“التضليلُ أشد أنواعِ القمع”، والذئابُ لا ترعى الغنم…!
مفهومُ “التَقْنِيع” هو هنا بمعنى وَضْعُ القِناعِ على حقيقةٍ ما، من أجلِ إخفاءِ هذه الحقيقةِ وتعويضها بواقعٍ مُزَيفٍ وزائفٍ وبحالةٍ كاذبةٍ وهمية، تلاعباً بوجدانِ وعقلِ وفِطنةِ الناس، أفراداً ومجموعاتٍ ودولاً …
مفهومُ “التَقْنِيع” هو هنا بمعنى وَضْعُ القِناعِ على حقيقةٍ ما، من أجلِ إخفاءِ هذه الحقيقةِ وتعويضها بواقعٍ مُزَيفٍ وزائفٍ وبحالةٍ كاذبةٍ وهمية، تلاعباً بوجدانِ وعقلِ وفِطنةِ الناس، أفراداً ومجموعاتٍ ودولاً وشعوباً، وذلك بغايةِ التوْهيمِ والتضليلِ والتغريرِ بالناسِ والشعوب، ثم توجيه الأغلبية التوجيه والطريق الخطأ.
يقولُ المغاربةُ – على سبيلِ السخريةِ العميقة – عَنْ كل مَنْ يَتَسرعُ ولا يَتَبَصر، أو مَنْ يرى الأمورَ بعينِ غير العقلِ والحكمة؛ “شَفْ الربيعْ وْمَشَفْشِ الحافة”.. ولنا في مآلاتِ ما عُرِفَ بالربيع العربي، الدرسَ البَلِيغ !
في حياتنا المعاصرة، تطورتْ أساليبُ ووسائلُ وصيغُ “التقْنِيعِ” والتضليلِ بصفةٍ مدهشة، جراءَ نجاحِ الرأسمالية في إيصالِ “عبودية الاستهلاك” إلى معظمِ المجتمعات، وبسببِ التطورِ والانتشارِ الواسعِ الذي تعرفه تكنولوجياتُ الاتصالِ والتواصلِ، الصورة والإعلام، وتسخيرها بمعيةِ العلمِ في خدمةِ الأهدافِ غيرِ الأصلية، النبيلةِ والإنسانية للمعرفةِ والعلم…
كثيراً ما قد نَسقطُ، كمحسوبين على مجالاتِ الفكرِ والثقافةِ والفعلِ الحقوقي والنضالِ عموماً، في فخاخِ هذه الاستراتيجياتِ المُحْكمة، فَنُحَولُ من الفاعلِ إلى المفعولِ فيه أوِ المفعولِ به، ومِنْ مُنَورِين إلى مُضللين ومُخَطئِين، للناسِ بعد أنفسنا…
لذلك قال عمر بنجلون مثلاً، قبل أنْ يستشهدَ على أيدي إخوان مطيع وبن كِيرانْ وخدامِ الرجعيةِ والتبعية وأنصار الاضطهادِ والاستغلال.. قال عمر؛ ” التضليل أَشَد أنواعِ القمع”. لذلك يقولُ المغاربةُ – على سبيلِ السخريةِ العميقة – عَنْ كل مَنْ يَتَسرعُ ولا يَتَبَصر، أو مَنْ يرى الأمورَ بعينِ غير العقلِ والحكمة؛ “شَفْ الربيعْ وْمَشَفْشِ الحافة”.. ولنا في مآلاتِ ما عُرِفَ بالربيع العربي، الدرسَ البَلِيغ !
في كل الظروفِ والأحوالِ والسياقاتِ؛ الذئبُ لا يرعى الغنمَ أبداً، ولنْ نحصدَ إلا ما زرعنا ونزرع…!
ولذلك أيضاً، طَورَ “أصحاب المال والمصالح” والحكامُ الفعليون للدولِ والعالمِ أساليبَ التضليلِ وتكنولوجياته، وحشدواْ لهما الإعلامَ والوسائلَ والتنظيماتِ والجامعاتِ والتكويناتِ والتمويلاتِ السخيةَ عبر أرجاءِ العالم، بهدفِ التحكم في النفوس… ولو باستعمالِ وتوظيفِ ما يسمى بالمجتمعِ المدني والكياناتِ السياسيةِ وحقوقِ الإنسانِ ومراكزِ الخبرةِ والأبحاثِ، وكذا التنظيمات العابرة للقارات، في معظمِ الأحيان…
في بدايةِ القرنِ الماضي وأواخرِ ما قبله، أُخْضعتْ دولُ وشعوبُ ثلاث قاراتٍ في كونِنا المشتركِ والمُتشاركِ، بواسطةِ “الاستعمارِ المباشر”، تحت قِناعِ الحمايةِ والانتداب والمساعدةِ على اللحاقِ بركبِ العصرِ ونقلِ الحداثةِ والديموقراطيةِ، بينما توضحَ أن الهدفَ كان هو إخضاع هذه الشعوب واستعبادها، نهب ثرواتها وخيراتها، تسخيرها أسواقاً مربحةً ويداً عاملةً رخيصة، واسْتْدامَةِ ضُعفها وتخلفها وتبعيتها…
إن منطقتنا الممتدة من أقصى المغربِ الكبيرِ إلى أقصى الشرقِ العربي، وهي فوق بُركانِ الحروبِ الحاصلةِ أوِ الكامنةِ باسمِ “الثورات الملونة” والهوياتِ الدينيةِ والعرقيةِ، تخضعُ لذاتِ استراتيجياتِ الإخضاعِ والإضعافِ ومُخططاتِ العنفِ البَيْنِي
إبانَ مرحلةِ ما سُمي بالاستقلالاتِ وبعدها، منتصف القرنِ الماضي، عمدتِ القوى الاستعمارية الغربية بالقيادةِ الصاعدةِ لأمريكا والصهيونية والسابقةِ للغربِ وبريطانيا وغيرها، إلى جولةٍ أخرى من التسلطِ والتقْنيعِ والتضليل، بواسطةِ تكنولوجيات “الاستعمار غَيْرِ المباشر” في الدولِ والمناطقِ التي أكتفتْ بالاستقلالاتِ الشكليةِ. كما اعتمدت تلك القوى الاستعمارية على التدخلاتِ المسلحةِ والانقلاباتِ العسكريةِ في دولٍ كثيرةٍ من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخصوصاً منها تلك التي كانت قد شرعتْ في إنجاز مهام التحررِ الوطني وتأميمِ الدولةِ والثرواتِ الوطنيةِ لصالحِ أوطانها ومجتمعاتها وشعوبها…
حدث ذلك بالتزامنِ مع زرعِ الكيانِ الصهيوني بخصرِ المنطقةِ العربيةِ والنظام العنصري بجنوب إفريقيا، ومع تغذيةِ وتفجيرِ النزاعاتِ العرقيةِ والدينيةِ والأهليةِ والهوياتيةِ بالعديدِ من الأقطار، والتي هُيئتْ أسبابُها وعواملُها ومداخلُها لهذا الغرضِ من خلالِ “البَلْقَنة” والحدودِ المُزيفة والتقسيمِ والتفتيت الثقافي والجغرافي واستراتيجياتِ الإضعافِ المُمنهج.
أواخرَ القرنِ السابقِ وبدايةِ الألفيةِ الحاليةِ، تواصلتْ سياساتُ واستراتيجياتُ الإخضاعِ والهيمنةِ ذاتها، ومعها أساليب تضليل الدول والشعوبِ والسطوِ المُقَنعِ والواضحِ على خيراتها وسيادتها، مُحينةً ومُطورةً، وخصوصاً بعد استفرادِ أمريكاً و”أصحاب المال” بالعالم… هكذا، تحولَ القناعُ إلى تخريجاتٍ تحت عناوين جذابةٍ كالحريةِ والديموقراطيةِ وحقوقِ الإنسان وحق تقريرِ مصيرِ الشعوبِ…
إن منطقتنا الممتدة من أقصى المغربِ الكبيرِ إلى أقصى الشرقِ العربي، وهي فوق بُركانِ الحروبِ الحاصلةِ أوِ الكامنةِ باسمِ “الثورات الملونة” والهوياتِ الدينيةِ والعرقيةِ، تخضعُ لذاتِ استراتيجياتِ الإخضاعِ والإضعافِ ومُخططاتِ العنفِ البَيْنِي… ومما لا شك فيه، أننا في الوقتِ الذي نُواصلُ فيه التطلعَ إلى استعادةِ التحكمِ في زمامِ أمورنا واسترجاعِ مكانتنا وإشعاعنا الحضاريين، ليس أمامنا سوى أنْ نعي وندركَ جيداً فخاخَ هذه المخططات، وأنْ نتيقن أنْ لا أحد سيحك جلدَنا غير ظفرنا، وأن أولى أولوياتنا تبقى دوماً؛ رفع تحدي إنجاز استحقاق ومهام التحرر الوطني، بالتزامن مع إطلاقِ ثورةٍ ثقافيةٍ، علميةٍ ومؤسساتيةٍ شاملةٍ، تُوَطدُ قيمَ التحررِ والعقلانيةِ والإبداع وقواعدَ وبُنْيانَ الديموقراطيةِ الحقةِ ومجتمعَ الإنصافِ والمساواةِ وتكافؤ الفرصِ والمواطنةِ المتساويةِ ودولةَ الحق والقانونَ، وذلك مع النزوعِ التواقِ والمُثمرِ إلى التكاملِ والوحدةِ والتناغمِ داخل الأوطان، وبين أوطان منطقتنا، من أقصى المغربِ الكبير إلى أقصى الشرق العربي.
وفي كل الظروفِ والأحوالِ والسياقاتِ؛ الذئبُ لا يرعى الغنمَ أبداً، ولنْ نحصدَ إلا ما زرعنا ونزرع…!