هشام روزاق يكتب: قفة وشكارة أو… “ملي مشينا ف شكارة مقطعة”.
… حسنا! عندما تتحول دولة بكاملها، إلى ما يشبه “كونطرولور ديال الطوبيس”، كل همها وشغلها، هو إحصاء عدد الفقراء كل سنة، كي تمنحهم قفة أكل وشرب في رمضان، فذلك يعني …
… حسنا!
عندما تتحول دولة بكاملها، إلى ما يشبه “كونطرولور ديال الطوبيس”، كل همها وشغلها، هو إحصاء عدد الفقراء كل سنة، كي تمنحهم قفة أكل وشرب في رمضان، فذلك يعني فقط … أن “الطوبيس” الذي يقلنا جميعا “مشا… خلا”.
في كل سنة، في كل مناسبة، تصر الدولة عندنا، على ممارسة هوايتها القديمة التي تضرب في مقتل، معنى الإنسان وقيمة الكرامة. في كل سنة ومناسبة، تحولنا الدولة بقرار، إلى مجموعة صفوف طويلة من الجياع والمعدمين الذين ينتظرون الصدقة… ينتظرون الطعام بشغف… بابتسامة، وبكاميرات الدولة التي تنقل صورهم وهم يتلقون الصدقة … ويعبرون عن امتنانهم وشكرهم لدولة تعطيهم قفة رمضان، وتمنحهم معها شهادة مواطن بدرجة متسول.
حين يقف مسؤول دولة أمام صفوف طويلة من الفقراء والمفقرين، كي يمنحهم بعض الفتات… عليه فقط أن يتذكر، أن ذات الأيادي التي تمنح الصدقات هنا، هي التي وقعت ومنحت خيرات ذات الفقراء لغير المحتاجين إليها…
في كل سنة… تحتفي الدولة عندنا، ومعها أذرعها الإعلامية “الرسمية علنا”… و”الرسمية سرا”، بتزايد عدد المستفيدين من درجة متسول. تحتفي بهم وهم يمسكون بأيديهم الصغيرة محفظة مدرسية تكون أول الحكي في مسار فقر واتكال وتسول، ثم تحتفي بهم وهم يقبضون بأيديهم وأرواحهم الهرمة، على قفة رمضان.
إقرأ أيضا: “المخزن”: استخدام “الرمزية”… الجانب الخفي والأهم لممارسة السلطة وترسيخها (الجزء الثالث)
في كل موسم، تبدأ حكاية التسول عندنا طفلة، تدخل المدرسة بحقيبة صدقة، وتنتهي بقفة. وكأن الدولة تصرخ في وجهنا كل مرة… “غاتبداوها بالطليب فالمدرسة، وغاتساليوها بالطليب ف رمضان”.
وكأنها تقول لنا… “من الشكارة للقفة… حياتكم جقير وطليب… وصدقة مزمنة”.
وكأن الدولة تقول لنا… تاتقراو بالطليب … وتا تصومو بالطليب، وليس لكم إلا أن تحمدوا الله على نظام التسول الذي آمنكم من خوف وأطعمكم من جوع.
يقول المثقف الأوروغواياني الكبير “Eduardo Galeano” ما معناه:
“على عكس نظام التضامن الذي يكون أفقيا، ويمارس بين ند وند، تمارس الصدقة من أعلى إلى أسفل… وتُهين الشخص الذي يتلقاها… ولا تغير ولو قليلا حتى… في علاقات القوة والسلطة”.
في هذه الجملة أعلاه، حمض دولتنا النووي وبطاقة هويتها. فالدولة… حين تصر على نظام الصدقات، تحرص فقط، على علاقات القوة والسلطة التي تمارسها على رعاياها. تحرص فقط، على أن تظل يدها هي العليا، ونظل نحن … أسفل سافلين. تحرص فقط على تأبيد حالة الإهانة، كي تؤبد معها حالة الحاجة. الحاجة إلى دولة تتصدق على فقراء تحصيهم كل سنة… وتحتفي بتزايدهم كل سنة.
الدولة ببساطة، تفوت خيرات المغاربة المحتاجين، لمغاربة غير محتاجين، وتمنح للمحتاجين قفة وشكارة… أي ببساطة، تنزع منهم رأسمالهم وتتصدق عليهم ببعض فتاته.
هذه السنة… تحتفي الدولة عندنا بعدد المستفيدين من قفة رمضان الذين وصل عددهم 2.5 مليون شخص.
هذه السنة، تتغنى الدولة عندنا… بمبلغ 80 مليون درهم الذي ستخرجه صدقة للفقراء والمحتاجين…
هذه السنة… لن تخجل الدولة مرة أخرى من عدد الفقراء الذين يعيشون ويتزايدون فيها. يعيشون ويتزايدون في دولة… وصل مستوى الغنى والثراء فيها، أن منحت خيراتها لغير المحتاجين، وجعلت الريع شريعة وقانونا لإغناء أقلية على حساب الكثيرين… نفس الكثيرين الذين تمنحهم حقيبة مدرسية وقفة رمضان.
إقرأ لنفس الكاتب: ”الميتروقراطية” المغربية… بنسودة، الخازن العام لخدام الدولة
خيرات المغاربة… من حجر ورمل وبحر ورخص نقل وأراض وما استقر في جوف بر وماء وجو، تفوت لغير المحتاجين…
وللرعايا، قفة وشكارة.
قفة وشكارة… يقدمها إعلام الدولة كإنجاز وعنوان تفوق… ويتناسى الجميع في لحظة تيه، أن الدولة في النهاية “ما تتصدقش على المغاربة من جيبها”… أنها تاتصدق عليهم من جيوبهم.
الدولة ببساطة، تفوت خيرات المغاربة المحتاجين، لمغاربة غير محتاجين، وتمنح للمحتاجين قفة وشكارة… أي ببساطة، تنزع منهم رأسمالهم وتتصدق عليهم ببعض فتاته.
في النهاية، المغاربة بالنسبة لدولتهم… تا يسواو قفة وشكارة. و”قال ليك علاش المغاربة تا يقولو مشينا ف شكارة مقطعة!؟”.
قفة وشكارة… يقدمها إعلام الدولة كإنجاز وعنوان تفوق… ويتناسى الجميع في لحظة تيه، أن الدولة في النهاية “ما تتصدقش على المغاربة من جيبها”… أنها تاتصدق عليهم من جيوبهم.
بلد… يقوم الريع فيه مقام الدولة، وتقوم الدولة فيه مقام “مول الفوطوكوبي” الذي يكتفي بتصوير الواقع عوض تغييره … يصعب أن يعيش بقفة وشكارة.
يصعب أن يستمر بلد، في ممارسة عمليات إحصاء الفقراء والاحتفال بالصدقات التي تمنح لهم (من جيوبهم)، عوض التفكير في خلق آليات تضامنية حقيقية تضمن على الأقل، استفادة الكل من الثروات التي يفترض أنها ملك لهذا الكل.
عوض الاحتفاء بعدد الفقراء، وأرقام ومبالغ الصدقات التي تقدم لهم، تعالوا نتحدث في بعض أبجديات الدولة. الدولة التي يفترض أن تنتصر لثقافة التضامن عوض ثقافة الإحسان والصدقات (وماشي تا من جيبها).
إقرأ أيضا: “المخزن”… كيف كان يقر سلطته على المغرب؟ وكيف كان يوازن العلاقة بين السلطان والرعايا؟ (الجزء الثاني)
… حين يقف مسؤول دولة، ليوزع قفة رمضان على صفوف طويلة من الفقراء تساوى عندهم معنى الانتماء لوطن بمعنى الحاجة للطعام، أو ليوزع محفظة مدرسية على أطفال سيجدون بذات المحفظة مقررات تلقنهم معنى الوطن ومعنى الانتماء والكرامة… حين يقف مسؤول دولة ليتصدق باسم الدولة على أبناء ذات الدولة، عليه فقط أن يعرف، أنه لن ينتج جيشا من المواطنين والوطنيين والأحرار… ولكن فقط، جيشا من المتسولين.
حين يقف مسؤول دولة أمام صفوف طويلة من الفقراء والمفقرين، كي يمنحهم بعض الفتات… عليه فقط أن يتذكر، أن ذات الأيادي التي تمنح الصدقات هنا، هي التي وقعت ومنحت خيرات ذات الفقراء لغير المحتاجين إليها…
… هي ذات الأيادي التي منحت رخص الصيد و”گريمات” النقل ومقالع الرمل والحجر، وأن كل هذه الثروة المشتركة التي فوتت لغير المحتاجين إليها، كانت ستكفي لتمكين ملايين الفقراء، من التصدق على المحتاجين فعلا… ومن أداء ضرائب للدولة، ومن المساهمة في تنمية ثروة بلد بكامله.
بلد… يقوم الريع فيه مقام الدولة، وتقوم الدولة فيه مقام “مول الفوطوكوبي” الذي يكتفي بتصوير الواقع عوض تغييره … يصعب أن يعيش بقفة وشكارة. في النهاية، المغاربة بالنسبة لدولتهم… تا يسواو قفة وشكارة. و”قال ليك علاش المغاربة تا يقولو مشينا ف شكارة مقطعة!؟”.
… حين يقف مسؤول دولة ليتصدق باسم الدولة على أبناء ذات الدولة، عليه أن يتذكر فقط، أن الفرق بين السيدة الفقيرة التي تنتظر قفة رمضان، والسيدة أو السيد غير المحتاج الذي يستلم گريمة… هو في النهاية معنى الفرق بين دولتين.
إقرأ لنفس الكاتب: الرعايا والرعاع. حين يختلف اللصوص… ولا يظهر المسروق
هو الفرق بين دولة تحتفي بثرواتها، وأهم ثرواتها الإنسان، ودولة تحتفي بالفقر، وتقيم له مراسيم احتفال تنقله تلفزاتها ووسائل إعلامها.
الفرق ببساطة أنه…
لو قام مسؤول الدولة بحذف معنى ومنطق الگريمة والريع من هوية الدولة، وضمن تقسيم خيرات المغاربة على كل المغاربة وفق مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة… لما احتجنا كل سنة، أن نتفرج على فقرنا في التلفزة، ولما نظرنا إلى معنى الانتماء فينا لنجده… قفة وشكارة.
… وهذا بعض من كلام.
مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة. وأول خطوة على درب بناء الوطن أن يتعلم مسؤولونا الإنصات إلى شعوبهم، والقراءة لمثقفيهم.