما ساقها أصحابها تلافيا لأي اتهام كيفما كان.
[1] – أبو شامة، الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق محمد حلمي محمد أحمد، الجزء الأول، القسم الثاني، الطبعة الثانية، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1998، ص 519.
لقراءة الجزء الأول: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… كما رسمته المصادر الإسلامية السنية 1/2
لقراءة الجزء الثالث: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… الانقلاب على نور الدين وخلع العاضد3/5
لقراءة الجزء الرابع: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… مُلك مصر أهم من حرب الصليبيين! 4/5
لقراءة الجزء الخامس: الوجه الآخر لصلاح الدين الأيوبي… انتصار الإيديولوجيا! 5/5