سناء العاجي الحنفي تكتب عن تعديلات مدونة الأسرة في المغرب: حين يجعلون الدين حارسا للمال والجنس - Marayana - مرايانا
×
×

سناء العاجي الحنفي تكتب عن تعديلات مدونة الأسرة في المغرب: حين يجعلون الدين حارسا للمال والجنس

هم يفكرون في الطلاق والنفقة حتى قبل أن يتزوجوا. ويرتعدون من حضن زوجها المقبل حتى وهم لم يتزوجوها بعد. ويخافون على بيوت سيسكن فيها أطفالهم، أكثر بكثير مما يخيفهم أن يتشرد هؤلاء الأطفال بعد الطلاق.
لذلك ترعبهم التعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة في المغرب.

حين أتأمل النقاشات الدائرة حول مدونة الأسرة المرتقبة، أتذكر قولة محمد عبد الوهاب رفيقي في إحدى حلقات بودكاست “حديث ومغزى”: ما يخفيهم أكثر، وما يربكهم أكثر… هما الجنس والمال!

لا الدين ولا الأسرة ولا الأخلاق ولا الأطفال.

فهم، مثلا، لا يناقشون تقسيم مدة الحضانة بينهم وبين الزوجة السابقة بالتساوي، لكي يقضوا وقتا أكبر مع أطفالهم ولكي يتوفر للأطفال توازن أكبر وترابط مع الوالدين في حالة الطلاق؛ ولا يناقشون تعميم عطلة الأبوة. حتى وهم يتحدثون باسم الدين، فهم لا يتذكرون مثلا آية “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”. تركيزهم في النفقة والتعدد وزواج الزوجة السابقة!

مرعوبون من النفقة بعد زواج الأم الحاضنة. علما أن النفقة، في الأصل، ليست للأم الحاضنة بل للأبناء. فهل العدل و”الرجولة”، عندهم، أن ينفق زوج الأم على أبنائهم؟ علما أن مبلغ النفقة التي يحددها القاضي، في معظم الحالات، لا يكفي لحاجيات الأطفال وتضطر الأمهات غير العاملات للاعتماد على الأهل أو الزوج المقبل. هذا إذا استطعن الزواج؛ لأننا في مجتمع مهتز يريد تطبيق الشرع في الإرث ويرفض نفس الشرع الذي يجيز للمطلقة الزواج. معظم الصحابة والنبي نفسه تزوجوا بنساء مطلقات أمهات حاضنات… لكنَّ هذا ليس بالشرع الذي يروق لهم ولا النموذج الذي يودون الاقتداء به. الشرع الوحيد الذي يعجبهم هو الذي يتمسك بالتعدد وتزويج الصغيرات و”للذكر مثل حظ الأنثيين”… وطبعا، ممارسة الجنس بحرية دون الخوف من تحمل مسؤولية الأطفال المحتملين، لأن هذا الشرع نفسهم يعفيهم من مسؤولية ثبوت النسب بناء على حديث “الولد للفراش“!

إنهم “يخافون على الأطفال من الاستغلال الجنسي لزوج الأم!”. أرأينا هوسا بالجنس أكثر من هذا؟

بالفعل، لا يمكننا أن ننفي الانحرافات الجنسية. لكن، هناك أيضا آباء اعتدوا جنسيا على أبنائهم وبناتهم. فهل سنحرم كل الآباء من حضانة أبنائهم لأن هناك ممارسات شاذة بدرت من البعض؟

الحقيقة أن الهم الحقيقي ليس الخوف على الأطفال، ولا حتى هو النفقة. تلك التي كانت زوجتهم، لا يمكن أن تكون لرجل آخر. هكذا هو تصورهم. الشرع نفسه، الذي باسمه يريدون التعدد ويرفضون المساواة في الإرث، يبيح لها الزواج. لكنهم هنا يرفضونه. فإما أن تكون أما مطلقة؛ أو أن يتم ابتزازها بأمومتها. وأي مشروع قانون سيحرمهم من ورقة الضغط هذه، ها هو قد أخرج أسوأ ما فيهم.

هم يفكرون في الطلاق والنفقة حتى قبل أن يتزوجوا. ويرتعدون من حضن زوجها المقبل حتى وهم لم يتزوجوها بعد. ويخافون على بيوت سيسكن فيها أطفالهم، أكثر بكثير مما يخيفهم أن يتشرد هؤلاء الأطفال بعد الطلاق.

رجولتهم المتخيلة تجعلهم يرتعدون من فكرة توفير النفقة للزوجة السابقة (والتي هي في الحقيقة نفقة الأبناء). وكأنهم يتمثلون الرجولة، حصريا، في حرمان هؤلاء الأطفال من نفقتهم (انتقاما من الأم). لا يتمثلون رجولتهم وأبوتهم الحقيقية في توفير نفقة أطفالهم، خارج احتمالات زواج أمهم الحاضنة (بما أن أبوتهم لهؤلاء الأطفال لا تنتهي بطلاقهم منها وبلا بزواجها اللاحق). فهل تكمن “رجولتهم” الحقيقية في أن ينفق على أبنائهم، زوج الأم، مثلا؟

يرقصون فرحا برفض الخبرة الجينية لأنها تمكنهم من الإفلات من مسؤولية الأطفال المحتملين. وفي موضع آخر، ستجدهم يكتبون أن الدين يشجع على العلم. وهو نفس الدين الذي تُرفَض باسمه حجة علمية صحيحة بنسبة 99،99٪ لإثبات النسب.

رغم أن القيافة كانت تُستعمل في السنوات الأولى للإسلام لثبوت النسب بناء على الشبه، واعتمدها النبي واعتمدها الفقه المالكي.

فهل توفرت للنبي الخبرة الجينية الحالية ورفضها؟ أم أن الاجتهادات الفقهية الحالية لا يجب أن تصب إلا في مصالح الرجال المادية والجنسية؟ “انكحوا ما شئتم.. فلا مسؤولية عليكم”!

يقولون إن التبني يسبب في اختلاط الأنساب.

لكن، أليس رفض الخبرة الجينية هو أكبر مسبب لاختلاط الأنساب؟

يرفضون توقيف العمل بالتعصيب ويتعللون بنص شرعي، علما أن التعصيب مبني على قراءات معينة لنصوص دينية. يخافون الاجتهاد في الإرث رغم أن عمر بن الخطاب اجتهد في إرث الجد، وعلي ابن أبي طالب اجتهد في “الحادثة المنبرية”، وهي كلها قضايا مرتبطة بالإرث؛ والفقهاء اجتهدوا لاحقا في الوصية، وعمر ابن الخطاب اجتهد في قضية “المؤلفة قلوبهم” حين أوقف العمل بها وهي “فريضة من الله” كما جاء في النص القرآني؛ ومعظم المجتمعات الإسلامية الحديثة اجتهدت في حد الحرابة والزنا والسرقة وفي العلاقة بأسواق العبيد والنخاسة. لكنهم لا يتمسكون بالشرع إلا حين يتعلق الأمر بحقوق النساء… أو بمصالح مرتبطة بالجنس وبالدين.

لذلك، فنعم، أنا كامرأة مغربية، سعيدة بعدد من المكتسبات المهمة في النسخة المرتقبة: كالولاية القانونية للأمهات وحق الأم الحاضنة في الاحتفاظ بحضانة أبنائها حتى بعد الزواج كي لا تكون مضطرة للاختيار بين أمومتها وأنوثتها؛ وبتثمين العمل المنزلي، وبحق أحد الزوجين المتبقي على قيد الحياة في الاحتفاظ ببيت الزوجية دون التركة حتى وفاته، وبتطورات أخرى مهمة لنساء مغرب 2024… لكني لا أنكر إحباطي من توافقات وقراءات مغرقة في المحافظة (على المصالح) ستدفع النساء ويدفع الأطفال ثمنها لسنوات مقبلة.

 

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *