منى نوال حلمي: لا نريد أن نُساق مثل النعجة إلى الحظيرة
نركز على ضرب الإرهاب الذي يسفك الدماء. أما الارهاب الذي يسفك التقدم الحضاري والعلمانية والمواطنة والقوانين الوضعية، تركناه دون رقابة وتحجيم وعقاب رادع.
مرجعيتنا في الحياة من الألف إلى الياء، يجب أن تتبع مواثيق دولية لحقوق البشر، وقعنا على الالتزام بها. بصفة عامة: العدالة والحرية وعدم التمييز بين البشر على أساس الدين أو العرق أو الجنس.
نعيش لحظات تنادي كل قلم مصري، أن يسكب ذروة “وطنيته” على الورق. لحظات تستنفر فينا، مصريين ومصريات، أعز ما نملك وأشرف ما نكون، ألا وهو الرأي الحر الخالص لوجه مصر.
قال جورج برنارد شو، 26 يوليو 1856- 2 نوفمبر 1950: “الوطنية هي أن تعتقد أن بلدك أفضل بلد في العالم لمجرد أنك وُلدت بها… وأن السلام العالمي لن يتحقق والعالم لن يهدأ، إلا باستئصال الوطنية”.
لا أشك أن الكثيرين سيختلفون مع هذا الرأي. هنا، أوضح أمرين: الأول أن المشكلة ليست في الشعور بالوطنية، لكنها في الشخص، امرأة أو رجلا، الذي يشعر بالوطنية. إذا كان الشخص متفتح العقل، راقي العواطف، رحب الإنسانية، لا يعرف التعصب والاستعلاء، فإن شعوره بوطنيته سيشبهه، أي أن وطنيته تصبح متفتحة العقل، راقية العواطف، رحبة الإنسانية، ليست لديها ميول عنصرية أو استعلائية.
والعكس صحيح: إذا كان الشخص امرأة أو رجلا، مغلق العقل، متدني العواطف، إنسانيته تقف عند حدود بلده، له تفكير متعصب استعلائي، ستصبح وطنيته مثل طبيعة شخصيته.
لست ممنْ يفسرون أن مجتمعاتنا تحتل المراتب المتأخرة في جميع مجالات الحياة، بنظرية المؤامرة التي تعطل مسارنا الحضاري. هناك بالفعل مؤامرة خارجية، ومنذ زمن بعيد وبشكل ممنهج ومخطط، لإبقائنا متخلفين وتابعين وتحت السيطرة.
لكنني، في الوقت نفسه، لا أنكر أن الجزء الأكبر والأخطر يحدث بسببنا نحن. الخارج، مهما كان جبروته، لا يستطيع اختراقنا إلا إذا فتحنا له الثغرات.
قال غاندي، 2 أكتوبر 1869 – 30 يناير 1948: “لا أسمح لأحد أن يدخل عقلي بأقدامه المتسخة”. وقال مارتن لوثر كينج، 15 يناير 1929 – 4 أبريل 1968: “لا أحد يستطيع ركوبك إلا إذا كنت منحنيا”.
هناك قوى خارجية منظمة تتحرك على نطاق العالم بأسره، شبكة محكمة فاسدة، خيوطها هي إحياء الحروب الطائفية لازدهار إنتاج الأسلحة وتحقيق الأمان لإسرائيل – الابنة المدللة للقوى العظمى – والمؤسسة على نص ديني، ومبدأ ختان الذكور مقابل الأرض، وذلك بصناعة ولايات دينية طائفية ومذهبية، ولنهب الموارد والكرامة والمصير؛ وهي تمول أيضا التراث الديني والثقافي وتدعم التناقض في التعامل مع جسد المرأة، تعريته وتغطيته وبيعه في “البغاء”؛ فالتناقضات تضعف، وتبلبل، وتحجب الرؤية، وتزيد العنف والجرائم.
كل هذا يضعف المناعة الذاتية الداخلية، التي تجعل البلد لقمة سهلة لآكلة لحوم الأوطان، ومصاصي دماء النساء.
جهاز المناعة داخل الجسم هو المسؤول الأول عن صحتنا أو مرضنا. والأمر نفسه ينطبق على الشعوب.
إن جماعات التطرف والإرهاب والإفساد، بدأت في البلاد وفي المناطق التي تتضخم فيها مظاهر غياب الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية. تماما، مثل أي مرض عضوي يبدأ بمهاجمة أضعف مناطق الجسد.
إن احتلال الفكر والعقل، أبشع وأخطر من احتلال الأرض والموارد.
أرى أن “الفكر محرك التاريخ”، وليس “الاقتصاد”.
“كيف نفكر”، هو “كيف نشغل عقولنا”، و”نصل إلى النتائج” و”نضع الأولويات”، “نعقد مقارنات”، “نعيد قراءة التاريخ”، و”نغربل التقاليد والعادات”، و”نسأل عن جذور الأشياء”. “كيف نرى أنفسنا والآخرين”، و”كيف نغلف الوطنية بالنقد المستمر الضروري للتقدم”. هذه هي الخامات التي تشتغل عليها “الفلسفة”، الأجنحة التي بها نطير.
قد نطير ونحط في “خرابة”، “صحراء جرداء”، سلة نفايات، أو في حدائق وبساتين.
ما يحرك التاريخ، وما يصنع الحضارة، وما يحدث التغيير، هو “كيف نفكر”، أي “الفلسفة” التي نختارها؛ وليس الاقتصاد. أي نظرية اقتصادية أو توجه اقتصادي، هو في الأساس “فكرة”، أو “رؤية”، أو “اختيار”.
مصر، فى 30 يونيو 2013، اختارت فلسفة الحكم المدني.
باختيار الدولة المدنية، لا تنتهي المعركة. لكنها تبدأ. ما نشهده كل يوم يؤكد أن هناك “كهنوتا” يمشي ملكا مختالا في الطرقات.
هذا “الكهنوت”، يتمثل في رجال الدين الذين يمارسون الوصاية الدينية وتغلغلها في الحياة. يعتمدون في نجاحهم على ضعف جهاز المناعة الداخلي للوطن والشعب المصري، الذي أخرج الإخوان من الحكم وأدخلهم إلى العقول والأمزجة المهووسة باستعراض أشكال التدين المزخرفة.
أصحاب الكهنوت خرجوا من قصر الاتحادية، ودخلوا العقول والأمزجة والبيوت.
نحاول الطيران بجناح واحد، وهو اختيار الدولة المدنية. لكن حمايتها هو الجناح الثاني الذي أهملناه. والنتيجة: هشاشة المناعة الداخلية، وتقدمنا خطوة ثم النكسات مائة خطوة.
نركز على ضرب الإرهاب الذي يسفك الدماء. أما الارهاب الذي يسفك التقدم الحضاري والعلمانية والمواطنة والقوانين الوضعية، تركناه دون رقابة وتحجيم وعقاب رادع.
حجب الأديان عن الحياة، ونزع أظافر الكهنوت التي “تخربش” وتدمي مسارنا الحضاري، هي قضية: “نكون أو لا نكون”.
مرجعيتنا في الحياة من الألف إلى الياء، يجب أن تتبع مواثيق دولية لحقوق البشر، وقعنا على الالتزام بها. بصفة عامة: العدالة والحرية وعدم التمييز بين البشر على أساس الدين أو العرق أو الجنس.
قال الفيلسوف فردريك نيتشه، 15 اكتوبر 1844 – 25 أغسطس\غشت 1900، والذي أعشقه: “رجل الدين لا يمكنه السيطرة عليك، إلا إذا أقنعك بأنك كتلة متحركة من الخطايا والذنوب والالآم والحطام، ليسوقك بعدها كالنعجة إلى حظيرته”.
الشِعر خاتمتي
امرأة البحر
لن ألومك.. ولست أعاتبك
معك كل الحق
في أن تبتعد عني
فأنا امرأة لا تُطاق
كل يوم بحال
كل يوم باشتياق
لا أتوقف لحظة للتفكير
كأنني أجري في سباق.
معك كل الحق
أن تظن بي كل الظنون
فأنا من كوكب آخر
لي اشتهاءات أقرب الى الجنون
كفرت بالأحلام وبرئت من التمني
إعصار أنا… أطيح بكل الأشياء
لا تخسر نفسك بالاقتراب مِني
لا أعطي العهود والضمانات والوعود
فأنا امرأة البحر
أحيى بين المد والجزر
ولا أعرف معنى الوفاء