كيف تطوّر مفهوم الفرد؟ من أرسطو إلى فلاسفة الأنوار 2/4 - Marayana - مرايانا
×
×

كيف تطوّر مفهوم الفرد؟ من أرسطو إلى فلاسفة الأنوار 2/4

مفهوم الفرد هو حليف الاستقلالية. هذه الأخيرة هي وليدة القرن الثامن عشر، نادى بها روسو وديدرو وفولتير. رفعوا شعارها، فتحقّقت.
الاستقلاليّة هي جزءٌ هام من حياة الفرد داخل مُجتمعه، وأن يعيش كيفما يُريد دون أنْ يتدخّل فيه أي أحد، فالفردُ من عادته ألاَّ يقبل أيّ اقتحامٍ قسري في حريّته، كما تعدُّ الاستقلالية ركيزةً اتكأت عليها الأنوار.

سفيان البراق: طالب مجاز في الفلسفة

نادرةٌ وشحيحةٌ هي النُّصوصُ العربية الّتي وردت فيها لفظة “الفرد”. ظهر الفردُ في اللُّغةِ العربيّة القديمة بمعنى الوَتر، والجمعُ أفراد وفُرادى، والفردُ نصف الزوج لا نظيرَ له.

وردت في لسان العرب لابنِ منظور كلِمة تفرُّد بمعنى العُزلةُ والانفراد. الفردُ اصطلاحاً فهو الإنسان الأحادي[1]. أمّا في معجم لالاند، فالفردُ هو الكائن الّذي يعيشُ بذاته ويتّسمُ بمثل هذا التمركز وهذا التناسُق الوظيفي بحيثُ لا يُمكنُ تقسيمهُ دون تحطيمه.

إنّ أثينا وروما هما أولُ المُدن التي شهِدت انبثاق فكرة الفرد، بالرغم من أنّ منزلتهم الاجتماعية كانت تعني الكثير لهم وتُحدِّدُ جزءاً من هويّتهم. هذا بخصوص مفهوم الفرد، الذي أنجب مذهبا أيديولوجيا ظهر في بدايات القرن التاسع عشر، هذا المذهب صار بإمكانِ الكل اعتناقه والتشبُّع به. هنا، أقصدُ الفردانية L’individualisme، وهي كلُّ ما يتميّزُ به الفرد عن الآخر من صفاتٍ جسميّة ومعنويّة، وهي مجموع السمات التي يتّصفُ بها الفرد عن أفرادٍ من مُجتمعه، وهي أيضاً التوجُّه الذي يُشدِّدُ على فكرة استقلاليّة الفرد وقُدرته على اتِّخاذ القرار.

ظلُّ الفرد لصيقاً بالمدينة، لكن، بمُجرّد خروجه أو انفصاله عن المدينة، ينعدمُ وجودهُ، ويعيشُ في تيهٍ دائم لا مرَدَّ منه، لأنّ وجوده الحقيقي والقانوني لا يتحقَّقُ بشكلٍ من الأشكال إلا داخل أسوارِ المدينة.

ماذا نفهم من هنا؟ نفهم إذن أنّ مفهوم الفرد هو حليف الاستقلالية. هذه الأخيرة هي وليدة القرن الثامن عشر، نادى بها روسو وديدرو وفولتير. رفعوا شعارها، فتحقّقت. الاستقلاليّة هي جزءٌ هام من حياة الفرد داخل مُجتمعه، وأن يعيش كيفما يُريد دون أنْ يتدخّل فيه أي أحد، فالفردُ من عادته ألاَّ يقبل أيّ اقتحامٍ قسري في حريّته، كما تعدُّ الاستقلالية ركيزةً اتكأت عليها الأنوار، وهي لا تعني الاكتفاء الذّاتي، فالنّاس يولدون ويَموتون في المُجتمع، هذا المُجتمع لولاه ما كانوا بشراً[2].

إقرأ أيضا: علي اليوسفي العلوي يكتب: الإسلام: دين ودنيا، أم دين ودولة؟

تشكّل مفهوم الفرد بشكلٍ جُزئي عند اليُونان لاسيّما مع أرسطو. نظريّة أرسطو السياسيّة تأسّست على فكرة النّاموس وإخضاع المدينة للقانون الطبيعي. حقوق الإنسان تنقسمُ إلى قسمين رئيسيين: حقوقٌ جماعيّة وحقوقٌ فردية (اختيار العقيدة، إبداء الرّأي).

