المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: في البحث عن التعريف (الجزء الثاني) - Marayana - مرايانا
×
×

المثلية الجنسية كموضوع للتفكير: في البحث عن التعريف (الجزء الثاني)الجزء الثاني

تبدو التهمة اللصيقة بالمثليين على أنّهم شواذ، في غير محلّها. ما دام هؤلاء الشخصان قد انجذبا لبعضهما طوعا، وكانا بالغين للسن القانوني، ولم يحدثا ضررا لأحد، فلا يمكن إلصاق تهمة الشذوذ بهما

بعد محاولة مساءلة التعريف في الجزء الأول، ننتقل، في هذا الجزء، إلى محاولة مساءلة المتن الديني بحثا عن تعريف ممكن لواحد من أهم الطابوهات في العالم العربي.

ما حجّة تجريم المثلية؟ هل هو الفعل أم الميول أم ماذا؟

إذا نحن دقّقنا النظر في الفصل 489 من القانون الجنائي المغربي، سنجده يساوي في أصل التجريم بين المثلية الجنسية وبين الشذوذ. فمتى كانت المثلية شذوذا؟ وما معنى أن يكون الإنسان شاذا؟ وهل كل انجذاب عاطفي أو جنسي يعتبر شذوذاً؟ ومتى نقول هذا شاذ وهذا غير شاذ؟

إنّ التعريف الأنسب للشذوذ، بعيدا عن كلّ تصنيف إيديولوجي أو ثقافي، هو كلّ فعل تختلّ فيه كفّة التوافق وينعدم فيه شرط الرضا بين اثنين، كأن يمارس شخص بالغ الجنس مع شخص قاصر كالطفل.

إنّ التعريف الأنسب للشذوذ، بعيدا عن كلّ تصنيف إيديولوجي أو ثقافي، هو كلّ فعل تختلّ فيه كفّة التوافق وينعدم فيه شرط الرضا بين اثنين، كأن يمارس شخص بالغ الجنس مع شخص قاصر كالطفل. هنا مثلا يمكن إعتبار “البيدوفيليا” شذوذا، أو أن يمارس الإنسان الجنس على آخر بالإكراه “اغتصاب”، أو بطريقة وحشية يتلذّذ فيها الفاعل بتعذيب الشريك أثناء الممارسة الجنسية. هذه بعض الأمثلة ممّا يمكن اعتباره شذوذاً، لأنّه يقوم على التغرير أو الغصب أو الإغتصاب أو العنف ضد آخر لا يرتضيه لنفسه.

هكذا، تبدو التهمة اللصيقة بالمثليين على أنّهم شواذ، في غير محلّها. ما دام هؤلاء الشخصان قد انجذبا لبعضهما طوعا، وكانا بالغين للسن القانوني، ولم يحدثا ضررا لأحد، فلا يمكن إلصاق تهمة الشذوذ بهما.

نصل الآن إلى دعوى أخرى تُبنى عليها كلّ الأحكام والتمثُلات حول المثلية الجنسية، حين يسوّونها باللواطية كما جاء ذكرها في القرآن.

تبدو التهمة اللصيقة بالمثليين على أنّهم شواذ، في غير محلّها. ما دام هؤلاء الشخصان قد انجذبا لبعضهما طوعا، وكانا بالغين للسن القانوني، ولم يحدثا ضررا لأحد، فلا يمكن إلصاق تهمة الشذوذ بهما

كما هو معلوم، ملخص قصّة لوط، أنّ لوطا بُعِث نبيا في قومه، وكان القوم غير مبالين بدعوته إلى الإيمان بوحدانية الله، وكانوا؛ حسب الروايات الدالة على أفعال قوم لوط؛ يفعلون الفواحش؛ ودليل هذا، أنّهم قد جاوزوا الحدود، فكان الرجال يمارسون الجنس مع بعضهم، حتى إذا انتهوا من القريب، بحثوا لهم عن غريب، حتى انتشر خبر فعلهم الذي قد يصل إلى حد الإكراه[1].

بصرف النّظر عمّا يمكن أن يقال في هذا الصّدد، فإنّ لوطا لم تكن لديه سلطة العقاب، ولم يثبُث أيُّ حكم ضد فعل قوم لوط، وأنّ عقاب الله ينهض دليلا قويا على أنّ الله هو صاحب الحكم وليس البشر، وأنّ عقابه جاء بناء على تحوّل أفعال قوم لوط إلى قاعدة مخيفة تهدّد استمرارية النوع البشري .[2]

إنّ الإكراه وسيادة منطق الفوضى في أي فعل اجتماعي، وتحوّل المسألة إلى مستوى الميوعة والتسيّب، يجعل التدخّل وشيكا لتصحيح الوضع. لكنّ نازلة قوم لوط لا تنطبق على الفعل الجنسي المثلي المسؤول الذي لا يقوم على الإكراه وليس قاعدة تهدّد النوع البشري.

من تمّ، يصعب التشبيه بين قوم جحدوا دعوة نبيهم لاتباع دعوته، وبين فئة المثليين الذين يختلفون تماما في مسلكياتهم، ولا يطلبون سوى العيش بكرامة دونما وصم أو تمييز أو إقصاء بسبب الميول الجنسي، الذي لم يختاروا التبجّح به، بل هو جزء من مركّب هويتهم الجنسية، والتي يتمّ الخلط بينها وبين الجنس (ذكر أو أنثى)، ذلك أنّ المرء يولد ذكرا أو أنثى، ثم يندمج في المجتمع الذي يحدّد له أدواره وفق الثقافة السائدة فيه.

أمّا الميول الجنسي، فيتحدّد منذ الطفولة وفق شروط بيئية دقيقة عاشها المثلي، بسلبياتها وإيجابياتها، وهي التي تجعل منه مثليا أو مغاير الجنس أو مزدوجه، دون الحديث عن البعد الهرموني والجيني لدى صنف منهم ممن يسمى بالخنثى.

قراءة الجزء الأول: وجهة نظر: الجنسية المثلية كموضوع للتفكير. 1- مرض أم جريمة؟

 

[1] – في قصة لوط، تحرش القوم بالملَكين اللذين زارا النبي لوط ليأمروه بالخروج من القرية تحسّبا للعقاب الإلهي، وهذا دليل على استهدافهم الغرباء وفعلهم الذي يقوم على التّحرش وعلى الإكراه.

[2] – في مجال الجنسانية، هناك فرق “بين الجنس لذاته” كشبقية وكاستواء يعيشه المرء بصرف النظر عن الميولات الجنسية المذكورة أعلاه، وبين “الجنس لغيره” الذي يطلب الجنس من أجل الإنجاب، وهذا طبعا لا يتحقق إلّا بين شريكين من جنسين مختلفين. دفاع الثقافة الذكورية على النوع الثاني على حساب النوع الأول، هو الذي أنجب لنا كل هذا التحريم وهذا المنع وهذا التجريم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *