مرايانا تناقش المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: مرض أو جريمة؟! (الجزء الأول) - Marayana - مرايانا
×
×

مرايانا تناقش المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: مرض أو جريمة؟! (الجزء الأول)الجزء الأول

ما يجعل منها ممارسة أو سلوكا غير سويٍّ، هو تلك الحمولة الإيديولوجية والثقافية التي صنعت منها عدوّا للطبيعة البشرية وصنّفتها على أنّها انحراف عن هذه “الطبيعة”.

في الجزء الأول من هذا الملف، يتناول محمد علي لعموري، ملاحظات حول أهم إشكالات التعريف المتعلقة بالمثلية الجنسية، وعلاقة هذه التعريفات بما يعتبره حمولة إيديولوجية وثقافية صنعت من المثلية عدوّا للطبيعة البشرية.

عالم المثلية الجنسية عالم مجهول لا يُرى إلّا بمنظار واحد، ذاك الذي يصنفها في خانة “الشذوذ“، دونما تحفّظ على مصطلح يحمل ما يحمله من حكم قيمة؛ ما يجعلها، أي المثلية الجنسية، تندرج في خانة الممنوع والمسكوت عنه أواللامفكَّر فيه.

وبما أنّ الإنسان عدو ما يجهل، فإنّ الظاهرة التي نحن بصدد الحديث عنها، تبقى بمثابة الأرض غير المحروثة ولا يتمّ تناولها إلّا باحتشام. كما أنها، في الغالب، تُساق كمقال أو ملفّ في مختلف المنابر الإعلامية لغرض الإثارة وتشويق القارئ لإقتناء الجريدة أو للنقر على الرابط ليس إلّا.

المثلية الجنسية؛ وبعيدا عن كلّ التصنيفات التي تحملها كرها، هي ميول جنسي وعاطفي ينبع من رغبة جارفة في ربط علاقة إنسانية وعاطفية، قبل أن تكون جنسية، مع شخص من نفس الجنس.

ما يجعل منها ممارسة أو سلوكا غير سويٍّ، هو تلك الحمولة الإيديولوجية والثقافية التي صنعت منها عدوّا للطبيعة البشرية وصنّفتها على أنّها انحراف عن هذه “الطبيعة”.

ما يجعل منها ممارسة أو سلوكا غير سويٍّ، هو تلك الحمولة الإيديولوجية والثقافية التي صنعت منها عدوّا للطبيعة البشرية وصنّفتها على أنّها انحراف عن هذه “الطبيعة”.

لا ندري ما المقصود بالطبيعة، علما أنّ مجمل الأحكام المسبقة تكون ذات مصدر ثقافي، وأنّ الصراع الخفي منذ القديم كان ضد الطبيعة المعتدى عليها دوما بواسطة ما أنتجه الإنسان من ثقافات متعددة.

بالتالي؛ فمبرّر رفض المثلية الجنسية بدعوى أنّها ضد الطبيعة لا يستقيم؛ ذلك أنّ الإنسان كان قد اخترق حجاب الطبيعة منذ قرون. لهذا، فما يصدر من أحكام أو تصنيفات، ما هو إلا إنتاجات ثقافية تقوم على أرضية الإقصاء لأي ظاهرة تنزاح عن القاعدة.

كيف يتم تجريم مرض ـ إذا ما سلّمنا جدلا بأن الميول الجنسي المثلي مرض ـ وإيداع المرضى من هذا النوع السجون بدل المستشفى؟

نصل الآن إلى ثنائية قاعدة/شذوذ، لنناقش مصدرها وأبعادها التصنيفية والإقصائية. أنصار الرفض للمثلية الذين يقولون بشذوذ المثلية عن القاعدة يحكمون حكم الأغلبية على الأقلية، أي حكم القوي على الضعيف. إذن، إذا جاز لنا إبداء الرأي في هكذا إقصاء لأقلية تبحث لها عن حق العيش بحرية وفي سلام تام مع المجتمع، قلنا إنّ مردّ كلّ هجوم على المثلية على أنّها شذوذ، هو غياب ثقافة حقوق الإنسان أو ضعف تمركزها كثقافة متجذرة، مما يجعل كل مجتمع يخاف الظاهرة ويعتبرها تهديدا لكيان الأغلبية.

هنا يحضر المستوى الثاني في النقاش، ويتعلّق الأمر بغياب ديمقراطية حقيقية تنبع من عمق الوعي المجتمعي الذي يصنع رأيا حرّا يستوعب الرأي والرأي الآخر، دونما إقصاء لصوت الأقلية؛ ذلك أنّ الديمقراطية لا تستقيم إلّا بوجود أغلبية وأقلية بمعناهما السياسي والإجتماعي. وبالتالي، فإنّ كلمة “شذوذ” تحتاج إلى إعادة النظر في محتواها لأنّها تُستعمل في غير محلّها ضد فئة مجتمعية لها ميولها وتوجّهها وفلسفتها في فهم الحياة وما يتّصل بها.

كلمة “شذوذ” تحتاج إلى إعادة النظر في محتواها لأنّها تُستعمل في غير محلّها ضد فئة مجتمعية لها ميولها وتوجّهها وفلسفتها في فهم الحياة وما يتّصل بها.

نمرّ الآن إلى دعوى أنّ المثلية الجنسية مرض عقلي ونفسي.

بصرف النظر عن أنّ منظمة الصحة العالمية ومن يدور في فلكها، كانت قد صحّحت وضعا غريبا كان يعتبر الميول الجنسي المثلي مرضا نفسيا، وصنّفتها ضمن الميولات الجنسية الثلاث المعروفة [1]،فإنّ البلاد العربية والإسلامية التي تجرّم هذا النوع من الميول، تعتبرها مرضا رغم ما تمّ تصحيحه عالميا على مستوى أعلى هيئة تُعنى بالصّحة. هكذا، يتمّ اعتبار المثلية على أنّها مرض. هنا، وجب طرح سؤال وجيه، يكشف وجه التناقض بين من يقول بمرض المثلية وبين مَن يجرّمها.

معلوم أنّ المكان الطبيعي لكل مريض هو المصحة، فكيف يتمّ الزجّ بالمثليين في السجون والحكم عليهم بقوانين جاهزة بدعوى الجرم الذي يقترفونه؟ أليس في هذا ما يدعو إلى الاستغراب؟ كيف يتم تجريم مرض ـ إذا ما سلّمنا جدلا بأن الميول الجنسي المثلي مرض ـ وإيداع المرضى من هذا النوع السجون بدل المستشفى؟

قراءة الجزء الثاني: وجهة نظر: الجنسية المثلية كموضوع للتفكير. 2- في البحث عن التعريف

[1]– حسب التصنيف المعمول به في ميدان علم الجنسانية، هناك الميول الجنسي المثلي (رجل/رجل) / (امرأة/امرأة)، والميول الجنسي الغيري ( رجل/إمرأة) وهناك الميول الجنسي المزدوج، أي الشخص الذي يميل جنسيا لكلا الجنسين.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *