#ألف_حكاية_وحكاية: داروين، القرد، آدم والمقرر المدرسي

كنت أختار تيخروفين (القرع باللهجة الأمازيغية) في سوق الخضر بالصويرة، أناقش البائع في الثمن حين انهالت علي سيدة محترمة المظهر بالسباب والشتائم.

لم أفهم من تكون. سألتها، فقالت: “أنا أم إدريس جيمو، تلميذ بقسمك. أنت تعلمين أبناءنا أن أصل الإنسان قرد. أنت القردة الشمطاء. الإنسان سليل الأنبياء والله خلق آدم كاملا مكتملا يعرف الأسماء كلها وتسجد له الملائكة. اذهبي يا  لعينة… توقفي عن تدريس الترهات لأبنائنا. لماذا عينوك بثانوية للتعليم الأصيل يابذرة الكفر؟”

لم أعرف بماذا أجيب. وضعت القرع جانبا وقلت بحياد: “أنا لا أقرر بنفسي محتويات المقررات التي أدرسها. إنه مقرر الوزارة”. ردت علي وهي تصلح وضع الخرقة على رأسها: “الوزارة أيضا ملحدة وتقود أبناءنا إلى الكفر”.

 أنت تعلمين أبناءنا أن أصل الإنسان قرد. أنت القردة الشمطاء. الإنسان سليل الأنبياء والله خلق آدم كاملا مكتملا يعرف الأسماء كلها وتسجد له الملائكة

قلت لها بعد أن عدلت وضع نظارتي: “سيدتي، إن القول بالتطور لا يقود حتما إلى الكفر. إنه تسليم لما يقوله العلم. هل تتصورين أن الإنسان كان منذ البداية يعرف اللغة ويعرف كيف يشعل النار ويصنع الآلات؟ لاشك أن هناك تطورا خضع له”.

اقرأ لنفس الكاتبة – #ألف_حكاية_وحكاية: الوريثة

ردت بحنق: “الله علم  آدم الأسماء كلها، وقد هبط من الجنة متكلما”.

سألتها: “بأي لغة إذن تكلم آدم؟ أم أنه كان يعرف كل اللغات؟”.

قالت بصوت خافت: “الله سبحانه وتعالى علمه الأسماء كلها وخلقه على أحسن صورة. أنا لا أقبل أن يكون أصلي قرد. أصل الإنسان من آدم وحواء وانتهى الأمر”.

سألتها: “بأي لغة إذن تكلم آدم؟ أم أنه كان يعرف كل اللغات؟”.

رددت عليها: “سيدتي، أن يؤلمك أن تنزلي من القرد، فهذا مايمكن أن أفهمه. لكن تطور الكائنات يقول بالأصل المشترك بين القرد والإنسان”.

نظرت إلي  وقالت في حسرة: “هل يعني هذا أننا لسنا سليلي الأنبياء؟ هل فعلا نشترك مع القرد في النشأة؟”

أجبتها: “العلم الحديث يسلم بتطور الإنسان مثل باقي الكائنات. الإنسان جزء من الطبيعة، والثقافة سيرورة طويلة من التحول والتطور. آسفة إن صدمت معتقداتك”.

اقرأ لنفس الكاتبة – #ألف_حكاية_وحكاية: سنطرد المومسات

انصرفت السيدة دون اعتذار. وجدت نفسي أمام جوقة من البدو ينعتونني بالقردة. لم أشتر القرع. عدت هرعة إلى بيتي ونمت دون عشاء.

في الصباح الموالي، كنت في قاعة الأساتذة حين جاءني أستاذ التربية الإسلامية وهو حانق. قال بغضب: “كيف يعقل أن تدرسي للتلاميذ أننا ننحدر من القرود؟ ألا تعرفين أن الله سبحانه وتعالى قد علم آدم الأسماء كلها وأن الملائكة سجدت له؟”

كنت قد تعبت من الدفاع عن داروين ونظريته. قلت للمدرس:

“سيدي، أنت سليل الأنبياء… أما القردة، فهي أنا ومن ورطونا في مقرر الوزارة”.

اقرأ لنفس الكاتبة – #ألف_حكاية_وحكاية: على أكوباش، امرأة بجسد دجل