حسن الحو يكتب: مُولاتْ الخمار والمجتمع الهجين…
هل كان من منطق تطور الحريات الفردية في المغرب أن يتم القبض على “مُولاتْ الخمار” أم القبض على مسرب الفيديو؟ وهل فهم بعض مناضلي ودعاة الحرية الفردية الدرس، واقتنعوا أن وسائلهم في تحديث المجتمع قد تكون فاشلة حين تعتمد منطق البوز وخلق الإثارة وتبادل القبل أمام البرلمان، وليست وسائل ممتدة في الزمان تدفع المجتمع نحو الحداثة برفق وإقناع وطول نفس، بدل المواجهة المباشرة التي قد تزيد المجتمع انغلاقا ومحافظة ونفاقا؟
لا يمكن لسفينة أن تمخر عباب البحر بمحركين، محرك يوجهها نحو الشمال ومحرك يشدها جهة الجنوب. هذه السفينة سيكون مآلها الانشطار والغرق في قاع المحيط…
المجتمع المغربي يلبس في السر عباءة أبي نواس، ليعيث مجونا وإشباعا لنزواته، فإذا خرج إلى العلن تكلم بأشعار أبي العتاهية في الزهد والرقائق، ونصب نفسه قاضيا يحكم على النيات ويدين الأفعال ويوزع التهم.
ماذا فعلت “مُولاتْ الخمار” (ضحية فيديو التشهير بمدينة تطوان المغربية) حتى تنهشها سكاكين الطهرانية المزعومة؟ ماذا اقترفت حتى تشيع صورها من طرف مجتمع مكبوت يمارس أضعاف ما تمارسه بخسة ونذالة؟
هل كان من منطق تطور الحريات الفردية في المغرب أن يتم القبض على “مُولاتْ الخمار” أم القبض على مسرب الفيديو؟ وهل فهم بعض مناضلي ودعاة الحرية الفردية الدرس، واقتنعوا أن بعض وسائلهم في تحديث المجتمع قد تكون فاشلة حين تعتمد منطق البوز وخلق الإثارة وتبادل القبل أمام البرلمان، وليست وسائل ممتدة في الزمان تدفع المجتمع نحو الحداثة برفق وإقناع وطول نفس، بدل المواجهة المباشرة التي قد تزيد المجتمع انغلاقا ومحافظة ونفاقا؟
ما فعلته “مُولاتْ الخمار” يفعله أغلب المغاربة وأغلب شعوب الأرض، ومن لا يفعله… يتمناه ويحدث نفسه به، والدعوة لاستهجانه دعوة مبنية على أحكام أخلاقية دينية يُتبرك بها فقط، ولا يتم احترامها إلا علانية.
وسنورد لمدعي الكمال وطلاب المدينة الفاضلة بعض الأحداث التاريخية، التي تدلل على شيوع فعل “مولات النقاب” في أفضل حقبة دينية معتبرة عندهم…
جاء في تفسير الطبري للآية “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذلك أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا”… قدم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم المدينة على غير منزل، فكان نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن. وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل. فأنزل الله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة. وقوله (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) يقول تعالى ذكره: إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به، ويعلموا أنهن لسن بإماء فيتنكبوا عن أذاهن بقول مكروه، أو تعرض بريبة”.
وقصص زنا ماعز الأسلمي والغامدية وزوجة هلال بن أمية والمغيرة بن شعبة مع إحدى محترفات الجنس بالعراق مشهورة معروفة، رواها البخاري وغيره. أما إذا تجاوزنا العصر النبوي وزمن الخلافة، فشيوع المجون وحياة الترف في الدولتين الأموية والعباسية، واشتغال كل أطياف المجتمع، من عوام وشعراء وفقهاء بالغزل والترفيه الجنسي، كان أشهر من نار على علم. بل حتى الجنس الجماعي عند بعض الطرق الصوفية، كما ذكره ابن الجوزي في كتابه “تلبيس إبليس”، كان شيئا عاديا.
فمتى ستتخلص المجتمعات الاسلامية من الانفصام بين النص والواقع، وبين أفعال السر وشعارات العلانية؟
في الدول التي حسمت توجهها وقيمها الاجتماعية، لا تجد مثل هذا العراك بين مدعي الفضيلة وحريات الناس، وانشغالاتهم أكبر من أن تنحصر بين أفخاذ الناس والتلصص على الغرف المقفلة، إلا اذا كان الأمر يتعلق بقضية رأي عام، وضربا في القيم الإنسانية الكبرى، كالاغتصاب أو البيدوفيليا. ما عدا ذلك… فالناس أحرار ومسؤولون عن أفعالهم!
هل باعتقالنا مُولاتْ الخمار سننهي هذه الممارسات، أم سنبرهن للمجتمعات الحديثة، التي نحاول اللحاق بها، أن ما نروج له عن دولة الحقوق والحريات… مجرد ديكور دعائي للتستر على سلطة رجال الدين الذين يحشرون أنوفهم في كل شيء؟؟
بعد هذه الحادثة العابرة، على القائمين على رسم سياسات هذا البلد… أن يختاروا بين مجمتع متصالح مع ذاته وواقعه، يتمتع بأصالة في توجهاته وقيمه، وبين مجمتع هجين تتنازعه نزعات ماضوية وقيم حديثة… فهو أشبه بالمسخ منه الى المجتمع السليم.
اقرأ أيضا:
. أسماء بلعربي تكتب: أنا حرة وخارجة على القانون
. جمال خليل: تطور الحريات الفردية رهين بتطور المصالح الشخصية للأفراد