من اليمن، حسين الوادعي يكتب: هل يمكن عقلنة الدين؟
يميل الناس لأن يكونوا عقلانيين قي تقييم ديانات الآخرين، لكن هذه العقلانية تختفي عندما يتعلق الأمر بديانتهم. سيسخر المسلم مثلا من عقيدة التثليث، لكنه سيدافع بقوة عن ادعاءات الفقهاء ان …
يميل الناس لأن يكونوا عقلانيين قي تقييم ديانات الآخرين، لكن هذه العقلانية تختفي عندما يتعلق الأمر بديانتهم.
سيسخر المسلم مثلا من عقيدة التثليث، لكنه سيدافع بقوة عن ادعاءات الفقهاء ان الله يجلس على عرش يحمله ثمانية ملائكة، وأنه “ينزل” إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ليلبي دعوات المسلمين.
وسيسخر من ادعاءات مشي المسيح على المياه، لكنه مقتنع كل الاقتناع أن النبي محمد سافر إلى السماء على ظهر دابة بجناحين.
المعتزلة حاولوا عقلنة ظاهرة النبوة وقالوا إن الأنبياء غير معصومين إلا فيما يتعلق بالوحي، أما تصرفات حياتهم الأخرى فتصرفات بشرية خالصة
وسيرى تقديس الناس لتمثال بوذا الضخم غير معقول ولا مقبول، لكنه يتعامل مع تقديس وتقبيل الحجر الأسود كمسألة مفروغ منها.
وسيدين الحروب الصليبية، لكنه سيحتفي بـ “الفتوحات” وغنائمها وضحاياها.
وسيرفض سيطرة الكنيسة واستبدادها بأجساد الناس وأرواحهم، لكنه سيدافع باستماته عن حاكمية الدين/الحكم بالحق الإلهي والاصطفاء الإلهي لعائلة معينة لتنفرد بالحكم إلى يوم القيامة.
وستراه يسخر من التطهر بصكوك الغفران، لكنه لا يرى حرجا في دفع التطهر بدفع الزكوات والمكفرات وغيرها من الغرامات المالية الدينية.
يجب احترام المعتقدات بكل تأكيد… ولكن:
هل يمكن “عقلنة الدين” أم أن التدين لا بد أن يظل لاعقلانيا إلى النهاية؟
نحن نعيش عصرا جديدا يحتاج منا إعمال العقل في كل جوانب الحياة، بما فيها الدين
الحقيقة أن عقلنة الفهم الديني بدأت مبكرا جدا في الإسلام على يد المعتزلة الذين قالوا إن الكثير من الآيات يجب أن نفهمها على سبيل المجاز، مثل الآيات التي تتحدث عن نزول الله ويده ووجهه جلوسه وغضبه وانتقامه.
كما أن المعتزلة حاولوا عقلنة ظاهرة النبوة وقالوا إن الأنبياء غير معصومين إلا فيما يتعلق بالوحي، أما تصرفات حياتهم الأخرى فتصرفات بشرية خالصة.
جاء محمد عبده في العصر الحديث ليحاول عقلنه بعض الجوانب “اللاعقلانية” في الموروث، فقال إن الجن والملائكة والشياطين قد تكون رموزا لقوى روحية أو فوق طبيعية، وإن “حجارة من سجيل” التي قضت على جيش أبرهة، قد يكون رمزا لمرض الكوليرا الذي عصف بالمقاتلين. ولجأ لتأويل حادثة الإسراء والمعراج بصفتها حادثا نفسيا تم في المنام.
الدين ثابت لكن التدين متغير.
ونحن نعيش عصرا جديدا يحتاج منا إعمال العقل في كل جوانب الحياة، بما فيها الدين.
لقد مضى عصر تدين التسليم بلا عقل وجاء عصر التدين العاقل الذي ينقي الدين من كل شوائب الخرافة والعادات والقيم البالية ويصالح بين الدين والعقل، بين الجسد والروح، وبين الدين والعصر، وبين الدنيا والآخرة.