مصطفى مفتاح يكتب: جهنم حرب الإبادة تستمر وتزداد اضطراماً وضحايا… أين المقاومة؟ - Marayana
×
×

مصطفى مفتاح يكتب: جهنم حرب الإبادة تستمر وتزداد اضطراماً وضحايا… أين المقاومة؟

أتفهم وأتشارك مع الصادقين، لوعتهم العارمة على الفظاعات التي ترتكب في فلسطين، بما فيها غزة، وأملهم في وقف المعاناة العظيمة القائمة منذ عام ونصف، ولكني أسأل من يتهمون حركة المقاومة عن مسألتين: هل هي التي أقرت في الكنيست أن أرض فلسطين كلها لإسرائيل وشَرَّعَت وتُشَرِّعُ للفصل العنصري، وهل هي التي أملت على القانون الدولي اعتبار المقاومة، بما فيها المقاومة المسلحة، حقّاً لكل شعبٍ يرزح تحت الاحتلال والاستيطان؟ حقٌّ جعلته الأخلاق وواجب الانتماء واجباً.

miftah mostafa مصطفى مفتاح
مصطفى مفتاح

كثيرون منا متعاطفون مع الشعب الفلسطيني في محنته القاسية. وكثيرون منا أيضا قد لا تعجبهم، تدخلات “أبو عبيدة” ولا بلاغات حركات المقاومة، وربما أننا نسينا أن هناك مقاومة، منذ الإخراج “الرديء” “أو “الرائع” لاستعراض القوة عند الإفراج عن المحتجزات والمحتجزين الإسرائيليين. ثم، بعد، كل يوم أو ليلة من الأخبار، لا يبقى في الذاكرة سوى الضحايا ورجال الإسعاف ومن يساعدهم والصحفيون المهنيون والهواة.

يأتينا الكلام عن المقاومة فقط من داخل إسرائيل، المتضامنون وخصوم نتنياهو والمتطرفون، لكن هذا المصدر شحيح حيث أن خبر سقوط قائد هنا أو هناك يمر بسرعة البرق إن مرق من الرقابة. أو يأتينا من الولايات المتحدة وبعض العواصم التي تسهر على تتبع أثر كل من تعاون مع أو سلم على عضو من منظمة إرهابية ما.

ثم خرجت بعض وسائل الإعلام، مثل “Le Monde” و”الشرق الأوسط” و”قنوات محايدة” مثل” CNN” و”BBC ” و”الحرة” و”العربية” وفرنسا 24 ” و”سكاي نيوز” و”الجزيرة نت” وحتى “ويكيبيديا” يومي 25 و26 و27 مارس 2025 بأخبار وصور “المظاهرات الحاشدة ضد حماس” ولم تتعرض صحيفة “هاآرتس” للموضوع وأوردت جريدة “معاريف” أن المسؤولين الإسرائيليين يشتبهون في أن المظاهرات نظمتها “حماس” ضد “حماس” لتغليط إسرائيل وتوهيمها بأنها ضعفت، وفي الفاتح من أبريل 2025 أخبرتنا “اندبندنت عربي” أن حماس قمعت وأنهت الاحتجاجات ضد “حماس”. ولعل القمع ما زال مسلطا رغم الغارات اليومية ليل نهار والاحتجاجات مكظومة تنتظر!

ثم بدأنا نسمع، مع توالي الأيام والليالي والقصف والإبادة والتجويع، عن مسؤولية حركة المقاومة، ولو بشكل ثانوي، فيما يجري للشعب الفلسطيني هناك، ثم انبرى رئيس السلطة الفلسطينية على كل شبرٍ تحرَّر من مكاتب المقاطعة، ليسب “حماس” ويدعوها لتسليم السلاح والمحتجزين.

ونستهلك كل هذا ولا ننتبه أن المواقف التي يتم التعبير عنها والدعاية لها، إمّا أنّها مبنية على عناصر غير منطقية أو غير واقعية أو كاذبة، تحركها مصالح واختيارات سياسية أو إيديولوجية. والأدهى، غياب إعمال العقل والمقارنة وتمحيص المعلومات والتريث والاعتماد على الحس العام.[1]

وكمثال أول: هذه منطقة محدودة جغرافيا، ذات كثافة سكانية مرتفعة بل واستثنائية، وكل سكانها يتعرضون يوميا لكل أشكال القتل والقصف والتجويع والنزوح، ولا يعترضون على الحركة التي “تورطهم”، إن كانت لا تمثل مقاومتهم الإرادية، على الأقل في غالبيتهم، ويمكن لمن له رأي معارض، أن يعتمد على مساندة مباشرة أو غير مباشرة من كل خصوم حركة المقاومة من “سلطة” أو حتى من العدو وأذنابه، وكل هذا تحت أنظار مراقبين وصحافيين لا دليل على أنهم كلهم من مناصري حركة المقاومة، بل إنهم أنفسهم وأطفالهم وذووهم ضحايا وأهداف.

زد على ذلك، أن العمل الصحفي غير متيسر في غزة، وممنوع إلا في رِكاب الجيش الإسرائيلي والرقابة العسكرية في المناطق التي تريدها إسرائيل، ويمكن أن نطنب ما طاب لنا في الموضوع. وبالمناسبة، ما هو الموضوع؟

زد على ذلك أيضا، أن “حماس” عبرت عن استعدادها لتسليم كل المحتجزين، مقابل الإفراج على ما قبلته إسرائيل من الأسرى الفلسطينيين. في نفس الآن وكل يوم، تصر عائلات المحتجزين على اتهام حكومة إسرائيل أنها، أي الحكومة، لا تريد إطلاق سراح ذويهم. هل هذه العائلات الإسرائيلية متعاطفة مع المقاومة؟

ثم نريد أن نفهم، ما السرُّ في العمليات العسكرية الدائرة في القطاع، بعد عمليات الإبادة من إعادة هندسة القطاع؟

ثم نريد أن نفهم سِرَّ الهجومات الإسرائيلية على المخيمات، عفوا حرب الإبادة التي تُشَنُّ في المناطق التي خولت اتفاقات “أوسلو” أمر تدبيرها للسلطة الفلسطينية في رام الله، ونريد أن نفهم أيضا هل حركة المقاومة هي التي تحجز حصة السلطة من الضرائب وتمنع صرف أجور موظفي رام الله؟

أتفهم وأتشارك مع الصادقين، لوعتهم العارمة على الفظاعات التي ترتكب في فلسطين، بما فيها غزة، وأملهم في وقف المعاناة العظيمة القائمة منذ عام ونصف، ولكني أسأل من يتهمون حركة المقاومة عن مسألتين: هل هي التي أقرت في الكنيست أن أرض فلسطين كلها لإسرائيل وشَرَّعَت وتُشَرِّعُ للفصل العنصري، وهل هي التي أملت على القانون الدولي اعتبار المقاومة، بما فيها المقاومة المسلحة، حقّاً لكل شعبٍ يرزح تحت الاحتلال والاستيطان؟ حقٌّ جعلته الأخلاق وواجب الانتماء واجباً.

ولأن الأطفال والصحفيين والثكلى من أمهات غزة والضفة، متطرفات ومتطرفون، وربما إرهابيون، أليست، محاصرة المقاومة واستهداف سلاحها، مبادرة لمساعدة جيش الإبادة، على التقليل من كلفة وحجم الخسائر، التي يتكبدها ماديا وعسكريا وبشريا وديبلوماسيا، بل وحتى في خلق صعوبات لعمليات التسويق للخبرة والمنتوجات الإسرائيلية في القتل الجماعي والذكاء الاصطناعي لأغراض أمنية وعسكرية ومخابراتية، تعجز لحد الساعة، عن إحداث أي اختراق في جبهة تراقبها وتفتش جزئياتها الأقمار الاصطناعية و خوارزميات التعرف على الوجوه والطائرات المسيرة و”السكانيرات” و كل الوكالات الشقيقة والصديقة والحصار؟

كلمة أخيرة حول “ابتهال أبو السعد”، لقد فرضت صورتها وصوتها ومبادرتها الشجاعة في مؤتمر “مايكروسوفت” وخطفت كل الأضواء، لأنها أظهرت أن المقاومة كالموتى ليسوا إحصائيات أو لا وجه ولا اسم لهم، ولم تكن وحدها، بل هناك من يقمن ويقومون بالمقاومة في مختبرات ومعامل السلاح ومواد الغيار العسكري وفي “مايكروسوفت” نفسها، ويبدعن ويبدعون في التعبير عن تضامنهم الإنساني في كل عواصم العالم، يفضحون الدم والتنكيل والإبادة. لكن البعض مع الأسف، اهتموا أكثر بلباسها وشكله ولونه، ليقامروا حول علاقاتها المحتملة. طبعاً، ما إن طردتها الشركة حتى غابت عن الأخبار. ربما لأنَّ الكلام عن المقاومات والإبداع فيها والانخراط فيها من طرف الناجحين النوابغ خطر استراتيجي على سردية “الإبادة”.

[1] Le bon sens

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *