هشام روزاق: أخنوش ورشيد الطالبي العلمي والآخرون: رقصمالية مغربية على مقام الغاز
أخنوش ورشيد الطالبي العلمي ومن معهما، يقدمون للمغرب، وصفة “الدولة المقاولة”، التي يستطيع رجل المحروقات الناجح أن يقودها نحو الرفاه، لكن … نموذج الدولة، أو المقاولة في النهاية، ليس سوى رشيد الطالبي العلمي… مقاولة، تتهرب من الضرائب، ولا تصرح بعمالها لدى مصالح الضمان الاجتماعي. أي ببساطة، دولة/ مقاولة سرية تشتغل في الـ “marché noir”، لكنها، في نفس الوقت، تعتبر كل من يسائل هويتها “الكونتروبوندية”، خارجا عن الشرعية، وخائنا للوطن.
الدولة المقاولة التي يريدون… هي نفسها الدولة التي تحول البلد إلى سوق مفتوحة للاستثمار والربح، لكنها لا تفترض، بالضرورة، وجود شركاء محتملين في الأرباح. الشركاء الوحيدون الذين تتسع لهم المقاولة هنا، هم الشركاء في الخسائر.
… “التهرب الضريبي، هو العمل الفكري الوحيد الذي لازال يكافئ القائمين به”.
الجملة أعلاه، هي جزء من كلمة لـ “John Maynard Keynes”، أب ومؤسس الـ (Macroéconomie)، وهي تذكرني دائما، بأن بلدي تظل استثناءً، حتى داخل الجمل التراجيكوميدية التي تتخيل أن للأسوأ قاعا… يصله، فيقف عنده!
في أسوأ تصوراته لقاع السوء، تخيل “جون مينارد كينز”، في الغالب، مجموعة من الأشخاص، وهم يستمتعون بالأموال التي بذلوا “مجهودا فكريا” كي يتهربوا من أدائها للدولة، وكي يحولوها إلى أرباح غير قانونية، مستفيدين من نسق سياسي معين، ومراهنين على فساده. لم يدر بخلد “كينز” ربما، أن لِقاع السوء أحيانا، هندسات مختلفة… أن المتهرب الضريبي، قد يكون هو النسق السياسي، وهو مانح صكوك الانتماء للدولة قبل الوطن.
لم يتخيل “John Maynard Keynes” ربما، أننا قوم، حين نصل القعر، نحفره… ونواصل الهبوط، كي نعلن “رشيد الطالبي العلمي” رئيسا لمجلس النواب، وثالث اسم في هرم السلطة بالمغرب، وقبله… أخنوش و”نورفي كوير”.
كل ما وصله تصور “كينز” للسوء، هو مجموعة أشخاص، يقضون سنة من حياتهم المهنية، يزورون ويدلسون في الحسابات، كي يختموا سنتهم المالية، بمبالغ وأرباح تدخل جيوبهم، خارج سلطة الدولة. لم يتخيل ربما، أن هناك شركة اسمها “نورفي كوير”، وأنها تعمل في قطاع النسيج، وأن مالكها… تهرب، منذ 1991، إلى غاية 2017، من أداء ضرائب بقيمة 1 مليار و300 مليون للدولة… وأن نفس هذه الدولة، وجدته يتربع اليوم على كرسي ثالث مسؤولية في هرم سلطتها، وأن اسمه ببساطة… رشيد الطالب العلمي، وأن هذا الشخص، هو من خرج مؤخرا ليصف قرار مركزيات نقابية بمعارضة وعدم حضور التصويت على قانون الإضراب الذي جاءت به حكومة، رجل الأعمال أخنوش، بـ “الخيانة للسيادة الوطنية”….
“تاكل” الدولة فـ 1 مليار و300 مليون… و”تاكل” أكثر من 100 عامل، كانوا يشتغلون في هذه الشركة، في حقوقهم وعدم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يبقى مجرد “عمل فكري” أو مجهود ذهني، ولكن… أن تعارض وتحتج على قانون الإضراب الذي يؤطر العلاقة المفترضة بين العمال وأشباه رئيس الحكومة ومعه رئيس البرلمان، مالك “نورفي كوير”، هو… خيانة للسيادة الوطنية.
أن تحصل إحدى شركات رئيس الحكومة على صفقة، توقعها مع نفس الحكومة، لإنجاز محطة تحلية مياه الدار البيضاء بمبلغ 6.5 مليارات درهم، وعلى صفقة بقيمة 2.44 مليار درهم لتزويد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بالفيول، وقبلها صفقة ضخمة للمكتب الوطني للمطارات، من أجل توريد وقود الطائرات… هو أمر في غاية اللطف ولا يطرح أدنى مشكل في مؤشر “تناطح” المصالح وليس تضاربها، لكن البشع… هو رفض مركزيات نقابية لقانون الإضراب. ذاك خيانة للسيادة الوطنية!!