هذه الحقوق الأخيرة كان احترامُها جزئياً لأنّ المُجتمع السياسي اليوناني أقصى بعض الفِئات من حقِّ المُواطنة وبقيَّت هذه الحقوق مُقتصرةً على الّذين يدفعون الضرائب.

الفرديّة إذن كانت منسيّة ومُهمّشة، وخير مثالٍ على ذلك هي محنة سُقراط، فآراءه هي السببُ الرّئيسي وراء إعدامه.

الفرد داخل المدينة عند أرسطو يجبُ أنْ يسعى إلى الخير والكمال، وهذا ما يُحقِّقُ الانسجام مع القانون الطبيعي وهنا نكونُ أمام ثلاثة دوائر: الكون هو الدَّائرةُ الأوسع، وبداخله دائرة المدينة، ثم دائرة الأفراد.

إنّ الحُريّات الفرديّة في هذه الفترة لم تكن مُهملَةً بشكلٍ كُلِّي بل كانت مُدمجةً بصورةٍ شكليّة في الحقوق الجماعية. يظلُّ الفرد لصيقاً بالمدينة، لكن، بمُجرّد خروجه أو انفصاله عن المدينة، ينعدمُ وجودهُ، ويعيشُ في تيهٍ دائم لا مرَدَّ منه، لأنّ وجوده الحقيقي والقانوني لا يتحقَّقُ بشكلٍ من الأشكال إلا داخل أسوارِ المدينة.

الطبيعة جعلت النّاس مُتساوين من حيثُ ملكات الجسد والفكر، حيث يمكنُ لأيّ فردٍ المُطالبة بكلِّ فائدة حتى إنْ وجدَ شخص مُتفوِّق جسدياً عن الآخرين بشكلٍ واضح، فإنّ الأضعف يملكُ من القوة ما يكفي لقتلِ الأقوى إمّا بحيلةٍ وإمّا بتحالفٍ مع طرفٍ آخر يتعرّضُ لنفسِ ما تعرَّض له من خطر.

تصور أرسطو للفرد لم يكن مُشابها لتصور فلاسفة التنوير، الذين سعوا إلى الفردانيّة وإلى ترسيخ قيّمها. لقد عرف مفهوم الفرد تطوُّراً ملحوظا، وهذا ما لاحظناه مع الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز. الطبيعة جعلت النّاس مُتساوين من حيثُ ملكات الجسد والفكر، حيث يمكنُ لأيّ فردٍ المُطالبة بكلِّ فائدة حتى إنْ وجدَ شخص مُتفوِّق جسدياً عن الآخرين بشكلٍ واضح، فإنّ الأضعف يملكُ من القوة ما يكفي لقتلِ الأقوى إمّا بحيلةٍ وإمّا بتحالفٍ مع طرفٍ آخر يتعرّضُ لنفسِ ما تعرَّض له من خطر.

إقرأ أيضا: محمد بن العربي العلوي… شيخ الإسلام 3/1

يظلُّ الفرد في نظر هوبز مُعرَّضاً للخطر من قبل الآخرين طوال الوقت كنتيجةٍ لانعدامِ الثقة المُتبادلة بينهم؛ حيث أنّه مُعرَّضٌ للغزوِ ونهب مُمتلكاته.

القانون الطبيعي هو الّذي يأمرُ البشر بحفظ الحياة، ويدفعُهم للسعي نحو السلام، وهو من يدفعُهم أيضاً للتخلّي عن حقِّهم في كلِّ شيء بالقدر الّذي يكونُ ضرورياً للسَّلام والدفاع عن النَّفس حين يكونُ الآخرون مُستعدُّون أيضاً لذلك وأنْ تُقيَّد حريتهم المُطلقة في مُقابل حريّة مُقيّدة إزّاء الآخرين.

[1] الإنسان الأحادي هو مفهوم استقاه الفيلسوف الألماني هربرت ماركوزه، ووضعهُ عنواناً لكتابه الشّهير “الإنسان الأحادي”

[2] تزفيتان تودوروف، روح الأنوار، ترجمة حافظ قويعة، ص 49.

لقراءة الجزء الأول:  كيف تطوّر مفهوم الفرد؟ 1/4

لقراءة الجزء الثالث: كيف تطور مفهوم الفرد: أثر ديكارت 3/4

لقراءة الجزء الرابع: كيف تطور مفهوم الفرد؟ أسئلة فوكو 4/4

تعليقات

  1. عليلو

    السلام عليكم انا طالب بحاجة الي موضوع علاقة الفرد بالثقافة و أجركم على الله . و شكرااا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *