#ألف_حكاية_وحكاية: يوتوبيا في القرن الواحد والعشرين
كنا جماعة هايبز نعيش في الغابة المحاذية للشاطئ في الصويرة. ننام على ضوء النجوم والقمر. نتأمل شروق الشمس ونصلي للقمر حين يغرب. كنا على ضفاف الشاطئ هناك، حيث يلتقي البحر …
كنا جماعة هايبز نعيش في الغابة المحاذية للشاطئ في الصويرة. ننام على ضوء النجوم والقمر. نتأمل شروق الشمس ونصلي للقمر حين يغرب. كنا على ضفاف الشاطئ هناك، حيث يلتقي البحر بالنهر ويخلق بحيرة ساحرة. نقضي الليل في الغناء وفي النقاش وتبادل لفافات الحشيش وفي بعض الأحيان نشرب قليلا. نشترك في ما نملك، منطلقين من قناعة لا تتزعزع بالمستقبل الشيوعي للعالم.
كانت فينا جنسيات مختلفة: فرنسيون، كنديون، أمريكان وإنجليز. متعتنا أن نعد الطعام على نار الخشب. نذهب لجمع الحطب ونعاود سيرة الإنسان البدائي بدون غاز وكهرباء. نشعل نارا عظيمة تنير ليلنا وتدفئنا ونصنع على حرارتها أطعمتنا البسيطة. ملابسنا بسيطة مصنوعة من الصوف والقطن في أغلبها. نشتريها من الخياطين في سوق الصويرة التي ننزل إليها من أجل التسوق.
الإنتماء إلى الهايبز، بالنسبة لي، كان استمرارا للإيمان بالخلاص الجماعي وبالطلاق النهائي بيني وبين أخلاقيات المجتمع الرأسمالي؛ وسعيا نحو الحرية التي أريد.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: الوريثة
كنت أنصرف إلى عملي كأستاذة فلسفة خلال النهار. أذهب إلى غرفتي التي أكتريها في قرية الذيابات لأطمئن على بريدي. في بداية مقدمي للصويرة، كنت أكتري شقة صغيرة في التجزئة الخامسة في الصويرة؛ لكنني اختنقت بسرعة ورحلت باتجاه قرية صغيرة تحمل اسم الذيابات. قرية عاش فيها الهايبز في نهاية الستينات من القرن الماضي.
عشت حرة تماما من مفاهيم مثل السيرة الأخلاقية. كان هناك أسفلت بارد بيني وبين القيم الإجتماعية المقولبة، ولم أعش يوما إلا أخلاقي الفردية التي حدودها احترام الآخر وعدم إيذائه
كانت القرية هادئة رغم وحشتها وعرائها. كان الأهالي مسالمون. استقبلوا مقامي بينهم بتسامح. كنت أثير فضولهم حين أذهب للساقية لملئ جراري بالماء، وحين أذهب لغسل ملابسي في النهر مع النساء الأخريات. كنت أشرح لهم أنني أحب حياة الطبيعة ولا أحتمل التقنيات الحديثة وأنني أسعى الى حياة بدائية بدون أكسسوارات.
لم يفهموا أيضا أن أستاذة محترمة ترافق الهايبز وتعيش حياتهم. في بعض الأحيان، كان منهم من ينعتني بأقدح الأوصاف.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: سنطرد المومسات…
لم أحسب يوما حسابا لما يقال عني، وعشت حرة تماما من مفاهيم مثل السيرة الأخلاقية. كان هناك أسفلت بارد بيني وبين القيم الإجتماعية المقولبة، ولم أعش يوما إلا أخلاقي الفردية التي حدودها احترام الآخر وعدم إيذائه. كنت أعيش فيما فوق أخلاق الشرف، وقد عشت حياتي في أغلبها حرة. أخطأت مرات كثيرة… لكني أتحمل مسؤوليات اختياراتي وأعتقد أنني دفعت ثمنها كلها.
أتصرف بحرية وبشكل طبيعي. دليلي هو قلبي، ولم أتعلم يوما أن أحسب تصرفاتي وفقا لتصور الغير.
كنت طفلة عفوية أو مراهقة لاتريد أن تكبر. كنت مسكونة بالفضاءات الكبرى: البحر، الغابة والصحراء. كنت أؤمن بإمكانية الجنة فوق الأرض وبإمكانية قيام إنسانية جديدة فيما بعد الملكية الخاصة والغيرة. كنت أعتقد جازمة أن الملكية الخاصة والغيرة هما الشيئان اللذان أفسدا الإنسانية.
أتصرف بحرية وبشكل طبيعي. دليلي هو قلبي، ولم أتعلم يوما أن أحسب تصرفاتي وفقا لتصور الغير.
مع الهايبيز عشت كما أنا. عشنا على الحلم والحشيش والحب. كان الحب ممكنا وغير معقد بانتظارات مثل الحياة الزوجية والواجبات. كان الحب خفيف الظل، وكان يمكن للمرء أن يمضي من مغامرة إلى أخرى بدون وجع رأس.
أحببت فيهم خفتهم تلك، خفة كائنات من ضوء تخففت من كل ما يثقل الناس: الملكية الخاصة والغيرة. حين أخذت مني ناتالي عشيقي جون، لم أغضب. اعتبرت الأمر عاديا. من الطبيعي جدا أن تتغير مشاعر الفرد مع الوقت. ثم أنه لم يكن مرتبطا بي بضرورات أخلاقية. أنا أيضا مضيت إلى مغامرة مع باتريك الذي ترك جوسلين من أجلي.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: داروين، القرد، آدم والمقرر المدرسي
كنا، ناتالي وجون وباتريك وأنا، مقربين جدا من بعضنا البعض. كنا نسهر بعد أن ينام الآخرون. نبقى نحملق في السماء ونحن دائخون إلى أن يغيب القمر. نعدو بعدها إلى البحيرة لنرى شروق الشمس. أجمل اللحظات هي تلك اللحظة القصيرة التي تفصل غروب القمر وإشراق الشمس. لون بنفسجي يلف المكان وبرد خفيف يهب فجأة.
كنت خائفة، لكنني كنت أحب الخطر ولا أتصور الحياة بدون دفعة الأدرينالين التي تدفعني إلى المحظور من الأشياء.
في بعض الأحيان، يتملكنا الكسل ونبقى تحت الأغطية في المخيم. ننام بعدها ونستيقظ على صوت النوارس.
كانت الحياة حلما بدون معوقات. لم أكن أحمل هما؛ فمرتبي في وزارة التربية الوطنية يكفيني ويمكنني من مساعدة أسرتي. في بعض الأحيان، كنت أخاف أن تأتي الشرطة وتقبض علي بتهمة أو بأخرى، فتضيع الوظيفة.
كنت خائفة، لكنني كنت أحب الخطر ولا أتصور الحياة بدون دفعة الأدرينالين التي تدفعني إلى المحظور من الأشياء.
كانت حياتنا في المخيم حياة بساطة. حياة بدائية تنتصر للحواس ولدوخة الوجود المستغني عن مظاهر الترف وأشياء الحياة. كنا حين نحشش، نحلم بمجتمع بدون فوارق… كان المهدي يحلم بعالم بدون فيزا، إذ كانت عقدته أنه لم يستطع الهجرة. كان هناك رفيق آخر، سعيد. هذا الأخير كان ينتظر أن تأتي زوجته الفرنسية لتحمله إلى هناك، ليقوم بعملية قلب مفتوح ويعيش حياته بشكل طبيعي دون سيف المرض. سعيد توفي أثناء العملية في الرباط قبل أن يتمكن من تحقيق حلم الهجرة.
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: علي أكوباش، امرأة بجسد رجل…
كنا فقراء وسعداء، وكانت آلهتنا تبارك الرقصات، لهذا كنا نرقص كل ليلة على أنغام غناوة والليد زيبلينغ وبوب مارلي. نفكر فقط في توفير الطعام والحشيش. ماعدا ذلك، لم تكن تهمنا الحياة. ظللنا كذلك طيلة الصيف وبعضا من الخريف، إلى أن داهمنا المطر وتفرقت المجموعة.
اقترحت على باتريك أن نقيم في غرفتي بالذيابات، وكذلك كان. عشنا معا لأسبوع. أتت صاحبة البيت وقالت إنها لا تقبل أن أقتسم الغرفة، وأنه على صديقي أن يكتري الغرفة الأخرى الخالية. شرحنا لها أنه من غير المعقول أن يكتري غرفة أخرى ونحن مرتبطان. انصرفت وهي تزمجر وتلعن الوقت التي لم تعد تجود بالسياح.
بعد أسبوع، استيقظنا على صوت لغط وصراخ في الخارج. كانت صاحبة البيت وبعض الرجال أمام مدخل البيت. كانت تحمل عصا وهددتني بالضرب أنا وباتريك إن لم نغادر. علقت على معاشرتنا واعتبرتها مسا بالأخلاق العامة. كانت قد اصطفت خلف الأخلاق بعد أن أخفقت في إقناعنا بأن نكتري الغرفة الخالية.
لو اكترينا تلك الغرفة، هل كانت لتهب للدفاع عن الأخلاق؟
#ألف_حكاية_وحكاية