أخنوش، ومعه الطالبي العلمي، ومعهما كل جهاز البروباغاندا والتسويق الذي يسمى إعلاما، يقدمون للمغرب، وصفة “الدولة المقاولة”، التي يستطيع رجل المحروقات الناجح أن يقودها نحو الرفاه، لكن … نموذج الدولة، أو المقاولة في النهاية، ليس سوى رشيد الطالبي العلمي… مقاولة، تتهرب من الضرائب، ولا تصرح بعمالها لدى مصالح الضمان الاجتماعي. أي ببساطة، دولة/ مقاولة سرية تشتغل في الـ “marché noir”، لكنها، في نفس الوقت، تعتبر كل من يسائل هويتها “الكونتروبوندية”، خارجا عن الشرعية، وخائنا للوطن.
الدولة المقاولة التي يريدها أخنوش ومن معه، تريد مقاولة بدون رأس مال، وبدون عمال.
الدولة المقاولة التي يريدون… هي نفسها الدولة التي تحول البلد إلى سوق مفتوحة للاستثمار والربح، لكنها لا تفترض بالضرورة، وجود شركاء محتملين في الأرباح. الشركاء الوحيدون الذين تتسع لهم المقاولة هنا، هم الشركاء في الخسائر.
خلال سنوات طويلة، بدأت منذ 2008، أطلق وزير الفلاحة حينها، رئيس الحكومة اليوم، عزيز أخنوش، ما سماه بمخطط المغرب الأخضر، والحصيلة التي يكتشفها المغاربة اليوم، أننا بالفعل…”طليناه اخضر… ومّا الكارم يتحتحت”…
حسب معطيات بنك المغرب، مخطط أخنوش الأخضر جعل القطاع الفلاحي، وهو أحد أهم ركائز الاقتصاد والبنية المجتمعية، خصوصا للفئات الهشة في المغرب، يفقد حوالي 1 مليون منصب شغل…
… خلال مروره الأخير بمجلس المستشارين، تحدث رئيس المقاولات الخاصة به، ورئيس الحكومة أيضا، عن ما أسماه بمخصصات للاستثمار العمومي وصلت، حسبه، إلى 340 مليار درهم، وتحدث عن الاستثمارات الخاصة… بل، وتحدث أكثر من ذلك، عن ما أسماه، بكون كل المنظمات والتقارير الدولية، “أجمعت” على حيوية ومتانة الاقتصاد المغربي. لكنه…
نسي أن يتحدث عن “شذوذ” مهم عن كل هذا الإجماع، وعن خلاصات المنظمات والتقارير الدولية، والذي حملته مذكرة إخبارية أخيرة للمندوبية السامية للتخطيط حول وضعية سوق الشغل، والتي أخبرتنا ببساطة، أن معدل البطالة في الدولة/ المقاولة، ارتفع إلى 13,3 في المائة خلال سنة 2024، وأن “معدل البطالة انتقل من 6,3 في المائة إلى 6,8 في المائة بالوسط القروي (الذي أشرف أخنوش على مخططه الأخضر)، ومن 16,8 في المائة إلى 16,9 في المائة بالوسط الحضري الذي، إلى جانب الوسط القروي، يشرف أخنوش على حكومته.
الدولة/ المقاولة إذن، تفقد كل يوم، وكل سنة، يدها العاملة، وتوفر كل يوم وكل سنة، مناصب بطالة جديدة للمغاربة، وتوفر كل يوم وكل لحظة، ارتفاع أسعار المحروقات لمقاولات أخنوش، ويستعصي فيها اللحم والخضر والسمك على جيوب شركاء الخسارة فيها… لكنها وهذا الأهم…
توفر الدولة/ المقاولة في المغرب، فرصة لمتهرب من الضرائب أن يصير رئيس مجلس النواب.
وأن يصف رافضين لقانون الإضراب بالخونة.
و… توفر الدولة/ المقاولة، صفقات أكثر لأخنوش.
في النهاية…
كان “John Maynard Keynes” عضوا في الحزب الليبرالي في المملكة المتحدة. لكنه، ذات يوم، توقف ليسائل نفسه وقناعاته، وليتساءل ما إذا كان هو نفسه ليبراليا، وليختار الانتصار لوعيه، ولرؤيته للدولة التي يريد، وليختار حل الديمقراطية الاجتماعية.
ذاك كان خيار “كينز” الواعي والمؤسس له بالمعرفة والعلم. أما نحن…
فلنا في رشيد الطالبي العلمي الإسوة والنموذج… ولنا أن نشهد كيف يتحول متهرب من الضرائب إلى عنوان دولة وأحد قمم هرم السلطة فيها…
ولنا أخنوش الذي جعل الريع والمال العام، رقصمالية مغربية تعزف على مقام الغاز…
في زمن قريب مضى، كنت أراهن دائما على صوت العقل المحتمل داخل الدولة.
اليوم… أدركت أنني لم أعد مجنونا بما يكفي.
وهذا… بعض من كلام.